المياهبحوث ومنظماتتقاريرخدماتي

د علي إسماعيل يكتب: الزراعة الذكية في ظل التغيرات المناخية ومستقبل الزراعة المصرية

أستاذ إدارة الأراضي والمياه – مركز البحوث الزراعية – مصر

يشهد العالم اليوم تحديات بيئية ومناخية غير مسبوقة، أبرزها التغيرات المناخية، ونقص الموارد المائية، وزيادة الطلب على الغذاء نتيجة النمو السكاني المتسارع. في مصر والدول العربية، تتعاظم هذه التحديات مع السعي المستمر لزيادة الرقعة الزراعية من خلال مشروعات الاستصلاح الكبرى. وفي ظل هذه المعادلة الصعبة، برزت الزراعة الذكية كأحد أهم الحلول لتحقيق الأمن الغذائي مع الاستخدام الأمثل للموارد.

وتُعد قضية التغيرات المناخية من أبرز التحديات التي تواجه العالم في العصر الحديث، وتلقي بظلالها على كافة القطاعات، وعلى رأسها القطاع الزراعي. في ظل هذه التحديات، تبرز الحاجة الملحة إلى تبني استراتيجيات زراعية مبتكرة تضمن استدامة الإنتاج الغذائي وتأمين مستقبل الأجيال القادمة. وفي مصر، حيث تُشكل الزراعة ركيزة أساسية للاقتصاد والأمن الغذائي، أصبح التحول نحو الزراعة الذكية ضرورة حتمية وليست مجرد خيار.

ان مستقبل الزراعة المصرية يكمن في تبني هذه التقنيات الحديثة. يتطلب هذا التحول تضافر جهود كافة الأطراف المعنية، من الحكومة والمؤسسات البحثية والقطاع الخاص، لتوفير الدعم المادي والتقني اللازم، وتدريب المزارعين على استخدام هذه الأدوات الجديدة. فالاستثمار في الزراعة الذكية ليس مجرد استثمار في التكنولوجيا، بل هو استثمار في الأمن الغذائي والاستدامة البيئية، وفي مستقبل مصر الزراع

 مفهوم الزراعة الذكية

الزراعة الذكية (Climate-Smart Agriculture) هي منظومة متكاملة توظف التقنيات الحديثة والممارسات الزراعية المبتكرة لتحقيق ثلاثة أهداف رئيسية وهي :  زيادة الإنتاجية وتحسين دخل المزارعين. والتكيف مع التغيرات المناخية وتقليل آثارها السلبية مع خفض الانبعاثات الضارة والحفاظ على الموارد الطبيعية.

التغيرات المناخية وأثرها على القطاع الزراعي

  • ارتفاع درجات الحرارة يؤدي إلى زيادة معدلات التبخر وفقد المياه.
  • تذبذب الأمطار يسبب عدم استقرار في الإنتاج الزراعي.
  • زيادة موجات الجفاف والحرارة تؤثر على خصوبة التربة وصحة النباتات.
  • انتشار الآفات والأمراض بفعل تغير الظروف البيئية.

نقص الموارد المائية وأهمية الإدارة المتكاملة للمياه

مع محدودية نصيب الفرد من المياه في مصر (أقل من خط الفقر المائي العالمي 1000 م³/سنة)، أصبح من الضروري اعتماد استراتيجيات ترشيد المياه مثل: الري الحديث (التنقيط، الرش المحوري، الري تحت السطحي). و  إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي بعد المعالجة. و من الاهمية تحلية المياه في المناطق الساحلية.  بالاضافة الي حصاد مياه الأمطار والسيول.

 دور الزراعة الذكية في زيادة الرقعة الزراعية

توسيع الرقعة الزراعية في ظل محدودية المياه يتطلب إنتاجية عالية من وحدة المياه، وهو ما تحققه الزراعة الذكية من خلال: استنباط أصناف مقاومة للجفاف والملوحة وقصيرة العمر. والزراعة الدقيقة Precision            Agriculture باستخدام الاستشعار عن بعد والطائرات المسيرة لتحديد احتياجات النبات بدقة. التحكم الذكي في الري والتسميد عبر أنظمة أوتوماتيكية مرتبطة بأجهزة قياس الرطوبة والمناخ بالاضافة الي الزراعة المحمية لتقليل فقد المياه وتحسين جودة الإنتاج.

 أمثلة لمشروعات الزراعة الذكية في مصر

الدلتا الجديدة وتوشكى وشرق العوينات: تطبيق نظم الري المحوري والتنقيط، واستخدام الطاقة الشمسية. والمزارع الذكية في وادي النطرون والواحات: الاعتماد على الزراعة المحمية والاستشعار عن بعد.

مستقبل الزراعة المصرية: نحو نموذج زراعي مستدام

يُعول على الزراعة الذكية في مصر لتحقيق تحول نوعي في القطاع الزراعي. يمكن لهذه التقنيات أن تساهم في:

  • ترشيد استهلاك المياه: من خلال استخدام أنظمة الري الحديثة والذكية، يمكن لمصر تحقيق وفورات هائلة في مياه الري، خاصةً في ظل محدودية مواردها المائية.
  • زيادة الإنتاجية الزراعية: عن طريق توفير الظروف المثلى لنمو المحاصيل، يمكن تحقيق زيادة ملحوظة في إنتاجية الفدان، مما يساهم في سد الفجوة الغذائية.
  •  التكيف مع التغيرات المناخية: تُمكن الزراعة الذكية المزارعين من اختيار الأصناف النباتية الأكثر مقاومة للحرارة والجفاف، وتساعد في التنبؤ بالظواهر الجوية المتطرفة للحد من خسائر المحاصيل.
  • تحسين جودة المنتج الزراعي: من خلال التحكم الدقيق في ظروف النمو، يمكن إنتاج محاصيل ذات جودة أعلى وأكثر أمانًا للمستهلك.

التغيرات المناخية وأثرها على الزراعة المصرية

تتعدد مظاهر التغيرات المناخية التي تؤثر على الزراعة في مصر، وتشمل ارتفاع درجات الحرارة، ونقص الموارد المائية، والتغير في أنماط سقوط الأمطار، وزيادة وتيرة الظواهر الجوية المتطرفة مثل موجات الحر والجفاف أو السيول. هذه العوامل تؤدي إلى تدهور جودة التربة، وانخفاض إنتاجية المحاصيل، وزيادة انتشار الآفات والأمراض، مما يهدد بشكل مباشر الأمن الغذائي القومي.

الزراعة الذكية: حلول مبتكرة لمواجهة التحديات

تقدم الزراعة الذكية، أو ما يُعرف أيضًا بالزراعة الدقيقة، مجموعة من الحلول التكنولوجية التي تهدف إلى زيادة كفاءة الإنتاج الزراعي وتقليل الآثار السلبية للتغيرات المناخية. تعتمد هذه الممارسات على استخدام أحدث التقنيات مثل:

إنترنت الأشياء (IoT): لجمع البيانات عن حالة التربة، ورطوبتها، ودرجة الحرارة، مما يتيح اتخاذ قرارات دقيقة بشأن الري والتسميد.

الاستشعار عن بعد والأقمار الصناعية: لمراقبة نمو المحاصيل، والكشف المبكر عن الأمراض والآفات، وتقييم صحة النباتات على نطاق واسع.

الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة (Big Data): لتحليل البيانات المجمعة وتقديم توصيات مُحسنة لتحسين كفاءة استخدام الموارد وزيادة الإنتاج.

الري الذكي: الذي يعتمد على تحديد احتياجات المحاصيل المائية بدقة، مما يقلل من هدر المياه بشكل كبير.

مستقبل الزراعة المصرية: نحو نموذج زراعي مستدام

يُعول على الزراعة الذكية في مصر لتحقيق تحول نوعي في القطاع الزراعي. يمكن لهذه التقنيات أن تساهم في:

–  ترشيد استهلاك المياه: من خلال استخدام أنظمة الري الحديثة والذكية، يمكن لمصر تحقيق وفورات هائلة في مياه الري، خاصةً في ظل محدودية مواردها المائية.

–  زيادة الإنتاجية الزراعية: عن طريق توفير الظروف المثلى لنمو المحاصيل، يمكن تحقيق زيادة ملحوظة في إنتاجية الفدان، مما يساهم في سد الفجوة الغذائية.

–  التكيف مع التغيرات المناخية: تُمكن الزراعة الذكية المزارعين من اختيار الأصناف النباتية الأكثر مقاومة للحرارة والجفاف، وتساعد في التنبؤ بالظواهر الجوية المتطرفة للحد من خسائر المحاصيل.

–  تحسين جودة المنتج الزراعي: من خلال التحكم الدقيق في ظروف النمو، يم

 اهم التوصيات التي يمكن ان نلخصها للقاريء

  1. تبني سياسات وطنية لدعم التحول نحو الزراعة الذكية.
  2. تدريب المزارعين على التقنيات الحديثة وأساليب الإدارة المستدامة للمياه.
  3. تشجيع البحث العلمي لتطوير أصناف متحملة للإجهادات البيئية.
  4. التوسع في الطاقة المتجددة لدعم مشروعات الزراعة الحديثة.
  5. تحديث منظومة الري مع التوسع في ميكنة العمليات الزراعية

ان الزراعة الذكية ليست رفاهية، بل ضرورة حتمية لمواجهة التحديات المناخية والمائية، وتحقيق التوازن بين زيادة الرقعة الزراعية واستدامة الموارد الطبيعية. ومع التبني الواسع للتقنيات الحديثة والدعم المؤسسي، يمكن تحويل هذه التحديات إلى فرص واعدة لتحقيق الأمن الغذائي والتنمية الزراعية المستدامة.

 

زر الذهاب إلى الأعلى