د عاطف عشيبة يكتب: انواع خيار البحر والقيمة الغذائية للانتاج

وكيل معهد بحوث تكنولوجيا الأغذية. – مركز البحوث الزراعية – مصر
خيار البحر (Sea Cucumber) هو أحد الكائنات البحرية التي تتميز بجسم طويل أسطواني يشبه ثمرة الخيار. ينتمي هذا الكائن إلى شعبة شوكيات الجلد (Echinodermata)، وهي نفس المجموعة التي تضم نجم البحر وقنفذ البحر. غير أن الفرق بينه وبين غيره من شوكيات الجلد يتمثل في أن أشواكه ليست بارزة على السطح، بل مدفونة داخل جلده السميك. ويُقدَّر عدد أنواعه بحوالي 1250 نوعًا، تعيش في مختلف محيطات العالم وعلى أعماق متفاوتة، بينما يضم البحر الأحمر وحده ما يقارب 80 نوعًا .
فم خيار البحر يوجد عند أحد طرفي جسمه، وهو محاط بمجموعة من الزوائد الشبيهة بقرون الاستشعار، إلا أنها ليست كغيرها من قرون الاستشعار المعروفة، بل تؤدي وظيفة تشبه الأيدي؛ حيث يمكنها أن تتمدد وتتقلص لتلتقط الغذاء وتنقله إلى الفم. ويمتلك خيار البحر وسيلة دفاعية مميزة، إذ يستطيع طرح بعض أعضائه الداخلية لتشتيت انتباه أعدائه، ثم يعاود تجديد هذه الأعضاء لاحقًا من خلال عملية طبيعية تسمى التجدد الحيوي.

عادةً ما يعيش في قاع البحر، حيث يستقر مدفونًا في الرمال أو مختبئًا تحت الصخور، وبين الشعاب المرجانية والطحالب والنباتات البحرية.

ويفضل هذا الكائن البيئات المظلمة، إذ يتحرك في اتجاه معاكس للضوء، ويكون أكثر نشاطًا خلال الليل بينما يختفي في النهار بفضل قدرته على الحفر ودفن نفسه تحت الرمال.

ويمتلك خيار البحر قدرة مميزة على تعويض الأجزاء المفقودة من جسمه عند تعرضه للخطر أو هجوم الأعداء، من خلال عملية التجدد الحيوي.

انواع خيار البحر

من أشهر أنواع خيار البحر تلك التي تنتمي إلى جنس الهولوثوريا (Holothuria)، والتي تتميز بسماكة جدار الجسم وكبر الحجم وتعدد أشكالها وأنواعها.

و يعد خيار البحر من الكائنات البحرية القادرة على التأقلم في بيئات متنوعة، إذ يمكنه العيش على أعماق تتراوح بين سطح الماء وحتى نحو 4000 متر، كما يستطيع تحمل درجات حرارة مختلفة قد تصل أحيانًا إلى حد التجمد. و يصنف خيار البحر من الحيوانات وحيدة الجنس (ذكور وإناث)، إلا أنه لا يمكن التمييز بينهما بالاعتماد على الشكل الخارجي.
دورة حياة خيار البحر
1- مرحلة التكاثر
يبدأ التكاثر عند خيار البحر عندما يجتمع عدد كبير من الذكور والإناث في موسم معين، حيث تقوم الإناث بإطلاق البيض في مياه البحر.

يتميز البيض بوجود مواد كيميائية خاصة تعمل على جذب وتحفيز الذكور لإطلاق الحيوانات المنوية في نفس الوقت، فيحدث الإخصاب خارجيًا في مياه البحر. وغالبًا ما تتم هذه العملية في المناطق الضحلة التي يقل عمقها عن 15 مترًا.
2- مرحلة اليرقات
بعد حدوث الإخصاب، يفقس البيض لتخرج منه يرقات مجهرية صغيرة تعيش حرة في عمود الماء. تكون هذه اليرقات في حالة هائمة تتقاذفها الأمواج والتيارات البحرية، وتمضي عدة أسابيع إلى شهور في البحر وهي تمر بمراحل تحول مختلفة، حتى تصبح أكثر تطورًا وقادرة على الاستقرار.
3– مرحلة الاستقرار
مع مرور الوقت تستقر اليرقات في قاع البحر، حيث تبدأ بالبحث عن أماكن مناسبة للعيش مثل الرمال أو تحت الصخور أو بين الطحالب والشعاب المرجانية. في هذه المرحلة تتغذى على الطحالب الدقيقة والمواد العضوية الموجودة في الرواسب البحرية، مما يساعدها على النمو والبقاء.
4– مرحلة النمو
ينمو خيار البحر ببطء شديد، إذ يزداد طوله بمعدل يتراوح بين 5 إلى 20 سنتيمترًا في السنة، ويعتمد هذا المعدل على نوعه والظروف البيئية المحيطة به. ويظل خيار البحر في هذه المرحلة معرضًا للأخطار الطبيعية من المفترسات والظروف البيئية القاسية.
5- مرحلة النضج الجنسي
بعد مرور عدة سنوات من النمو، تصل بعض الأنواع إلى مرحلة النضج الجنسي في حوالي خمس سنوات. عند هذه المرحلة يصبح خيار البحر قادرًا على التكاثر، وبذلك تبدأ دورة حياته من جديد مع إطلاق البيوض والحيوانات المنوية في البحر.

