د عاطف عشيبة يكتب: أنواع مضادات الأكسدة الطبيعية 1/2

وكيل معهد بحوث تكنولوجيا الأغذية- مركز البحوث الزراعية- مصر
تلعب مضادات الأكسدة الطبيعية دورًا أساسيًا في حماية الجسم من التأثيرات الضارة للشقوق أو الجذور الحرة، وهي جزيئات غير مستقرة تتكون نتيجة العمليات الحيوية الطبيعية أو بفعل العوامل البيئية مثل التلوث، التدخين، والإشعاع.
تؤدي زيادة الجذور الحرة في الجسم إلى حدوث ما يُعرف بالإجهاد التأكسدي، وهو حالة مرتبطة بتسريع شيخوخة الخلايا وزيادة خطر الإصابة بالعديد من الأمراض المزمنة مثل أمراض القلب، السرطان، والاضطرابات العصبية.
توجد مضادات الأكسدة الطبيعية بوفرة في الأغذية ذات المصدر النباتي، مثل الفواكه، الخضروات، الحبوب الكاملة، المكسرات، والبقوليات، حيث تحتوي هذه الأغذية على مجموعة واسعة من المركبات النشطة بيولوجيًا، من أبرزها الفيتامينات (مثل فيتامين C وE)، الكاروتينات، والمركبات الفينولية.
وتعمل هذه المواد على معادلة الشقوق أو الجذور الحرة ومنع تفاعلات الأكسدة التي قد تضر بالبروتينات، الدهون، والحمض النووي داخل الخلايا.
وبفضل دورها الوقائي، تحظى مضادات الأكسدة الطبيعية باهتمام متزايد في مجالات التغذية، الصناعات الغذائية، والبحوث الطبية، إذ تُعد عنصرًا مهمًا في تعزيز الصحة العامة والوقاية من الأمراض، إلى جانب دورها في تحسين جودة وحفظ الأغذية بطرق طبيعية وآمنة.
التصنيف العام لمضادات الأكسدة الطبيعية
نظرًا لتنوع هذه المركبات في تركيبها الكيميائي وآلية عملها ومصادرها، فقد وُضعت عدة تصنيفات علمية لها لتسهيل دراستها وتوظيفها في المجالات الغذائية والطبية، من أبرزها التصنيف وفق الذوبانية إلى مضادات أكسدة ذائبة في الدهون مثل فيتامين E والكارتونيات، وأخرى ذائبة في الماء مثل فيتامين C وبعض المركبات الفينولية.
كما يمكن تصنيفها وفق طبيعة المركب الكيميائي إلى فيتامينات، مركبات فينولية، مركبات كبريتية، وأحماض أمينية أو ببتيدات ذات نشاط مضاد للأكسدة.
وهناك أيضًا تصنيف يعتمد على آلية العمل، حيث تُقسم إلى مضادات أكسدة أولية تمنع تكوّن الجذور الحرة، وثانوية تعمل على إيقاف سلسلة التفاعلات التأكسدية أو إصلاح الأضرار الناتجة عنها.
هذا التنوع في التصنيف يعكس التنوع الكبير في مصادر مضادات الأكسدة الطبيعية، ويتيح اختيار الأنسب منها لتعزيز الصحة أو لحفظ الأغذية بطرق آمنة وفعّالة، مما يفسر الاهتمام العلمي المتزايد بدراستها واستخدامها في التطبيقات المختلفة.
تنقسم مضادات الأكسدة الطبيعية وفقًا لطبيعتها الكيميائية وآلية عملها إلى عدة فئات رئيسية، من أبرزها:
أولاً: الفينولات (Phenolics)
الفينولات هي فئة واسعة من المركبات العضوية الطبيعية التي تتميز بوجود مجموعة هيدروكسيل (-OH) مرتبطة مباشرة بحلقة عطرية (Benzene ring)، هذا التعريف يشمل جميع المركبات الفينولية، سواء كانت بسيطة أو معقدة
. تُعد من أهم مضادات الأكسدة الطبيعية، حيث تتميز بقدرتها العالية على التبرع بذرة هيدروجين أو إلكترون للجذور الحرة، مما يؤدي إلى تثبيط التفاعلات التأكسدية وحماية مكونات الخلية من التلف.
توجد هذه المركبات بوفرة في النباتات، حيث تمثل جزءًا أساسيًا من نظام الدفاع الطبيعي لها ضد الأكسدة، الميكروبات، والحشرات.
كما تتميز بتنوع نشاطها البيولوجي، إذ تشمل خصائصها النشاط المضاد للأكسدة، والمضاد للالتهابات، والمضاد للميكروبات، مما يجعلها ذات أهمية كبيرة في المجالات الصحية والغذائية.
أهم المجموعات الفرعية للفينولات:
- الفلافونويدات (Flavonoids):
هي إحدى المجموعات الفرعية من الفينولات، وتتميز بتركيب كيميائي محدد يتكون من حلقتين عطريتين مرتبطتين بسلسلة كربونية يحتوي على حلقة ثالثة (C6-C3-C6). ومن أمثلتها مثل الكيرسيتين (Quercetin)، الكاتيشينات (Catechins)، والأنتوسيانينات (Anthocyanins).فهى مضادات أكسدة قوية توجد في العديد من النباتات مثل توجد في الشاي، الفواكه الحمضية، التوت، والعنب.
- الأحماض الفينولية (Phenolic acids):
الأحماض الفينولية (Phenolic acids) هي مركبات نباتية طبيعية تنتمي إلى مجموعة المركبات الفينولية، وتتميز بوجود حلقة بنزين مرتبطة بمجموعة أو أكثر من الهيدروكسيل (OH) بالإضافة إلى مجموعة كربوكسيلCOOH).).
توجد بكثرة في الفواكه، الخضروات، الحبوب الكاملة، والبذور، وتُعد جزءًا مهمًا من النظام الدفاعي للنبات ضد الأكسدة، الميكروبات، والحشرات.
تنقسم الأحماض الفينولية إلى مجموعتين أساسيتين:
- أحماض الهيدروكسي بنزويك (Hydroxybenzoic acids) مثل: حمض الجاليك (Gallic acid)، حمض الفانيليك (Vanillic acid).
- أحماض الهيدروكسي سيناميك (Hydroxycinnamic acids) مثل: حمض الكافئيك (Caffeic acid)، حمض الفيروليك (Ferulic acid).
تتميز الأحماض الفينولية بخصائص بيولوجية مهمة، فهي تعمل كمضادات أكسدة قوية قادرة على معادلة الجذور الحرة ومنع الأضرار التأكسدية التي تصيب الخلايا.
كما تمتلك تأثيرًا مضادًا للالتهابات، مما يساهم في الحد من الاستجابات الالتهابية الضارة في الجسم، إضافة إلى نشاطها المضاد للميكروبات الذي يساعد في تثبيط نمو البكتيريا والفطريات.
وتلعب هذه الخصائص مجتمعة دورًا مهمًا في الوقاية من بعض الأمراض المزمنة، بما في ذلك أمراض القلب والسرطان، مما يجعل الأحماض الفينولية عناصر غذائية وصحية ذات أهمية كبيرة.
- التانينات (Tannins):
التانينات هي مركبات بوليفينولية طبيعية ذات وزن جزيئي مرتفع، تتميز بقدرتها على الارتباط بالبروتينات والكربوهيدرات والمعادن، مما يمنحها تأثيرًا قابضًا واضحًا. توجد التانينات بكثرة في النباتات، حيث تُعد جزءًا من نظام الدفاع الطبيعي ضد الحشرات والميكروبات، كما تساهم في حماية أنسجة النبات من الأكسدة.
تتميز هذه المركبات بخصائص بيولوجية متعددة، فهي مضادات أكسدة فعّالة، وتمتلك نشاطًا مضادًا للميكروبات والفطريات، إضافة إلى دورها في تقليل الالتهابات. توجد التانينات في العديد من المصادر الغذائية مثل الشاي، الرمان، العنب، البقوليات، وبعض أنواع المكسرات، وتُستخدم أيضًا في الصناعات الغذائية لإضفاء النكهة القابضة أو كمادة حافظة طبيعية، فضلاً عن استخدامها في الصناعات الدوائية والجلدية.
ثانيًا: الأنثوسيانينات (Anthocyanins)
الأنثوسيانينات (Anthocyanins) هي مركبات نباتية طبيعية تنتمي إلى مجموعة الفلافونويدات، وتُعد من أهم الأصباغ المسؤولة عن إكساب الأزهار والثمار ألوانها المميزة التي تتراوح بين الأحمر، الأرجواني، والأزرق، ويعتمد لونها على درجة الحموضة (pH) في الوسط المحيط.
تلعب هذه المركبات دورًا بيئيًا مهمًا في جذب الحشرات والطيور للمساعدة في التلقيح ونشر البذور، كما تعمل كآلية دفاعية للنبات ضد الأشعة فوق البنفسجية والإجهادات البيئية المختلفة.
من الناحية البيولوجية، تتميز الأنثوسيانينات بخصائص قوية كمضادات للأكسدة قادرة على معادلة الجذور الحرة، إضافةً إلى أنشطتها المضادة للالتهابات والميكروبات. وقد أظهرت الدراسات أن لها دورًا وقائيًا في الحد من خطر الإصابة ببعض الأمراض المزمنة، بما في ذلك أمراض القلب والأوعية الدموية وبعض أنواع السرطان، فضلاً عن دورها في دعم الوظائف الإدراكية وصحة العينين.
تتوافر الأنثوسيانينات بكثرة في الأطعمة النباتية مثل التوت، العنب الأحمر، الكرز، الرمان، الكرنب الأحمر، والباذنجان، مما يجعلها مكوّنًا غذائيًا أساسيًا ذي أهمية للصحة العامة.
ثالثًا: الفيتامينات
بعض الفيتامينات تُعد من المركبات الفعّالة في مقاومة الأكسدة، إذ تلعب دورًا محوريًا في حماية الخلايا والأنسجة من الأضرار الناتجة عن الشقوق الحرة.
ومن أبرز هذه الفيتامينات فيتامين E (توكوفيرولات) وفيتامين C (حمض الأسكوربيك (وفيتامين A (وخاصةً في صورة البيتا كاروتين)
يعمل فيتامين E، باعتباره من الفيتامينات الذائبة في الدهون، على حماية الأحماض الدهنية المكوّنة لأغشية الخلايا من الأكسدة، مما يحافظ على سلامة بنيتها ووظائفها الحيوية.
أما فيتامين C، وهو فيتامين ذائب في الماء، فيساهم في إيقاف الشقوق أو الجذور الحرة في الوسط المائي للخلية ويعمل على تجديد نشاط فيتامين E بعد تفاعله مع الجذور الحرة. كما يُعد فيتامين A ومركبات الكاروتينويدات من مضادات الأكسدة القوية التي تحمي الأغشية المخاطية والبصر، وتحد من مخاطر الإصابة ببعض الأمراض المزمنة.
تلعب الفيتامينات المضادة للأكسدة، دورًا حيويًا في حفظ الأغذية من إبطاء أو إيقاف التفاعلات التأكسدية التي تؤدي إلى تدهور جودة الأغذية. تعمل هذه الفيتامينات على تثبيط الشقوق أو الجذور الحرة وإيقاف سلسلة التفاعلات المؤكسدة، مما يحافظ على اللون والطعم والقيمة الغذائية للمنتجات الغذائية خلال فترة التخزين.
غالبًا يُضاف فيتامين C إلى المنتجات الغذائية كمادة مختزلة قادرة على إعادة تنشيط مضادات الأكسدة الأخرى، بينما يعمل فيتامين E على حماية المكونات الدهنية من التزنخ من خلال منع أكسدة الأحماض الدهنية غير المشبعة. وبهذه الآلية، تساهم هذه الفيتامينات في إطالة فترة الصلاحية للأغذية والحفاظ على سلامتها وجودتها الحسية.
رابعًا: الكاروتينات
الكاروتينات مجموعة من المركبات الطبيعية ذات الأهمية البالغة في مجال حفظ الأغذية، نظرًا لما تتميز به من خواص مضادة للأكسدة وقدرتها على تثبيط التفاعلات التأكسدية التي تؤدي إلى تدهور جودة المنتج الغذائي.
تعمل الكاروتينات على حماية المكونات الحساسة في الغذاء، مثل الدهون والفيتامينات، من التلف الناتج عن الجذور الحرة، مما يساهم في إطالة فترة الصلاحية والحفاظ على الصفات الحسية مثل اللون والنكهة والقوام.
إضافةً إلى ذلك، فإن دورها في تعزيز سلامة الغذاء يتجلى في الحد من تكوّن المركبات الضارة الناتجة عن الأكسدة، ما يضمن منتجًا غذائيًا آمنًا للاستهلاك البشري.
من الناحية الصحية، تمثل الكاروتينات عنصرًا غذائيًا فعالًا في تعزيز صحة الإنسان، إذ تلعب دورًا مهمًا في تقوية الجهاز المناعي، والحماية من بعض الأمراض المزمنة مثل أمراض القلب والأوعية الدموية وبعض أنواع السرطان، بفضل خصائصها في مكافحة الإجهاد التأكسدي. كما أن بعض أنواع الكاروتينات، مثل البيتا-كاروتين، تعدّ مصدرًا أساسيًا لفيتامين A الضروري لصحة النظر ونمو الخلايا وتجديد الأنسجة.
وتدعم الدراسات العلمية كذلك دور الكاروتينات في حماية البشرة من التأثيرات الضارة للأشعة فوق البنفسجية، ما يعكس أهميتها كمكون غذائي يجمع بين الفوائد الصحية والوظيفية في آن واحد.
خامسًا: الأحماض العضوية
الأحماض العضوية والأمينات هي مركبات كيميائية طبيعية توجد في النباتات، الفواكه، الأعشاب، وبعض المنتجات الحيوانية.
تمتلك هذه المركبات قدرة على تثبيط تفاعلات الأكسدة، مما يجعلها من مضادات الأكسدة الهامة في حفظ الأغذية وحماية الجسم من الأضرار الناتجة عن الجذور الحرة.
تُعد الأحماض العضوية مثل حمض الجاليك (C₇H₆O₅)، حمض الفيروليك (C₁₀H₁₀O₄)، وحمض الروزمارينيك (C₁₈H₁₆O₈) من أبرز المركبات الطبيعية ذات النشاط المضاد للأكسدة، حيث تتوافر هذه الأحماض في مجموعة واسعة من المصادر النباتية، بما في ذلك الشاي، العنب، التوت، الحبوب الكاملة، الأعشاب الطبية، ونباتات مثل إكليل الجبل والمريمية.
يمتلك حمض الجاليك قدرة عالية على منح ذرات الهيدروجين الحرة لتثبيط الجذور الحرة، إضافة إلى تثبيط إنزيمات الأكسدة مثل الليبوكسيجيناز والسايكلوأوكسيجيناز، مما يساهم في منع تأكسد الزيوت والدهون وحماية الخلايا العصبية.
أما حمض الفيروليك فيتميز بقدرته على كسر سلسلة تفاعلات الأكسدة وامتصاص الأشعة فوق البنفسجية، ما يجعله فعالًا في تحسين ثبات فيتامين C وE وإطالة فترة حفظ الأغذية الغنية بالدهون.
بينما يُعرف حمض الروزمارينيك بفعاليته القوية كمضاد أكسدة طبيعي يمنع تكوّن مركبات الأكسدة في الزيوت واللحوم، ويستخدم على نطاق واسع في حفظ اللحوم المصنعة، كما يدخل في منتجات العناية بالبشرة لمكافحة الشيخوخة.
سادسًا: المركبات الكبريتية
المركبات الكبريتية تشمل مجموعة من المركبات النشطة حيويًا التي تلعب دورًا مهمًا في تعزيز الصحة والوقاية من الأمراض. من أبرز هذه المركبات الألكيل سلفيدات، التي تتوافر بكميات ملحوظة في الثوم والبصل، وتُعرف بخصائصها المضادة للأكسدة والمضادة للميكروبات.
كذلك، تحتوي الخضروات الصليبية مثل البروكلي والكرنب على الإيزوثيوسيانات، وهي مركبات تمتاز بقدرتها على دعم وظائف الجهاز المناعي والمساهمة في تقليل مخاطر بعض الأمراض المزمنة.