بحوث ومنظماتبيزنستقاريرحوارات و مقالات

د علي إسماعيل يكتب: ماهو دور الزراعة والصناعة في التنمية الاقتصادية؟

 أستاذ إدارة الأراضي والمياه بمركز البحوث الزراعية – مصر

تُعَدّ الزراعة والصناعة من الركائز الجوهرية التي يقوم عليها بناء الاقتصاد الوطني لأي دولة، إذ إنهما يشكلان معًا القاعدة الإنتاجية التي تتيح تحقيق الأمن الغذائي، زيادة الدخل القومي، تحسين مستوى معيشة الأفراد، وتوفير فرص العمل. الزراعة هي المصدر الأول للغذاء والمواد الخام، بينما الصناعة تضيف لهذه الموارد قيمة اقتصادية متزايدة من خلال تحويلها إلى منتجات متطورة تنافس في الأسواق المحلية والعالمية.

المجتمع على أنشطتهما، سواء في التشغيل المباشر أو غير المباشر، فضلًا عن كونهما المحركين الأساسيين للنمو الاقتصادي المستدام. إن العلاقة التكاملية بين القطاعين تمثل القاطرة الحقيقية للتنمية، خاصة إذا ما ارتبطا برؤية إصلاح اقتصادي متكاملة توازن بين النمو الاقتصادي والبعد الاجتماعي والبيئي.

أولاً: دور الزراعة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية

تمثل الزراعة حجر الزاوية في دعم الاقتصاد المصري، حيث تسهم بحوالي 11–14% من الناتج المحلي الإجمالي، وتستوعب ما يقارب ثلث القوى العاملة. لكن الأهمية الحقيقية للزراعة لا تقاس فقط بنسبة مساهمتها الرقمية، بل بدورها المحوري في تحقيق الأمن الغذائي، تحسين مستوى معيشة سكان الريف، وكونها الأساس الذي تعتمد عليه الصناعات الغذائية والنسيجية والدوائية.

  1. الأمن الغذائي:
    تزايدت أهمية الأمن الغذائي في ظل الأزمات العالمية مثل جائحة كورونا والحرب الروسية–الأوكرانية، حيث تأثرت سلاسل الإمداد العالمية بالحبوب والزيوت. ومن هنا، فإن رفع كفاءة القطاع الزراعي المصري أصبح ضرورة لضمان توافر السلع الأساسية محليًا وتقليل الاعتماد على الاستيراد.
  2. تحقيق قيمة مضافة:
    لا تقتصر الزراعة على إنتاج المحاصيل، بل تمتد إلى التصنيع الزراعي، مثل تعبئة الخضروات والفواكه أو عصر الزيوت أو صناعة السكر من قصب السكر وبنجره. هذه الصناعات ترفع القيمة الاقتصادية للمنتجات وتفتح أسواقًا جديدة للتصدير.
  3. العدالة الاجتماعية:
    يشكل الريف المصري السند الحقيقي للزراعة، إذ يعتمد ملايين الأسر على هذا القطاع كمصدر أساسي للدخل. ومن خلال تطوير الزراعة ورفع إنتاجيتها، يمكن تحسين دخول هذه الأسر وتقليل معدلات الفقر والهجرة الداخلية إلى المدن.
  4. البعد البيئي:
    تواجه الزراعة المصرية تحديات كبرى تتعلق بندرة المياه وتدهور التربة. ومن هنا تبرز أهمية التوسع في استخدام نظم الري الحديثة، وإعادة تدوير المياه، والتوسع في زراعة المحاصيل الأقل استهلاكًا للمياه، وهو ما يعزز الاستدامة.

دور الصناعة في بناء القاعدة الإنتاجية

الصناعة هي المحرك الرئيسي للتنمية الاقتصادية الحديثة، إذ تسهم بحوالي 16–17% من الناتج المحلي الإجمالي في مصر. ويتميز القطاع الصناعي بقدرته على استيعاب العمالة، وزيادة القيمة المضافة، وتحقيق التنويع الاقتصادي.

  1. التكامل مع الزراعة:
    تعتمد صناعات مثل الغزل والنسيج، الصناعات الغذائية، الزيوت، والأعلاف بشكل مباشر على المنتجات الزراعية. وبالتالي فإن تطوير الصناعة التحويلية يمثل خطوة محورية لتعظيم الاستفادة من القطاع الزراعي.
  2. تخفيض الواردات وزيادة الصادرات:
    تطوير القاعدة الصناعية يساهم في إحلال المنتج المحلي محل المستورد، مما يقلل الضغط على العملة الأجنبية. وفي المقابل، فإن الصناعات التصديرية تفتح أسواقًا جديدة وتجذب العملة الصعبة.
  3. المناطق الصناعية المتخصصة:
    قامت الدولة المصرية بإنشاء مناطق صناعية متخصصة مثل مدينة الروبيكي للجلود، ومدينة الأثاث بدمياط، مما يعزز التنافسية ويخلق بيئة مواتية لنمو الصناعات الصغيرة والمتوسطة المرتبطة بها.
  4. التوظيف والتنمية الاجتماعية:
    الصناعات الكثيفة العمالة مثل النسيج والملابس الجاهزة تساهم بشكل مباشر في تشغيل الشباب والنساء، وهو ما يحقق بعدًا اجتماعيًا مهمًا بجانب الدور الاقتصادي.