الأنواع الاقتصادية من خيار البحر

1- خيار البحر الأناناسة (Thelenota ananasa)
يعيش هذا النوع على القاع الرملي بالقرب من الشعاب المرجانية، ويتراوح طوله بين 40 – 70 سم، بينما قد يصل وزنه إلى حوالي 6 كجم. يوجد عادة على أعماق تتراوح من 2 إلى 30 مترًا.
2– السمكة الرملية (Bahadschia graeffei)
يعد من الأنواع الفاخرة، ويتميز بوجود حلمات صغيرة بيضاء على سطحه العلوي. يعيش بين الشعاب المرجانية الميتة والأسطح الصلبة، وغالبًا ما يختبئ بين الطحالب والنباتات البحرية. يصل طوله إلى نحو 90 سم.
3– خيار البحر الأمواج الحمراء (Actinopyga mauritiana)
يصل طوله إلى حوالي 30 سم، وله شكل أسطواني مع سطح سفلي مفلطح. يتميز بوجود ثلاثة صفوف من الأقدام الأنبوبية على سطحه السفلي، وخمسة أسنان عند الفتحة الإخراجية. لونه أحمر طوبي غامق من الأعلى، ويعيش في المناطق الصخرية خارج نطاقات الشعاب المرجانية حيث تتكسر الأمواج، على أعماق تصل إلى نحو 5 أمتار.
4– الخيار الأبيض (White Teat Fish)
يمتاز بوجود خمس حلمات بارزة على كل جانب من جسمه، ولونه بني فاتح يميل إلى الصفرة. يعيش على القاع الرملي وبين الشعاب المرجانية، وغالبًا ما يختبئ بين الحشائش البحرية. يصل طوله إلى نحو 100 سم، و يعد من الأنواع عالية القيمة الاقتصادية.
5– الخيار الأسود (Holothuria atra)
من أكثر الأنواع شيوعًا وانتشارًا، حيث يوجد في مختلف البيئات البحرية القريبة من الشواطئ وفي الأعماق الضحلة. يبلغ طوله حوالي 50 سم، وجسمه أسطواني مستطيل ذو ظهر أملس. عند مسكه يفرز صبغة بنية داكنة، وغالبًا ما يتغطى بالرمال لحماية نفسه.
6- الخيار البني (Bohadschia marmorata)
يعيش على القيعان الرملية الطينية بعمق يتراوح بين 2 – 15 مترًا. يبلغ طوله حوالي 35 سم، وجسمه قصير وسميك مع سطح سفلي مستوى او مفلطح. وعند تعرضه للفزع تظهر مجموعة من الأسنان من فتحة الإخراج كآلية دفاعية.
7– الخيار الرمادي (Holothuria scabra)
يعرف أيضًا باسم خيار البحر الرملي، وله شكل بيضاوي مع حواف مدببة. سطحه العلوي رمادي مائل إلى الأخضر تنتشر عليه بقع سوداء، أما السطح السفلي فلونه كريمي فاتح.

يبلغ طوله حوالي 45 سم، ويتواجد بأعداد كبيرة في المناطق الداخلية لتجمعات الشعاب المرجانية وقرب مصبات الأودية. يقضي معظم ساعات النهار مدفونًا تحت الرمال الناعمة.
أهمية خيار البحر في البيئة البحرية.

أهمية خيار البحر
يعد خيار البحر من أهم الكائنات التي تحافظ على توازن البيئة البحرية، حتى لقب أحيانًا بـ “صديق البيئة الأول”، لما يقوم به من أدوار بيئية مؤثرة، ويمكن تلخيص أهميته فيما يلي:
1– تنظيف الرواسب البحرية:
يتغذى خيار البحر على المواد العضوية الدقيقة الموجودة في الرواسب من خلال ابتلاع الرمال وما تحتويه من عناصر غذائية، ثم يهضم ما يحتاجه ويطرح الفضلات على شكل رمال غنية بالأملاح والعناصر الغذائية. هذه العملية تخصب القاع البحري وتساعد على نمو الطحالب والأعشاب البحرية بكثافة.
2- التحكم في انتشار الكائنات البحرية الضارة:
يقوم خيار البحر بترشيح المياه المليئة بالمواد العالقة ومنها يرقات بعض الكائنات البحرية، مثل نجم البحر الشوكي الذي يهدد الشعاب المرجانية. وبهذا يحد خيار البحر من انتشارها بصورة وبائية تحافظ على سلامة النظام البيئي البحري.
3- مصدر غذاء للكائنات الأخرى:
تعد بويضات ويرقات خيار البحر غذاءً مهمًا لعدد من الأسماك واللافقاريات، ما يساهم في استمرارية السلسلة الغذائية البحرية.
4- تقليب وتحريك الرواسب القاعية:
يقوم خيار البحر ببلع الرمال والطين والحصى ثم طرحها بعد هضم ما يحتاجه، وهي عملية تستغرق نحو 11 ساعة. هذا “الحرث الطبيعي” للتربة القاعية يمنع تصلب الرواسب وتعفنها، ويحسن من خواصها.

5- الحفاظ على قلوية الماء:
يساعد خيار البحر في ضبط درجة حموضة (pH) المياه المحيطة به، حيث يتراوح الأس الهيدروجيني لسوائله الداخلية بين 6.6 و7.3، وهو ما يساهم في الحفاظ على بيئة مناسبة لبقية الكائنات البحرية.
6- المساهمة في التخلص من الملوثات:
بعض أنواع خيار البحر لها القدرة على امتصاص الملوثات البترولية من المياه وتجميعها داخل حويصلات بجسمه، ثم تحويلها إلى صورة أكثر كثافة تترسب مع الرواسب القاعية، مما يُقلل من أثر هذه الملوثات في البحر.
7- علاقات تكافلية مع كائنات أخرى:
توجد بعض أنواع الأسماك الصغيرة التي تعيش حول خيار البحر وتتغذى على المخلفات الخارجة من فتحة الشرج، كما تعيش ديدان دقيقة على جلده تتغذى على المواد الغذائية العالقة وتُساهم في تنظيف سطحه.

الأهمية الغذائية و الصحية لخيار البحر

يعتبر خيار البحر من الكائنات البحرية ذات القيمة الغذائية والطبية العالية، وقد عرف منذ عدة قرون في الطب الصيني التقليدي، حيث استخدم كغذاء ودواء لما يحتويه من عناصر غذائية مميزة. فهو غني بالبروتين، ويحتوي على نسبة مرتفعة من الأحماض الدهنية غير المشبعة، كما يعد مصدرًا جيدًا للفيتامينات مثل: C و B1 و B2 و B3 و A، بالإضافة إلى غناه بالمعادن الأساسية مثل: الكالسيوم، الحديد، المنجنيز، الزنك، والفوسفور.

من الناحية الطبية، أظهرت الأبحاث أن خيار البحر يحتوي على مركبات الميوكوبوليسكاريد (Mucopolysaccharides)، وهي جزيئات تلعب دورًا مهمًا في تكوين السائل المفصلي والغضاريف لدى الإنسان، مما يفسر استخدامه في دعم علاج التهابات المفاصل والأمراض الروماتيزمية. كما أظهرت بعض الدراسات أنه قد يساهم في تحسين القدرة الجنسية لدى الرجال، لذلك يصنع منه في بعض دول شرق آسيا كبسولات تحتوي على مسحوق خيار البحر المجفف.
وعلاوة على ذلك، تجري أبحاث علمية حديثة لاختبار فاعلية بعض مكونات خيار البحر كمصادر محتملة لعلاج أمراض خطيرة مثل السرطان والإيدز، وذلك بفضل احتوائه على مركبات حيوية نشطة ذات خصائص مضادة للأكسدة والالتهابات ونمو الخلايا غير الطبيعية.