بحوث ومنظماتتقاريرحوارات و مقالات

د طارق عبدالعليم يكتب:كيف يمكن الإستفادة من الذكاء الاصطناعي في مكافحة آفات النخيل؟

باحث – المعمل المركزي للمبيدات -مركز البحوث الزراعية- مصر

يعتبر النخيل شجرة الحياة في العديد من المجتمعات، خاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يُزرع النخيل في أكثر من 40 دولة حول العالم، وتنتج الدول العربية حوالي 77% من الإنتاج العالمي للتمور ، 2023).  (FAO  و تتصدر السعودية، العراق، مصر، والإمارات قائمة الدول المنتجة.  هذا المحصول الاستراتيجي يمثل مورداً غذائياً واقتصادياً وتصديرياً، إذ بلغت قيمة تجارة التمور العالمية حوالي 2.2 مليار دولار في 2022.

حيث لا يقتصر دوره على كونه مصدرًا للغذاء (التمور) فحسب، بل يمثل أيضًا تراثًا ثقافيًا واقتصاديًا حيويًا. ومع ذلك، تواجه هذه الشجرة المباركة تهديدات مستمرة من قبل مجموعة من الآفات المدمرة، مثل سوسة النخيل الحمراء وخنفساء البلح وحلم الغبار، والتي تتسبب في خسائر فادحة تصل إلى فقدان ملايين الأشجار سنويًا.  وعلى رأسها سوسة النخيل الحمراء التي وُصفت بأنها “أخطر آفة زراعية في القرن الحالي”. التقديرات تشير إلى أن الخسائر السنوية بسببها تتجاوز 1.5 مليار دولار عالمياً، وتشمل خسائر مباشرة (موت الأشجار) وغير مباشرة (تكاليف المكافحة والقيود التصديرية(.

وفي مواجهة هذه التحديات، تبرز استراتيجية المكافحة المتكاملة للآفات (IPM) كحل عملي ومستدام، ويأتي الذكاء الاصطناعي (AI) ليقود ثورة حقيقية في تطويرها ورفع كفاءتها إلى مستويات غير مسبوقة.

المكافحة المتكاملة للآفات (IPM): حجر الأساس

المكافحة المتكاملة للآفات (Integrated Pest Management) هي استراتيجية علمية شاملة ترتكز على إدارة الآفات بأسلوب اقتصادي وبيئي واجتماعي متوازن. لا تهدف IPM إلى إبادة الآفة تمامًا، بل إلى خفض أعدادها إلى مستوى لا يسبب ضررًا اقتصاديًا، مع تقليل الاعتماد على المبيدات الكيميائية إلى أدنى حد ممكن. تقوم هذه الاستراتيجية على ركائز أساسية:

  1. الرصد والتشخيص: عبر مصائد فرمونية، فحص بصري، أو أجهزة استشعار.
  2. العتبة الاقتصادية للضرر (EIL): في النخيل غالباً ما تُعتبر إصابة 1-2% من الأشجار بداية التحرك.
  3. الممارسات الزراعية: إزالة النخيل المصاب، تشذيب السعف، النظافة الزراعية.
  4. المكافحة الحيوية: استخدام الفطريات مثل Beauveria bassiana أو النيماتودا المتطفلة.
  5. التدخل الكيميائي: الحقن الموضعي أو الرش، كخيار أخير.

رغم أهمية IPM، تواجه تطبيقاته في النخيل تحديات بسبب صعوبة الكشف المبكر، وكثرة الاعتماد على المبيدات، ونقص البيانات الدقيقة.

الإحصائيات الخاصة بآفات النخيل

  • سوسة النخيل الحمراء (Rhynchophorus ferrugineus):

انتشرت من موطنها الأصلي (جنوب آسيا) إلى أكثر من 60 دولة  ، تسبب فقداناً سنوياً يصل إلى 10% من إجمالي أشجار النخيل في بعض الدول الخليجية.في السعودية وحدها، تتجاوز كلفة برنامج المكافحة الوطني مليار ريال سعودي سنوياً.

  • حفار عذوق النخيل (Oryctes spp.):

يؤدي إلى خفض الإنتاج بنسبة 10-15%.

  • العناكب والحشرات القشرية:

تسبب خسائر نوعية تؤثر على التسويق والتصدير.

التشريعات الدولية والوطنية

1- على المستوى الدولي

  • الاتفاقية الدولية لوقاية النباتات :FAO/IPPC أدرجت سوسة النخيل الحمراء ضمن قائمة الآفات الحجرية التي تستلزم برامج قومية للسيطرة.
  • المنظمة الأوروبية والمتوسطية لوقاية النباتات:OEPP/EPPO وضعت معايير للمراقبة والإدارة المستدامة لسوسة النخيل.
  • الاتحاد الأوروبي: أصدر القرار (EU 2017/1279) بإدراج سوسة النخيل ضمن قائمة الآفات الحجرية التي تستوجب المكافحة الإلزامية، مع تقييد حركة فسائل النخيل داخل الاتحاد.

2- على المستوى الإقليمي والعربي

  • السعودية: أطلقت “المبادرة الوطنية لمكافحة سوسة النخيل” عام 2019، وتستهدف تقليل الإصابة بنسبة 40% بحلول 2030، مع الاعتماد على المصائد الذكية والاستشعار عن بعد.
  • الإمارات: بدأت منذ 2015 في دمج الذكاء الاصطناعي والطائرات المسيّرة لرصد سوسة النخيل.
  • مصر: أصدرت وزارة الزراعة قراراً وزارياً في 2020 يلزم المزارعين بالإبلاغ عن إصابات النخيل وإتباع برامج المكافحة المتكاملة.

3- التشريعات الخاصة بالمبيدات

الاتحاد الأوروبي شدد على تقليل استخدام المبيدات الكيميائية بنسبة 50% بحلول 2030 ضمن “الصفقة الخضراء الأوروبية”، ما يفرض على الدول المصدرة للتمور (مثل مصر والسعودية) التوافق مع معايير IPM واستخدام بدائل آمنة.

كيف يساعد الذكاء الاصطناعي في تلبية هذه التشريعات؟

1- تعزيز الإنذار المبكر

أنظمة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحليل بيانات المصائد الفرمونية بشكل لحظي، ما يتيح للسلطات اتخاذ قرارات سريعة.

مثال: في الإمارات، مشروع مشترك بين وزارة التغير المناخي والبيئة وجامعة خليفة لتطوير نظام إنذار مبكر يعتمد على التعلم الآلي.

2- دعم القرار في إدارة الآفات

خوارزميات قادرة على تحليل ملايين البيانات (Big Data) لتحديد العتبة الاقتصادية بدقة.

ربط هذه التوصيات مع التشريعات، بحيث يُسمح بالتدخل الكيميائي فقط عند تخطي مستويات الإصابة المحددة.

3- تتبع ورقمنة سلاسل القيمة

استخدام Blockchain + AI لتوثيق أن النخيل تمت إدارته وفق معايير IPM، ما يعزز القبول التصديري في أسواق مثل الاتحاد الأوروبي.

4- الروبوتات والطائرات الذكية

الروبوتات القادرة على تسلق النخيل واستخدام الحقن الموضعي تقلل من استخدام المبيدات بنسبة تصل إلى 60%.

الطائرات المسيّرة المزودة بكاميرات متعددة الأطياف يمكنها مسح 100 هكتار يومياً بدقة تتجاوز 90%.

مستقبل المكافحة المتكاملة للنخيل مع الذكاء الاصطناعي

  • التوافق مع الاستدامة: الذكاء الاصطناعي يساهم في تقليل استخدام المبيدات والامتثال لتشريعات الاتحاد الأوروبي والصفقة الخضراء.
  • التحول الرقمي: بحلول 2030، يتوقع أن تصبح معظم برامج مكافحة آفات النخيل في الخليج ومصر رقمية بالكامل.
  • اقتصادياً: تقارير السوق (Markets and Markets، 2024) تتوقع أن يصل حجم سوق الذكاء الاصطناعي في الزراعة إلى 4.7 مليار دولار بحلول 2028، مع تركيز خاص على المحاصيل الاستراتيجية مثل النخيل.

خاتمة

يمثل النخيل محصولاً استراتيجياً للأمن الغذائي العربي، لكن تهديدات الآفات، وعلى رأسها سوسة النخيل، تفرض تحديات كبرى على برامج المكافحة المتكاملة. ومع دخول الذكاء الاصطناعي، أصبح بالإمكان تحقيق نقلة نوعية في الرصد، التشخيص، التنبؤ، والتدخل الذكي. والأهم أن هذه التكنولوجيا ليست رفاهية، بل أصبحت ضرورة للامتثال للتشريعات الدولية (EU, FAO, IPPC) وضمان استمرار الصادرات في ظل التشديدات البيئية.

إن دمج الذكاء الاصطناعي في IPM للنخيل ليس مجرد أداة تقنية، بل استراتيجية استدامة واقتصاد وأمن غذائي للمستقبل.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى