بحوث ومنظماتتقاريرحوارات و مقالات

د علي إسماعيل: الرّضى والسعادة  البشرية والإيمان واليقين بالله

بقلم: د. علي إسماعيل – أستاذ إدارة الأراضي والمياه بمركز البحوث الزراعية

اليوم سوف اغير نمط المقال وانتقل الي الكتابة عن الوجدان البشري والسعادة بدلا من العلوم الزراعية التخصصية  فربما نغير من نمط الروتين وننتقل الي الي الكتابة الأدبية الحياتية. موضوع السعادة :

واليوم اتناول  موضوع الرضا والسعادة النفسية وكيف نعيش حياة السعادة رغم الضغوط اليومية والحياتية.

اتناول  بهذا المدخل  موضوع السعادة الحياتية وأن الإنسان منذ فجر التاريخ  يسعى وراء السعادة باعتبارها الغاية التي تمنح للحياة معناها. تعددت طرق البحث عنها؛ فمنهم من ظنها في المال، ومنهم من رآها في السلطة والجاه، وآخرون سعوا إليها في اللذات. غير أن الحقيقة التي يثبتها الدين والتجارب الإنسانية أن السعادة الحقيقية لا تُنال بكثرة الممتلكات، بل بـ الإيمان بالله والرضى بقضائه.

الرضى زاد الروح في مواجهة تقلبات الحياة، ودرع يحمي القلب من القلق، وهو مفتاح السكينة التي تُشعر الإنسان بالأمان حتى في أشد الظروف. قال تعالى:
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾ [النحل: 97].

معنى الرضى ومكانته   إن الرّضى هو سكون القلب إلى حكم الله وقضائه، مع اليقين أن ما قدّره الله لعبده كله خير. وهو مقام من مقامات الإيمان ومرتبة عليا من مراتب السالكين. قال النبي ﷺ:
ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا (رواه مسلم). والعلماء وصفوا الرضى بأنه “جنّة الدنيا”، فمن دخله عاش مطمئنًا هادئًا، ومن حُرم منه عاش قلقًا مضطربًا وإن ملك الدنيا.

الرضى والسعادة: علاقة متبادلة تتحدد في هذه النقاط الجوهرية

راحة القلب: الرضى يبعد القلق ويوفر طمأنينة دائمة.

التحرر من المقارنة: الراضي لا ينظر إلى ما عند غيره، فيعيش قانعًا سعيدًا.

تخفيف وقع الابتلاء: المؤمن الراضي يرى البلاء بابًا للأجر ورفعًا للدرجات.

سعادة مستقرة: بخلاف اللذات المادية، سعادة الرضى دائمة لأنها داخلية.

كيف نغرس الرضى في قلوبنا؟ ويتم ذلك من خلال مفهوم أوسع يتحدد في بعض النقاط

  1. الإيمان العميق بالقدر: ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك.
  2. التفكر في حكمة الله: الابتلاء قد يخفي في طياته رحمة، والحرمان قد يحمل نجاة.
  3. دوام الذكر والدعاء: الذكر يورث القلوب سكينة، ويفتح أبواب الرضى.
  4. شكر النعم: تذكر النعم الصغيرة قبل الكبيرة يزرع القناعة.
  5. النظر إلى من هو أقل: توجيه نبوي يحمي من الحسد ويدفع للشكر.

ثمار الرضى في حياة الإنسان ينعكس على الإنسان في هذه النقاط الأساسية التي يشعر بها ويجني ثمارها  تظهر في : صحة نفسية متوازنة، بعيدة عن القلق والتوتر. وقوة في الصبر والتحمل. ويعيش معها الإنسان علاقات اجتماعية نقية خالية من الحسد. كذلك يمتلك بها الإنسان سعادة أسرية تسودها المحبة والسكينة. والأعظم من كل هذا وذاك : رضى الله في الآخرة.

نماذج مضيئة يمكن زكرها والاقتضاء بها  أيوب عليه السلام: صبر سنوات على المرض والفقد، ولم يتخلّ عن رضاه بربه، فكافأه الله بالشفاء والعوض. والنبي محمد ﷺ: كان يبيت الليالي جائعًا وهو يقول: اللهم اجعل رزق آل محمد قوتًا.    وفي الصحابة: عاشوا حياة زهد وبساطة، لكن قلوبهم امتلأت سعادة ويقينًا.

الرضى في علم النفس الحديث

أثبتت الدراسات أن الرضا الداخلي Contentment يقلل معدلات الاكتئاب والقلق، ويرفع جودة الحياة. علم النفس الإيجابي يربط الرضى بالرفاهية النفسية، وهو ما يتوافق مع التوجيهات القرآنية التي سبقت هذه الاكتشافات بقرون.    و الرضى كقيمة اجتماعية لا يقتصر أثر الرضى على الفرد بل يشمل المجتمع. فحين يرضى الناس تقل النزاعات وتنتشر روح التعاون، ويزداد الشكر والإيجابية، مما ينعكس على العمل والإنتاج والعلاقات.

كلمات مأثورة عن الرضى يمكن ايجارها كالتالي :

من رضي فله الرضى، ومن سخط فله السخط” – حديث نبوي.   حيث قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: الرضى بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين   .وقد قال ابن القيم: الرضى باب الله الأعظم، وجنة الدنيا، ومستراح العابدين.

إضاءات عملية  حاول أن تدرب نفسك عليها لاسعد نفسك

خصص كل يوم دقيقة لتذكر ثلاث نِعم أنعم الله بها عليك.   استحضر دائمًا قوله تعالى: ﴿ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾ [إبراهيم: 34].  تذكّر أن الرضى لا يعني التواكل، بل السعي مع التسليم للقدر.

وفي نهاية المقال احب ان اوضح ان الرضى بالله هو مفتاح السعادة الحقيقية والسكينة الدائمة. إنه مقام إيماني رفيع يورث صاحبه راحة البال وطمأنينة القلب، ويجعله يعيش في “جنة الدنيا” قبل جنة الآخرة. ومن رضي بالله، رضي الله عنه، وكانت عاقبته السعادة الأبدية.

قال تعالى: ﴿ مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ﴾ [التغابن: 11].

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى