بحوث ومنظماتتقاريرحوارات و مقالات

د حنان عبدالكريم تكتب: كيف يمكن الإستفادة من إعادة تدوير الأغذية في الصناعات الغذائية؟

باحث بقسم بحوث تكنولوجيا الحاصلات البستانية-  معهد بحوث تكنولوجيا الأغذية – مركز البحوث الزراعية – مصر

تواجه الصناعات الغذائية في العصر الحديث تحديات متزايدة نتيجة لتراكم نفايات الأغذية الناتجة عن مختلف مراحل سلسلة الإمداد الغذائي ، والتي تشمل بقايا الخضروات والفواكه، قشور الحبوب، العظام، والمخلفات الناتجة عن عمليات الإنتاج والتوزيع.

ومع تزايد الوعي المجتمعي والمؤسسي بأهمية الاستدامة البيئية، أتجهت الأنظار نحو إعادة تدوير هذه النفايات وتحويلها إلى منتجات ذات قيمة مضافة، تسهم في تقليل التلوث وتعزيز الاستدامة في القطاع الغذائي.

وينظر إلى إعادة تدوير نفايات الأغذية باعتبارها فرصة استراتيجية لإعادة هيكلة النظم الصناعية التقليدية، من خلال التحول من نموذج الاقتصاد الخطي القائم على الإستخراج، التصنيع، الاستهلاك، ثم الإلقاء ، إلى نموذج الأقتصاد الدائري، الذي يعيد أستخدام الموارد ويقلل الفاقد إلى أدنى حد ممكن.

ويعد هذا التوجه أداة فعالة لبناء أقتصاد أخضر منخفض الكربون، يعتمد على الكفاءة البيئية والإبتكار التكنولوجي. ومع توفير الدعم التشريعي والسياساتي الملائم، من المتوقع أن يسهم هذا المسار التحويلي في إحداث نقلة نوعية في مستقبل الصناعة الغذائية، وفي الحد من التأثيرات البيئية المصاحبة لها.

مفهوم إعادة تدوير نفايات الأغذية

إعادة تدوير نفايات الأغذية تعني تحويل المواد غير المرغوب فيها أو الفائضة  الناتجة عن مختلف مراحل الإنتاج والتصنيع الغذائي إلى منتجات جديدة قابلة للاستخدام.

وتشمل هذه المنتجات مكونات يمكن استخدامها مجددًا ضمن الصناعات الغذائية نفسها، أو تحويلها إلى مواد أولية تدخل في صناعات أخرى مثل الصناعات الدوائية، التجميلية، الزراعية، أو في إنتاج الطاقة الحيوية.

ويمثل هذا المفهوم أحد المرتكزات الأساسية للاقتصاد الدائري، حيث يُعاد توظيف المخلفات كمدخلات في سلاسل قيمة جديدة، بما يضمن الاستخدام الأمثل للموارد وتقليل الأثر البيئي.

إعادة التدوير في سلاسل الإنتاج الغذائي

إعادة التدوير في قطاع الأغذية يشمل تحويل المواد الثانوية أو المخلفات إلى مواد قابلة للاستخدام مرة أخرى. من أبرز الممارسات:

  • إعادة تدوير العبوات والتغليف حيث يتم جمع العبوات البلاستيكية والزجاجية والعلب المعدنية لإعادة تصنيعها. تُستخدم تقنيات متقدمة لفصل المكونات وإعادة تشكيلها بطريقة تحافظ على جودتها للاستخدام المستقبلي.
  • استخدام المخلفات الزراعية ويشمل قش الأرز، وسيقان الذرة، ونفايات الخضروات والفواكه، حيث يمكن تحويلها إلى سماد عضوي أو وقود حيوي.
  • تحويل زيوت الطهي المستعملة إلى وقود ديزل حيوي، مما يقلل من التلوث الناتج عن التخلص غير السليم من الزيوت.

مصادر نفايات الأغذية في الصناعات الغذائية

تنقسم نفايات الصناعات الغذائية إلى ثلاث فئات رئيسية حسب المرحلة التي تنتج فيها:

  1. نفايات ما قبل الاستهلاك والتي تشمل المخلفات الناتجة عن العمليات الأولية في خطوط الإنتاج، مثل قشور الفواكه، البذور، الألياف النباتية، ومخلفات الذبائح كالعظام والدهون والجلود.
  2. نفايات أثناء المعالجة حيث تنشأ خلال مراحل التحضير والتصنيع، وتتضمن مياه المعالجة الملوثة بالزيوت أو المواد العضوية، وبقايا المواد الخام غير المستخدمة.
  3. نفايات ما بعد الاستهلاك وهي تشمل بقايا الطعام غير المستهلكة الناتجة عن سلوك المستهلك النهائي في المنازل أو المطاعم، والتي غالبًا ما تُهدر دون استغلال.

التقنيات  الحديثة المستخدمة في إعادة تدويرالنفايات الغذائية

  1. الاستخلاص الحيوي حيث تُستخدم الإنزيمات أو أو كائنات دقيقة لاستخلاص مركبات غذائية مفيدة مثل البروتينات، الأحماض الأمينية، أو الفيتامينات  من المخلفات العضوية.
  2. التخميرالميكروبي تُستخدم  تُحول السكريات المتبقية إلى مركبات صناعية حيوية مثل الإيثانول أو الأحماض العضوية من خلال عمليات التخمير اللاهوائي أو الهوائي.
  3. التجفيف والطحن لتحويل النفايات إلى مساحيق يمكن إضافتها إلى المنتجات الغذائية كمكثفات أو مكونات ألياف غذائية.
  4. الاستخلاص بالمذيبات حيث تستخدم مذيبات عضوية لفصل المركبات النشطة بيولوجيًا مثل الزيوت، مضادات أكسدة أو المركبات الكيميائية الحيوية من القشور أو البذور.

أهمية الاستدامة في الصناعات الغذائية

تعد الصناعات الغذائية من أكثر القطاعات استهلاكاً للموارد الطبيعية، بما في ذلك المياه، والطاقة، والأراضي الزراعية. وتساهم المراحل المختلفة في سلسلة الإمداد الغذائي – مثل الإنتاج، والنقل، والتغليف في زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة، وهي مجموعة من الغازات التي  تحتبس داخل الغلاف الجوي وتعمل على احتجاز الحرارة، مما يسرّع من ظاهرة الاحتباس الحراري وتغيّر المناخ. ويؤدي غياب الاستدامة في هذه الصناعات يؤدي إلى هدر كبير في الموارد، إضافة إلى المشكلات الصحية المرتبطة بجودة الغذاء والبيئة.

لذلك، فإن اعتماد استراتيجيات مستدامة في الإنتاج الغذائي يسهم في تقليل البصمة الكربونية، والحفاظ على النظم البيئية والتنوع البيولوجي، وتعزيز الأمن الغذائي على المدى الطويل لصالح الأجيال الحالية والمستقبلية.

أمثلة علي منتجات ذات قيمة مضافة  من إعادة التدوير

  • مضادات أكسدة طبيعية مستخلصة من قشور العنب والرمان، تُستخدم كبدائل طبيعية للمضافات الصناعية.
  • زيوت غذائية صحية مستخلصة من بذور الفواكه (مثل زيت بذور التين الشوكي والعنب) تُوظف في الصناعات التجميلية أو الغذائية.
  • مساحيق غنية بالألياف من قشور البرتقال أو الموز تُستخدم كمكملات غذائية أو لتحسين خصائص المنتجات الغذائية.
  • إنتاج أسمدة عضوية (الكمبوست) حيث يُمكن تحويل بقايا الأغذية إلى سماد طبيعي يُستخدم في الزراعة، مما يغني التربة ويقلل الحاجة إلى الأسمدة الكيميائية.
  • تغذية الحيوانات يمكن استخدام بعض نفايات التصنيع الغذائي كعلف للحيوانات، باستخدام المخلفات النباتية والحيوانية المعالجة كبديل اقتصادي وآمن للعلف التقليدي بشرط معالجتها وتطهيرها بطريقة تضمن السلامة البيولوجية، مما يُسهم في دعم الزراعة المستدامة.
  • تحويل النفايات العضوية عبر التخمر اللاهوائي لإنتاج الغاز الحيوي (البيوجاز) المستخدم كوقود للطهي أو لتوليد الكهرباء.

الفؤائد البيئية والأقتصادية لإعادة التدوير

  • الحد من تراكم النفايات العضوية وتحسين أنظمة إدارة المخلفات.
  • تقليص الانبعاثات الكربونية وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
  • تعزيز الاقتصاد الحيوي من خلال خلق فرص عمل في قطاعات إعادة التدوير والتصنيع الأخضر.
  • رفع كفاءة استخدام الموارد الطبيعية وتقليل الاعتماد على المواد الخام الجديدة.

التحديات المرتبطة بتدوير نفايات الأغذية

رغم الفوائد، إلا أن هناك تحديات في تطبيق استراتيجيات إعادة التدوير وتحويل النفايات، منها

  • نقص التكنولوجيا في الدول النامية.
  • ارتفاع التكاليف الاستثمارية الأولية لتأسيس وحدات التدوير.
  • غياب الحقوق القانونية و الإمتيازات الاقتصادية  المحفزة  للمستثمرين.
  • الحاجة إلى معايير دقيقة لضمان جودة وسلامة المنتجات المعاد تدويرها، خصوصًا تلك الموجهة للاستهلاك البشري أو الحيواني. لكن يمكن التغلب على هذه التحديات من خلال الدعم الحكومي، والشراكات بين القطاعين العام والخاص، والاستثمار في البحث والتطوير.

 

زر الذهاب إلى الأعلى