بحوث ومنظماتتقاريرخدماتي

د خالد وصيف: من يعوض غياب الحمار؟

خبير موارد مائية – مصر

رسالة الى كل من يهمه الامر..اختفى فى ظروف غامضة كائن ودود شديد الطيبة واسع العينين طويل الاذنين حمال الاسية وصديق الجميع. اختفى بعد ان تخلى عنه اصدقاؤه واستبدلوه بما هو اكثر كفاءة واقل تكلفة..الحقيقة ان الاختفاء لم يقع فجأة لكنه توارى عن الانظار رويدا رويدا بعدما تخلى الجميع عنه واصبح وجوده اقرب الى مكونات المتاحف منه الى الوجود الوظيفى الممتلئ بالحياة والنشاط..لقد آثر ان ينصرف فى هدوء كما عاش عمره كله عبر آلآف السنين فى هدوء وسكينة

هل تلاحظ اختفاء الحمير من الريف المصرى؟

انا لاحظت وأنا أرتب برنامج زيارة لحفيداتي للقرية ومن ضمنها ركوب الحمار والتصوير معه، سألت عنه فلم أجده، ووجدت بدلا منه الدراجة النارية الصينى رخيصة الثمن…فزاد إندهاشي.

سوق القرية الاسبوعى الذى كان ينعقد كل يوم أحد ويحتوى على «وكالة» تقوم بإستضافة الحمير التى يأتى بها رواد السوق وزبائنه للبيع والشراء مقابل قروش قليلة، مازالت الوكالة تحتفظ بنفس الاسم «وكالة الحمير» لكنها اصبحت مقرا للدراجات النارية والتوك توك التى تاتى من كل حدب وصوب..الفلاح يذهب للحقل بالدراجة النارية ويحمل عليها البرسيم بينما كان نفس الفلاح منذ بضع سنوات يقوم بتحميل الحمار بالحمولة من الحقل ويتركه ليعود وحده الى المنزل. فقد كان الحمار يتمتع بذكاء فطرى يسمح له بمعرفة المشوار اليومى من البيت للحقل والعودة.

هل يزيح التوك توك دور الحمار في منظومة الزراعة؟

البداية فى تسعينيات القرن الماضى كان لدينا ثلاثة ملايين حمار تقلص عددهم الى اقل من مليون واحد فقط هذا العام، فقدنا مليوني حمار خلال ثلاثة عقود.

اصبحنا نحتل المركز الثالث عشر على مستوى العالم فى عدد الحمير، تسبقنا اثيوبيا التى تحتل المركز الاول بعدد يقترب من 10.5 مليون حمار تليها السودان ب 7.6 مليون حمار ثم باكستان (5.8) وتشاد (4.6) والمكسيك (3.3) مليون حمار

تكالبت عوامل السوق الحر والرأسمالية المتوحشة لتقصى أهم حيوان فى الريف المصرى.

فقد ارتفعت أسعار الاعلاف وبالتالى اصبح طعام الحمار مكلفا بالمقارنة بـ«لترات البنزين» القليلة التى تجعل الدراجة النارية تقطع عشرات الكيلومترات.

عامل أخر يتعلق بحجم البيوت فى الريف والتى تخلت عن بناءها المعمارى القديم الذى كان يتسم بالاتساع وتخصيص حجرة كبيرة (الزريبة) لتكون مأوى للحيوانات.

ارتفعت العمارات فى الريف طابقا يعلو طابق وضاقت مساحة الشقق واصبح توفير مكان للحمار ليبيت فيه عبأ كبيرا على البيت، بينما يمكن ركن الدراجة النارية بكل سهولة تحت الدرج..

تمت التضحية بالحمار المسكين الذى اعتاد الطاعة العمياء لصاحبه والصبر الطويل على العمل الشاق بينما مازال الحصان يقاوم مصير الحمار والذى سيصير اليه يوما فى منافسة غير متكافئة مع الآلة، وذلك لتغير إستخدامات الخيول في الأفراح والسباقات.

عشرة طويلة للحمار مع المصريين فهو رفيقهم من ايام العصر الفرعونى ورسوماته وصوره تزين جدران المعابد، خصوصا النوع البلدى الاكثر انتشارا والمشهور بلونه المائل للبياض، بينما يتميز الحمار الصعيدى بحجم اكبر وقدرة اكبر على التحمل ولون يميل للسواد..

متوسط عمر الحمار فى مصر لا يتجاوز ال 20 عاما وهو اقل بكثير من المتوسط العالمى الذى يقترب من 35 عاما. الاسباب تتراوح ما بين العمل الشاق مع ضعف الرعاية البيطرية والتغذية لكن المسكين لن يهنأ بهذا العمر القصير بعدما برزت فوائد جمة من أعضاءه تفوق بمراحل قدرته على الحمل والجر..

والمثير في اسباب اخرى اختفاء الحمير هو إزدياد الطلب على جلود الحمير فى بعض الدول ومنها الصين حيث اكتشفوا فائدة الجلد فى صناعة مادة تستخدم فى المستحضرات الطبية والتجميلية، بالتالى اصبح المسكين ضحية للذبح والسلخ لتصدير جلده، خاصة إنه يمكن الإستفادة منه كمواد خام تستخدم في أكثر من 30 مستحضر طبي أو تجميلي.

والأهم هو  ماذا كان سيكتب الاديب الكبير توفيق الحكيم عما يحدث للحمار من مخاطر طبيعية أو بيئية، لو طال به العمر ووجد صديقه الذى أجرى حوارات مطولة معه ونشرها فى كتاب صدر عام 1945 (حمارى قال لى) قد اختفى او فى طريقه للاختفاء..

لقد ابدى الاديب الكبير تعاطفا واسعا مع الحمار الذى يأكل اقل القليل ويعمل بصورة شاقة تحت ضرب السياط. ربما اتجه تفكير توفيق الحكيم لوضع مؤلف يناسب الحداثة تحت عنوان (التوك توك قال لى)..

 

زر الذهاب إلى الأعلى