بحوث ومنظماتبيزنستقاريرحوارات و مقالاتخدماتي

د طارق عبدالعليم يكتب: كيف نوازن بين حماية المحاصيل وصحة الإنسان عند إستخدام المبيدات؟

باحث – المعمل المركزي للمبيدات- مركز البحوث الزراعية- مصر

تلعب المبيدات دورًا أساسيًا في حماية الإنتاج الزراعي وضمان الأمن الغذائي العالمي، إذ تساعد في الحد من خسائر المحاصيل التي قد تصل إلى 40% سنويًا بسبب الآفات. ومع ذلك، فإن استخدامها غير المدروس قد يترتب عليه مخاطر بيئية وصحية جسيمة، بدءًا من تلوث التربة والمياه، وصولًا إلى التأثيرات المزمنة على صحة الإنسان. وهنا يبرز تقييم المخاطر كأداة علمية محورية تُمكّن صانعي القرار من الموازنة بين الفوائد الزراعية للمبيدات ومخاطرها المحتملة.

  • تعريف المبيد

المبيد هو مادة كيميائية أو مزيج من المواد تهدف إلى منع أو تدمير أو تقليل تأثير الآفات، مثل الحشرات والأعشاب الضارة. تُستخدم المبيدات في الزراعة لحماية المحاصيل وزيادة الإنتاجية، ولكنها قد تحمل مخاطر صحية وبيئية إذا لم تُستخدم بشكل صحيح.

  • مخاطر المبيدات

تتضمن مخاطر المبيدات تأثيرات صحية حادة وطويلة الأمد. يمكن أن تسبب التعرضات المباشرة للمبيدات أعراضًا مثل الغثيان، الدوخة، والتهيج الجلدي، وقد تؤدي إلى حالات أكثر خطورة مثل التسمم الحاد أو حتى الوفاة في بعض الحالات. بالإضافة إلى ذلك، هناك أدلة تربط التعرض للمبيدات بزيادة خطر الإصابة بالسرطان، اضطرابات الجهاز العصبي، ومشاكل الإنجاب.

  • ما هو تقييم المخاطر للمبيدات؟

تقييم المخاطر (Risk Assessment) هو عملية علمية تهدف إلى تحديد مستوى الخطر الذي يمكن أن يشكله استخدام مادة كيميائية – مثل المبيدات – على صحة الإنسان أو البيئة، مع الأخذ في الاعتبار مدى التعرض الفعلي لها.

  • من المهم التمييز بين:

تقييم الخطر (Hazard): يحدد ما إذا كان المبيد قادرًا على إحداث ضرر، بغض النظر عن كمية أو مدة التعرض.

تقييم المخاطر (Risk): يربط بين حجم الضرر المحتمل وكمية/مدة التعرض الفعلية، لتحديد مدى الخطورة الحقيقية.

المراحل الأساسية لتقييم المخاطر

  1. تحديد الخطر (Hazard Identification)

تحديد التأثيرات السلبية المحتملة للمبيد، مثل السمية العصبية أو التأثير على الغدد الصماء.

  1. تقييم العلاقة بين الجرعة والاستجابة (Dose-Response Assessment)

تحديد الجرعة التي تبدأ عندها التأثيرات الضارة في الظهور، مثل الجرعة المميتة LD50.

  1. تقدير التعرض (Exposure Assessment)

قياس أو تقدير كمية المبيد التي يتعرض لها الإنسان أو البيئة من خلال الغذاء أو الهواء أو ملامسة الجلد.

  1. توصيف المخاطر (Risk Characterization)

دمج البيانات السابقة لتحديد مستوى الخطورة ووضع توصيات تنظيمية.

العوامل المؤثرة في تقييم المخاطر

  • نوع المبيد وتركيبه الكيميائي: بعض المبيدات ثابتة في البيئة مثل PFAS، مما يزيد من تراكمها عبر السلسلة الغذائية.
  • طرق التعرض: الرش الجوي، ملامسة الجلد أثناء الخلط، بقايا المبيدات في الطعام.
  • الفئات الحساسة: الأطفال، النساء الحوامل، والعاملون في الزراعة هم الأكثر عرضة للمخاطر.

الأساليب المستخدمة لتقييم التعرض للمبيدات في البيئة

تقييم التعرض للمبيدات في البيئة يعد أمرًا حيويًا لفهم المخاطر الصحية والبيئية المرتبطة باستخدام هذه المواد. هناك عدة أساليب مستخدمة لتقييم هذا التعرض، والتي تشمل:

  • الرصد المباشر للتعرض:

تحليل المبيد على الجسم: يتم قياس مستويات المبيدات مباشرة على جلد الأفراد الذين يتعاملون مع هذه المواد. هذه الطريقة توفر بيانات دقيقة عن التعرض الفعلي.

  • 2. الرصد الحيوي

تحليل مستقلبات المبيدات: يتم قياس مستويات المبيدات أو نواتجها في عينات مثل الدم أو البول أو لبن الأم. هذه الطريقة تعكس التعرض الداخلي وتساعد في تقييم المخاطر الصحية.

  • النمذجة البيئية

نظم المعلومات الجغرافية (GIS): تُستخدم لتقدير التعرض من خلال تحليل البيانات البيئية، مثل مواقع الزراعة ومصادر المياه. يمكن أن تساعد هذه النماذج في فهم كيف يمكن أن تنتشر المبيدات في البيئة.

نماذج الانجراف: تُستخدم لتقدير مدى انجراف المبيدات من مواقع الرش إلى المناطق المحيطة، مما يساعد في تقييم التعرض غير المباشر للكائنات غير المستهدفة.

  • المسوحات والدراسات الاستقصائية

المسوحات الذاتية: يتم جمع بيانات عن التعرض من خلال استبيانات أو مقابلات مع الأفراد الذين قد يتعرضون للمبيدات. هذه الطريقة يمكن أن تكون مفيدة في جمع معلومات عن التعرض في البيئات المنزلية والزراعية.

  • تقنيات المراقبة البيولوجية

تقنيات جديدة مثل المستشعرات النانوية: تُستخدم للكشف عن التغيرات الخلوية الناتجة عن التعرض لمستويات منخفضة من المبيدات، مما يوفر معلومات دقيقة حول التأثيرات الصحية المحتملة.

  • تقييم المخاطر البيئية

تقييم المخاطر البيئية: يتضمن تحديد المخاطر المحتملة للمبيدات على الكائنات الحية والبيئة، ويشمل ذلك تحليل تأثير المبيدات على التنوع البيولوجي والنظم البيئية.

  • تساعد هذه الأساليب في توفير فهم شامل لمخاطر التعرض للمبيدات، مما يسهم في تطوير استراتيجيات فعالة للحد من هذه المخاطر وحماية الصحة العامة والبيئة.

الأطر التشريعية الدولية

  • منظمة الصحة العالمية (WHO): تضع تصنيفًا عالميًا لسمية المبيدات.
  • هيئة سلامة الغذاء الأوروبية (EFSA): تعتمد منهجيات صارمة تشمل بيانات السمّية المزمنة والتأثيرات البيئية.
  • وكالة حماية البيئة الأمريكية (EPA): تلزم الشركات بتقديم بيانات السلامة قبل تسجيل أي مبيد.

أمثلة تطبيقية ودراسات حالة

الكلوربيريفوس (Chlorpyrifos): حُظر في الاتحاد الأوروبي عام 2020 بعد تقييم مخاطر أثبت ارتباطه بتأخر النمو العصبي للأطفال.

الباراكوات (Paraquat): سُحب من عدة أسواق نظرًا لارتفاع معدل حالات التسمم والانتحار المرتبطة به.

التحديات والانتقادات

  • التضارب بين المصالح التجارية والصحة العامة قد يؤدي إلى تأخير قرارات الحظر.
  • قيود التكنولوجيا في تحليل متبقيات المبيدات بدقة في بعض المختبرات.
  • نقص البيانات: في العديد من الدول النامية، قد تكون البيانات المتاحة غير كافية لتقييم المخاطر بشكل دقيق.
  • صعوبة رصد التأثيرات طويلة المدى: التأثيرات الصحية قد تظهر بعد فترة طويلة من التعرض، مما يجعل من الصعب تحديد العلاقة بين التعرض والمخاطر.
  •  تطور مقاومة الآفات: استخدام المبيدات بشكل مفرط قد يؤدي إلى تطور مقاومة لدى الآفات، مما يتطلب استخدام مبيدات جديدة قد تكون أكثر سمية.

أهمية تقييم المخاطر في التجارة الدولية

تشديد حدود متبقيات المبيدات (MRLs) في الاتحاد الأوروبي قد يؤدي إلى رفض شحنات زراعية كاملة إذا تجاوزت الحدود المسموح بها، ما يؤثر على صادرات دول مثل مصر والمغرب.

توصيات وحلول

  • تعزيز البحوث الميدانية للحصول على بيانات دقيقة عن التعرض الفعلي.
  • تطوير قدرات المختبرات في الدول النامية.
  • رفع الوعي لدى المزارعين حول الاستخدام الآمن وقراءة الملصقات الإرشادية. التثقيف والتدريب توفير التدريب للمزارعين والعمال حول الاستخدام الآمن للمبيدات.
  • تطوير مبيدات أقل سمية: البحث عن بدائل طبيعية أو مبيدات ذات سمية منخفضة.
  • تطبيق إدارة متكاملة للآفات: استخدام استراتيجيات متعددة للسيطرة على الآفات، مما يقلل الاعتماد على المبيدات الكيميائية.
  • تعتبر إدارة المخاطر المتعلقة بالمبيدات أمرًا حيويًا لحماية الصحة العامة والبيئة، ويتطلب ذلك تعاونًا بين الحكومات، العلماء، والمزارعين لضمان استخدام آمن وفعال لهذه المواد.

خاتمة

إن تقييم مخاطر المبيدات ليس مجرد إجراء علمي، بل هو خط دفاع أساسي لحماية الصحة العامة وضمان استدامة الإنتاج الزراعي. ومع التعاون الدولي وتبادل البيانات، يمكننا الوصول إلى نقطة توازن حقيقية بين الحاجة إلى حماية المحاصيل وضمان سلامة المستهلك.

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى