بحوث ومنظماتتقاريرحوارات و مقالاتخدماتي

د صبحي ميخائيل يكتب:  كيف تنتج من شرش اللبن جبن «الريكوتا»؟

 باحث – معهد بحوث تكنولوجيا الأغذية – مركز البحوث الزراعية- مصر

تخيل سائلًا  يتبقى بعد صناعة الأجبان  قد يُنظر إليه على أنه مجرد ” فاضل أو نفايات”.  يحول هذا السائل إلى جبنة ذات قوام ونكهة جيدة،  تُعرف باسم “الريكوتا”، تُعد صناعة الريكوتا مثالاً ساطعاً على الاقتصاد الدائري والاستدامة

. ففي الماضي، كان شرش اللبن يمثل تحدياً بيئياً كبيراً لمصانع الأجبان، حيث كان يتطلب جهودًا وتكاليف للتخلص منه، وقد يؤدي إلى تلوث بيئي إذا لم تتم معالجته بشكل صحيح.

تحويل شرش اللبن إلى الريكوتا يمثل حلاً مبتكرًا لهذه المشكلة:

  • تقليل الهدر: يتم الاستفادة من كل قطرة حليب تقريباً، مما يقلل من الفاقد في صناعة الألبان.
  • قيمة إقتصادية مضافة: بدلًا من أن يكون عبئاً، يصبح الشرش مصدرًا جديدًا للدخل، مما يعزز ربحية مصانع الأجبان

استفادة غذائية: يُقدم للمستهلك منتجًا غنيًا بالبروتينات والفوائد الصحية، بدلاً من إهدارها.

(الريكوتا (Ricotta:  ليست كالأجبان الأخرى ؟؟

عندما نتحدث عن الأجبان، يتبادر إلى أذهاننا فورًا الأجبان المصنوعة من “الكازين”، وهو البروتين الرئيسي في الحليب الذي يتخثر بفعل المنفحة  أو إضافة الباديء .

لكن الريكوتا تختلف! فهي تُصنع أساسًا من “شرش اللبن” (Whey)، السائل المتبقي بعد فصل الكازين لصنع الأجبان الأخرى (مثل جبن القريش في مصر، أو الموزاريلا في إيطاليا). هذا الشرش لا يزال يحتفظ بكمية لا بأس بها من البروتينات الثمينة التي تُسمى “بروتينات مصل اللبن” (Whey Proteins)، وهي كنـز حقيقي في عالم التغذية.

وتتكون بروتينات الشرش : من البيتالاكتوجلوبيولين وألفالاكتا ألبيومين  وألبيومين سيرم الدم وجلوبيولينات المناعة و بعض المكونات الصغري مثل اللاكتوفرين ولاكتوبيروكسيديز.

كلمة ريكوتا : تعني  أعيد طهيها (  ( Re-cooked  و منشأها الأصلي إيطالي

يعتمد تصنيع الريكوتا على مبدأ:

الترسيب الحراري-الحمضي (Heat-Acid Coagulation) لبروتينات مصل اللبن

كيف تُصنع الريكوتا؟

بروتينات مصل اللبن في الشرش، إنها مثل جزيئات صغيرة توجد في صورة غروية منتشرة في السائل  لأنها تحمل شحنات كهربائية متنافرة. لتحويلها إلى كتلة جبنية، نحتاج إلى جعلها تتجمع وتتكتل. هذا هو دور( الحرارة والحمض معاً )

  1. المرحلة الأولى: التسخين

) يتم تسخين شرش اللبن إلى درجات حرارة عالية، عادة ما بين 85 و 95 درجة مئوية. هذه الحرارة العالية تقوم بعملية حيوية تُسمى ”          التكسير الحراري” (Thermal Denaturation). في هذه العملية، تفقد بروتينات مصل اللبن تركيبتها ثلاثية الأبعاد المعقدة، وتصبح “مفكوكة” ومكشوفة، وجاهزة للخطوة التالية.

  1. المرحلة الثانية: إضافة الحمض

بعد تسخين الشرش، أو أثناءه، تُضاف كمية قليلة من الحمض الغذائي، مثل الخل الأبيض (حمض الخليك)، أو حمض الستريك ( عصير الليمون) .

دور الحمض هنا هو خفض درجة حموضة الشرش (الرقم الهيدروجيني pH) لتصل إلى نقطة معينة (حوالي 4.5-4.8). عند هذه النقطة، تفقد بروتينات مصل اللبن المتكسرة شحناتها الكهربائية، وتصبح غير مستقرة. هذا فقدان الشحنة هو السر الذي يجعلها تتوقف عن التنافر وتبدأ في التكتل والتجمع لتشكل خثرة ناعمة 0

وماذا عن الملح؟

يُضاف الملح (عادة بنسبة 0.5% إلى 1% من وزن الشرش) بشكل أساسي لتحسين النكهة وإضفاء المذاق المميز للريكوتا.

بعد تجميع هذه الخثرة الناعمة يتم تصفيتها عن طريق قطعة من الشاش تم تعقيمها أولا بالماء الساخن ونحصل على  جبن الريكوتا بقوامها الفريد ونكهتها اللذيذة.

الفوائد الصحية لجبن الريكوتا :

  1. تحتوي على بروتينات عالية الجودة:

بروتينات مصل اللبن تُعتبر من أعلى البروتينات جودة بيولوجية على الإطلاق. تحتوي على جميع الأحماض الأمينية الأساسية التي يحتاجها الجسم ولا يستطيع تصنيعها بنفسه. هذا يجعل الريكوتا مثالية لبناء العضلات، وإصلاح الأنسجة، ودعم المناعة، وهي مفيدة جداً للرياضيين والأطفال وكبار السن.

  1. سهلة الهضم: بما أنها تُصنع من الشرش، فإن معظم سكر اللاكتوز يكون قد أزيل منها أثناء عملية التصفية. هذا يجعل الريكوتا خياراً ممتازاً للأشخاص الذين يعانون من حساسية اللاكتوز الخفيفة، حيث تكون أسهل بكثير في الهضم من الحليب أو الأجبان الأخرى
  2. غنية بالكالسيوم والفوسفور: على الرغم من أنها تُصنع من الشرش، إلا أنها تحتفظ بكمية جيدة من الكالسيوم والفوسفور، وهما معدنان أساسيان لصحة العظام والأسنان.
  3. منخفضة السعرات الحرارية والدهون

مما يجعلها خياراً صحياً لمن يتبعون أنظمة غذائية أو يركزون على تناول البروتين مع سعرات حرارية أقل.

الخلاصة:

الريكوتا  تعتبر  قصة نجاح حقيقية في تحويل “المخلفات” إلى  “ثروات  ”  . فالإستفادة من شرش اللبن (  فاقد مهمل  ) يتحول إلى ( جبن فاخر )  يجمع بين الطعم الرائع والفوائد الصحية، ليجسد معنى الاستدامة في أبهى صورها فهي  تحويل منتج ثانوي إلى منتج غذائي ذو قيمة عالية .

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى