حوارات و مقالات

د علي اسماعيل يكتب : مشروعات استصلاح الأراضي ودورها في التنمية الزراعية

د. علي اسماعيل استاذ ادارة الاراضي والمياه بمركز البحوث الزراعية… مصر

إن مفهوم استصلاح الأراضي الزراعية هو عملية تحويل الأراضي غير الصالحة للزراعة إلى أراضٍ منتجة بعد تنفيذ مجموعة من العمليات الإنشائية والفنية وتوفير الموارد المائية والخدمات والمرافق لهذه الأراضي وتتحدد الأراضي الصالحة للزراعة من خلال منظومة علمية تقوم بها الجهات البحثية والجهات التنفيذية بعد عمليات الحصر والتحليل للتربة للوقوف على أهم المحددات الموجودة وتصنيف التربة وخطة المعالجة ثم التصميمات في إطار مشروعات متكاملة تضعها الدولة المصرية ، وقد لعب هذا الإجراء دورًا محوريًا في تحقيق التنمية الزراعية المستدامة في مصر، وزيادة الإنتاج الغذائي، وتعزيز الأمن الغذائي، مما انعكس إيجابيًا على الدخل القومي.

1. دور الدولة وتطور الرقعة الزراعية (منذ ثورة يوليو 1952)

منذ قيام ثورة يوليو 1952، أولت الدولة المصرية اهتمامًا كبيرًا بقطاع الزراعة، حيث تم إقرار قوانين الإصلاح الزراعي التي حددت ملكية الأراضي لتوسيع قاعدة صغار المزارعين. وقد تضاعفت المساحة الزراعية في مصر من حوالي 5.6 مليون فدان في عام 1960 الي ٨.١ مليون في ٢٠١٤ بينما تطورت المساحة الي إلى 9.7 ملايين فدان في عام 2022، وذلك بفضل جهود التوسع الأفقي واستصلاح الأراضي الصحراوية التي أولاها فخامة الرئيس أهمية كبيرة منذ أن تولي مقاليد البلاد . ومن أبرز المشروعات التي ساهمت في ذلك:

مشروع السد العالي: الذي تم البدء في إنشائه عام 1960، وساهم في توفير كميات كبيرة من المياه اللازمة للتوسع الزراعي بعد تحويل ري الحياض الي ري دائم اسهم ذلك في وضع استراتيجية قومية لخطط الاستصلاح والاستزراع بناءً على الموارد المائية المتاحة والخطة الاستراتيجية الوطنية للموارد المائية .

مشروعات الاستصلاح الكبرى: مثل مشروع توشكى الخير (1.1 مليون فدان) الذي اعيد احياءه في ٢٠٢١ ولم تتعدى المساحة المنزرعة بالمشروع ٨٥ الف فدان في ٢٠١٤و مشروع غرب كوم أمبو ووادي النقرة والصعايده ، ومشروع الدلتا الجديدة العملاق (2.2 مليون فدان)، والوادي الجديد كشرق العوينات ٢٣٠ الف فدان وأخرى موزعة على مناطق مثل الفرافرة وعين دلة ومشروع تنمية شمال ووسط سيناء (456 ألف فدان ومشروع غرب القناه في الحسنية وجنوب بورسعيد ). لنصل بمساحة زراعية تصل إلى ١٠.٣ مليون فدان في ٢٠٢٥ ومساحة محصوليه ١٩ مليون فدان ومستهدف الوصول إلى ١٢ مليون فدان خلال عامين لنصل الي المستهدف الاستراتيجي في ظل تدبير موارد مائية وتغيير منظومة الري والاعتماد على الزراعة الذكية والخطط التنفيذية لترشيد استخدام المياه في مصر في كافة القطاعات وتربية الأصناف المتحملة للملوحة والجفاف وقصيرة العمر من خلال مركز البحوث الزراعية والجهات البحثية الأخرى والجامعات .

2. تحديات الأراضي الزراعية: التعديات والنمو السكاني

في المقابل، واجهت جهود التوسع تحديات كبيرة من التعديات على الأراضي الزراعية القديمة. فوفقًا لبعض التقارير، بلغ حجم التعديات على الأراضي الزراعية في فترة من الفترات (2011-2014) أكثر من 55 ألف فدان وفي دراسات ان ما تم فقده من الأراضي القديمة يصل إلى مليون فدان منذ عام ١٩٥٢ وحتى ٢٠٢٥. وتشمل هذه التعديات:-

– الزحف العمراني: الذي يستهلك مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية الخصبة.

– التعديات الصناعية: وإقامة الطرق والبنية التحتية التي لا تأخذ في الاعتبار أهمية الأراضي الزراعية.

– التبوير: وهو عملية إهمال الأراضي الزراعية وتركها دون زراعة، مما يؤدي إلى تدهور خصوبتها.

-التصحر الناتج عن فقد الخصوبة للتمليح وعدم الصيانة وتداخل مياه البحر وغيرها من عناصر تغير المناخ.

وتتفاقم هذه المشكلة بشكل كبير بسبب معدلات النمو السكاني المرتفعة في مصر، والتي تزيد بمعدل 1.3 مليون نسمة سنويًا، مما يخلق ضغطًا هائلاً على الموارد الغذائية والمساحة الزراعية المحدودة بالفعل.

3. الموارد المائية ودورها في التنمية

تعتمد مصر بشكل أساسي على نهر النيل كمصدر رئيسي للمياه (حوالي 97%). وتواجه الموارد المائية في البلاد تحديات كبيرة، بما في ذلك:

تهديد سد النهضة الإثيوبي على المدى المتوسط وإقامة سدود اثيوبية أخرى تخطط لها إثيوبيا والقوي الإمبريالية : الذي يمثل تهديدًا محتملًا لحصة مصر من مياه النيل ويقلل من واردات المياه لمصر على المدى الزمني المتوسط والبعيد .

النمو السكاني: الذي يزيد الطلب على المياه للاستهلاك للشرب والصناعة التي تستهلك أكثر من ١٨ مليار متر مكعب من المياه والزراعة التي تستهلك ٣٧ مليار من مياه النيل بينما يصل الاستخدام الكلي لأكثر من ٦٥ مليار متر مكعب معظمها من مشروعات إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي والمعالجة والمياه الجوفية السطحية العميقة .

– التغيرات المناخية: التي قد تؤثر على معدلات هطول الأمطار في حوض النيل وارتفاع درجة الحرارة التي تسبب زيادة في الاستهلاك المائي سواء للانسان او المزروعات .

ولمواجهة هذه التحديات، وضعت الدولة المصرية خطة استراتيجية لإدارة الموارد المائية حتى عام 2037، مع التركيز على تحلية مياه البحر، ومعالجة مياه الصرف الصحي، وتحديث نظم الري للحد من الهدر وقد قامت الدولة المصرية بتنفيذ عديد من المشروعات التي تنمي بها مواردها المائية ولديها مشروع محطة معالجة بحر البقر ٥.٦ مليون متر مكعب يوم والمحسمة مليون متر مكعب يوم والعالمين الجديدة ٧.٥ مليون متر مكعب يوم وغيرها من محطات المعالجة الثلاثية والتوجه لمشروعات تحلية المياه في المدن الساحلية والمناطق السياحية .

التحديات التي تواجه التنمية الزراعية

تواجه الدول النامية تحديات كبيرة في القطاع الزراعي، مثل:

ندرة الأراضي الصالحة للزراعة: تدهور التربة والتصحر ونمو المناطق الحضرية يقلل من المساحة المتاحة للزراعة.

ندرة المياه: تعاني العديد من المناطق من نقص حاد في المياه، مما يحد من إمكانات التوسع الزراعي.

النمو السكاني: زيادة عدد السكان تتطلب زيادة مقابلة في الإنتاج الغذائي لتلبية الاحتياجات المتزايدة.

دور استصلاح الأراضي في التنمية الزراعية

استصلاح الأراضي يوفر حلولًا لهذه التحديات من خلال:

زيادة المساحة الزراعية: عن طريق تحويل الأراضي الصحراوية أو المالحة إلى أراضٍ منتجة، مما يساهم في توسيع الرقعة الزراعية.

تحقيق الأمن الغذائي: زيادة الإنتاج المحلي من الغذاء يقلل من الاعتماد على الواردات، مما يوفر العملة الصعبة ويجعل البلاد أقل عرضة لتقلبات الأسواق العالمية.

توفير فرص العمل: عملية استصلاح الأراضي تساهم في خلق فرص عمل جديدة في المناطق الريفية، من خلال أنشطة مثل زراعة المحاصيل، وتربية الماشية، والصناعات الغذائية المرتبطة بالمنتجات الزراعية.

التأثير على الدخل القومي وتنعكس هذه الفوائد بشكل مباشر على الدخل القومي للبلاد من خلال:

– زيادة الصادرات: عندما يتجاوز الإنتاج الزراعي المحلي الاستهلاك، يمكن تصدير الفائض، مما يدر عملات أجنبية ويزيد من الدخل القومي.

– جذب الاستثمارات: الاستصلاح الناجح للأراضي يجذب استثمارات جديدة في القطاع الزراعي والصناعات الغذائية، مما يحفز النمو الاقتصادي.

– تقليل الواردات: تقليل الحاجة لاستيراد الغذاء يقلل من فاتورة الواردات، مما يحرر الموارد المالية التي يمكن استخدامها في قطاعات أخرى.

التحديات والحلول رغم أهميته، يواجه استصلاح الأراضي بعض التحديات: منها التكاليف المرتفعة: تتطلب هذه المشاريع استثمارات ضخمة في البنية التحتية، مثل شبكات الري وشبكات الكهرباء. يمكن مواجهة هذا التحدي عبر الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتقديم القروض الميسرة للمزارعين. و الخبرة الفنية: يجب أن تعتمد مشاريع الاستصلاح على التقنيات الحديثة في الري، مثل الري بالتنقيط، واستخدام الأسمدة العضوية، للحفاظ على الموارد المائية. بالإضافة إلى التغيرات المناخية: يمكن مواجهتها عن طريق البحوث الزراعية لتطوير أصناف جديدة من المحاصيل تتحمل الجفاف والملوحة.

وفي النهاية فقد اوضح باختصار، أن استصلاح الأراضي ليس مجرد مشروع زراعي، بل هو استثمار استراتيجي في مستقبل البلاد، يضمن الأمن الغذائي، ويعزز النمو الاقتصادي، ويرفع من مستوى معيشة الأفراد..

وباختصار، يظل استصلاح الأراضي استثمارًا استراتيجيًا لمصر، يهدف إلى تحقيق الأمن الغذائي وتقليل الاعتماد على الواردات. وعلى الرغم من التحديات المتعلقة بالتعديات والنمو السكاني والموارد المائية، فإن جهود الدولة في التوسع الأفقي وتطوير البنية التحتية الزراعية تُعد خطوة أساسية لضمان مستقبل مستدام للأجيال القادمة وان ما يقوم به فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي قائد مسيرة البناء والتنميه على أرض مصر من جهود في هذا الملف يوضح حجم التحديات والانقاق الذي تخطي أكثر من ٨٠٠ مليار جنيه في هذه المشروعات الجديدة ليحقق منظومة الأمن الغذائي المصري ومواجهة التحديات لتوفير الحياه الكريمة للمصريين وتوفير احتياجاتهم من الغذاء وزيادة الصادرات الزراعية وتقليل الفجوة الغذائية.

 

زر الذهاب إلى الأعلى