ثالثاً: التكنولوجيا والتحول الرقمي كقاطرة للتنمية

لا يمكن الحديث عن تنمية اقتصادية حديثة بمعزل عن التكنولوجيا. ومن المهم ان يتم الاهتمام

للمشروعات  الزراعة، و أصبح استخدام نظم المعلومات الجغرافية، الري الذكي، الزراعة الدقيقة، والطائرات المسيرة (الدرونز) في رش المبيدات ورصد المحاصيل، ضرورة لمضاعفة الإنتاجية وترشيد استهلاك الموارد. وكذلك الاهتمام

بالملف الصناعي والذي  يوضح مدى ، أسهام الثورة الصناعية الرابعة في إدخال تقنيات الذكاء الاصطناعي، الروبوتات، والطباعة ثلاثية الأبعاد في خطوط الإنتاج، مما رفع الجودة وخفض التكاليف.

كما يساهم التحول الرقمي في تحسين بيئة الأعمال من خلال تسهيل الإجراءات الحكومية، والاعتماد على نظم إلكترونية للتصدير والاستيراد، وهو ما يقلل من البيروقراطية ويزيد من جاذبية الاستثمار.

رابعاً: الإصلاح الاقتصادي في مصر ودوره في تعزيز التنمية

منذ عام 2016، شرعت مصر في تنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، تضمن تحرير سعر الصرف، إعادة هيكلة الدعم، وتبني سياسات مالية أكثر انضباطًا.
وقد انعكس هذا البرنامج على عدة محاور:

  1. تحسين المؤشرات الكلية:
    ارتفعت معدلات النمو إلى نحو 5% قبل جائحة كورونا، وتراجعت عجز الموازنة نسبيًا، كما زادت احتياطيات النقد الأجنبي.
  2. البنية التحتية:
    تم إطلاق مشروعات قومية كبرى مثل محور قناة السويس، شبكة الطرق القومية، مشروعات استصلاح الأراضي كالدلتا الجديدة، ومبادرة حياة كريمة لتطوير الريف المصري.
  3. الطاقة والاقتصاد الأخضر:
    من أبرز النجاحات مشروع بنبان للطاقة الشمسية بأسوان، الذي يُعد من أكبر المشروعات في العالم، ما يعكس توجه مصر نحو الطاقة النظيفة وتقليل الانبعاثات.

خامساً: القضايا الاقتصادية الحديثة

تواجه مصر عددًا من القضايا الاقتصادية التي ترتبط بالتحولات العالمية والإقليمية، أهمها:

  1. إصلاح العملة الوطنية: إصدار فئات نقدية جديدة وتطوير وسائل الدفع الإلكتروني.
  2. الاستثمار الأجنبي المباشر: جذب رؤوس الأموال عبر تهيئة المناخ الاستثماري، وتبسيط الإجراءات.
  3. السياحة المستدامة: تنويع الأنماط السياحية (ثقافية، بيئية، علاجية) للحفاظ على موقع مصر كوجهة سياحية عالمية.
  4. التغير المناخي: صياغة استراتيجيات لمواجهة نقص المياه وارتفاع درجات الحرارة، بما يتطلب حلولًا زراعية وصناعية متوافقة مع المعايير البيئية.
  5. الطاقة المتجددة: التوسع في استثمارات الرياح والطاقة الشمسية لتلبية الاحتياجات المستقبلية دون الإضرار بالبيئة.

سادساً: البعد الاجتماعي للتنمية المستدامة

التنمية الاقتصادية لا تكتمل دون أن يصاحبها بعد اجتماعي يحقق العدالة والرفاه للمجتمع.  والذي يمكن أن يكون واضحا من خلال تطوير الزراعة، يتم دعم استقرار الأسر الريفية وتحسين مستويات المعيشة. ومن عبر الصناعة، يتم خلق فرص عمل جديدة تحد من البطالة والفقر. كذلك من خلال سياسات الإصلاح، يتم توفير بنية تحتية متطورة وخدمات اجتماعية أفضل، مثل الصحة والتعليم.

كما تسهم التنمية المستدامة في تقليل الفجوة بين الحضر والريف، عبر مشروعات مثل “حياة كريمة” التي تستهدف تحسين حياة أكثر من نصف سكان مصر في الريف.

ومن هنا  يتضح مما سبق أن الزراعة والصناعة يشكلان العمود الفقري للاقتصاد المصري، وأن تكاملهما مع التكنولوجيا والتحول الرقمي وسياسات الإصلاح الاقتصادي يضع مصر على مسار تنموي متوازن. إن تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة يتطلب استمرار الاستثمار في هذين القطاعين، مع التركيز على:

التوسع في استخدام التكنولوجيا الحديثة. ورفع كفاءة استخدام الموارد الطبيعية وخاصة المياه.  مع تشجيع الصناعات التحويلية القائمة على المنتجات الزراعية. ولابد من تعزيز العدالة الاجتماعية من خلال خلق فرص عمل جديدة وتحسين مستويات المعيشة. ومن المهم مواجهة التغير المناخي عبر حلول صديقة للبيئة.

وفي هذا السياق، يبرز دور الرئيس عبد الفتاح السيسي قائد مسيرة البناء والتنمية على أرض مصر، حيث أطلق رؤية شاملة للإصلاح الاقتصادي والمجتمعي، وعمل على تنفيذ مشروعات قومية عملاقة في الزراعة والصناعة والطاقة والبنية التحتية، فضلًا عن المبادرات الاجتماعية مثل حياة كريمة التي تستهدف الارتقاء بمستوى معيشة المواطن المصري. إن القيادة السياسية الحكيمة للرئيس السيسي تمثل الضمانة الحقيقية لاستمرار مسيرة التنمية، وتحويل التحديات إلى فرص، وبناء مستقبل أكثر إشراقًا للأجيال القادمة.

 

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى