د علي إسماعيل يكتب: سيناء المستقبل بين الماضي والحاضر

استاذ ادارة الاراضي والمياه – مركز البحوث الزراعية – مصر
قي البداية وفي ذكرى النصر العظيم في السادس من أكتوبر 1973، نتقدم بتحية إجلال وفخر إلى قواتنا المسلحة الباسلة، التي أعادت لمصر عزتها وكرامتها، وكتبت بدماء شهدائها أن الأرض لا تُسترد إلا بالتضحيات العظيمة والإرادة الصلبة. نستحضر في هذه المناسبة أرواح أبطالنا الذين قدموا حياتهم فداءً للوطن، سائلين الله أن يتغمدهم برحمته الواسعة، وأن يحفظ جيشنا العظيم درعًا وسيفًا لمصر، وركيزة أمنها واستقرارها على مر الزمان تحت قيادة فخامة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي القائد الاعلي وقائد مسيرة البناء والتنمية علي ارض مصر .
أهمية سيناء الجغرافية
تعد شبه جزيرة سيناء جزءًا عزيزًا واستراتيجيًا من أرض مصر، لا تقتصر أهميتها على الموقع الجغرافي الذي يربط آسيا بإفريقيا ويشرف على قناة السويس، بل تمتد لأهميتها الاقتصادية والأمنية والتاريخية. إن ملف تنمية سيناء يشكل مشروعًا قوميًا متكاملاً، انتقل من مجرد الاهتمام الشكلي إلى استراتيجية شاملة تهدف إلى تعميرها وتحويلها إلى منطقة جاذبة للسكان والاستثمارات، ودمجها عضويًا بوادي النيل.
إن تنمية سيناء ليست مجرد مشروع اقتصادي، بل مشروع قومي يتكامل فيه الأمن مع التنمية، والاقتصاد مع البعد الاجتماعي. فسيناء قادرة على استيعاب ملايين المصريين وتخفيف الضغط السكاني عن وادي النيل، كما أنها تمثل بوابة للتواصل مع العالم العربي والإفريقي والآسيوي. ان تنمية سيناء ليست مجرد خطة اقتصادية، بل هي مشروع قومي يفتح آفاقًا جديدة لمصر كلها. فهي قادرة على استيعاب ملايين السكان، وتخفيف الضغط عن وادي النيل، وتحويلها إلى نقطة جذب استثماري وسياحي وزراعي وصناعي.
سيناء: موقع وأهمية استراتيجية
تمثل سيناء 6% من مساحة مصر، وتتميز بثراء طبيعي متنوع، من السواحل الممتدة على البحرين الأحمر والمتوسط، مرورًا بالجبال والوديان والموارد المعدنية، وصولًا إلى الأراضي الصالحة للزراعة والموارد المائية التي تمثل مفتاحًا للتنمية. هذا الموقع جعلها دائمًا محط أنظار الطامعين، وفي الوقت نفسه حائط صد للأمن القومي المصري.
التحديات التاريخية والتنموية
رغم استعادة الأرض، ظلت سيناء لعقود تعاني من ضعف الكثافة السكانية وغياب الاستثمارات الكبيرة، إضافة إلى التحديات الأمنية المرتبطة بمكافحة الإرهاب والتطرف. كما شكلت ندرة المياه وتحديات البنية التحتية عقبات أمام استغلال إمكاناتها الهائلة.
رؤية الدولة لتنمية سيناء
أولت الدولة المصرية خلال العقد الأخير اهتمامًا استثنائيًا بتنمية سيناء، إدراكًا أن الأمن لا ينفصل عن التنمية. ومن أبرز المشروعاتخطوات على طريق الحلم وان الدولة المصرية أدركت أن التنمية هي السبيل الحقيقي لتحقيق الأمن والاستقرار في سيناء. لذلك أُطلقت خلال السنوات الأخيرة مشروعات ضخمة، منها:
إنشاء أنفاق قناة السويس لربط سيناء بالدلتا بشكل أسرع وأسهل وسوف نستعرض ذلك في موقعه بالمقال .
الزراعة واستصلاح الأراضي: تنفيذ مشروعات عملاقة مثل ترعة السلام، ومشروع تنمية شمال ووسط سيناء لاستصلاح مئات الآلاف من الأفدنة باستخدام مياه النيل والمياه الجوفية.
البنية التحتية والطرق: إنشاء شبكة طرق وكباري وأنفاق تربط سيناء بالوطن الأم، مثل أنفاق قناة السويس، ومحاور النقل المتكاملة.
الاستثمار الصناعي والتعديني:
استغلال الثروات التعدينية (الفحم، الرمال البيضاء، الرخام) وإنشاء مناطق صناعية جديدة.
السياحة:
تطوير السياحة الشاطئية والدينية والعلاجية، لما تمتلكه سيناء من مقومات فريدة مثل سانت كاترين وشرم الشيخ
محطة معالجة مياه الصرف الزراعي في بحر البقر بطاقة 5.6 مليون متر مكعب من المياه لسيناء خالية من التلوث
تطوير بحيرة البردويل لتصبح انقي بحيرة لانتاج افخم انواع الاسماك للتصدير
تطوير وتحديث ميناء العريش ومطار العريش .
الخدمات الاجتماعية:
بناء مدن جديدة، وتطوير الإسكان والتعليم والصحة لخدمة المجتمعات المحلية وشبكة طرق علي اعلي مستوي بالاضافة الي وصول خط السكة الحديد الي سيناء لاستكمال مسيرة البناء وتوفير الخدمات اللوجستية وتحديث المستشفيات وغيرها مما يحسن جودة الحياه بسيناء .
الماضي: التحرير وبداية الربط
عقب تحرير سيناء في عام 1982 واستكمال التحرير بعودة طابا في 1988، بدأت جهود الدولة المصرية لربط الجزء المحرر بوادي النيل. تمثلت أهم ملامح هذه المرحلة في:
- الربط الجغرافي والبنية التحتية: إنشاء نفق الشهيد أحمد حمدي تحت قناة السويس ومجموعة من الانفاق الجديدة لربط غربها بشرقها برًا، بالإضافة إلى بناء جسري الكوبري المعلق وكوبري الفردان المتحرك فوق القناة، وتطوير المنافذ البرية.
- الاستصلاح الزراعي: شق ترعة السلام جنوب بورسعيد، والتي كان هدفها ري ما يقرب من نصف مليون فدان في شمال سيناء بمياه النيل، كخطوة أولى في التنمية الزراعية.
الحاضر: التنمية الشاملة والمحاور المتكاملة (خطة الدولة الحالية)
شهدت الأعوام الأخيرة، خاصة منذ عام 2014، ضخ استثمارات ضخمة تخطت 700 مليار جنيه، وصولاً إلى استهداف استثمارات بنحو 40 مليار جنيه في خطة العام المالي 2024/2025 وحده. تعتمد خطة الدولة للتنمية الشاملة على ثلاثة محاور رئيسية:
- المحور الاقتصادي والتنموي:
يهدف هذا المحور إلى تعظيم الاستفادة من موارد سيناء الطبيعية وتحويلها إلى منطقة إنتاجية بامتياز:
الزراعة: استصلاح 400 ألف فدان ضمن مشروعات تنمية سيناء، وإنشاء تجمعات زراعية جديدة (مثل 15 تجمعًا زراعيًا مستهدفًا في جنوب سيناء)، والاستفادة من آبار المياه ومشاريع حماية السدود من أخطار السيول.
الصناعة والتعدين: تعزيز الاستثمار في مشروعات صناعية وتعدينية لتوظيف الثروات المعدنية الهائلة (كالجرانيت وغيره) وتحويلها لمناطق ذات جذب اقتصادي، مع النظر في إقامة مناطق حرة شرق قناة السويس.
السياحة: تطوير المقومات السياحية المتنوعة في سيناء والتي تشمل السياحة الشاطئية والغوص، والسياحة الدينية (كمنطقة سانت كاترين)، والعلاجية، وسياحة السفاري والمغامرات.
- المحور الاجتماعي والخدمي:
يركز هذا المحور على بناء الإنسان وتحسين جودة الحياة لأهالي سيناء، وتوطين 8 ملايين مصري بحلول 2050:
التعليم والصحة:
تطوير الخدمات التعليمية وتوفير بيئة تعليمية حديثة، وتطبيق منظومة التأمين الصحي الشامل في محافظة جنوب سيناء كمرحلة أولى.
المياه والصرف الصحي:
إنشاء وتطوير محطات تحلية المياه (مثل 30 محطة في شمال سيناء و11 في جنوبها)، واستكمال شبكات الصرف الصحي، وإحلال وتجديد محطات وشبكات مياه الشرب.
الإسكان والخدمات:
تطوير المناطق العشوائية وتوفير وحدات سكنية بديلة، وإنشاء مجتمعات عمرانية جديدة، مع التركيز على تحفيز المواطنين والمستثمرين على السكن والإقامة في سيناء.
- المحور العمراني والبنية التحتية:
يهدف إلى إنهاء العزلة عن سيناء وربطها بباقي أنحاء الجمهورية:
شبكة الطرق والمواصلات: تنفيذ ورفع كفاءة 5000 كم من الطرق والأنفاق، وأبرزها تطوير طريق النفق/ طابا ومحور 30 يونيو، وإنشاء وتطوير 6 أنفاق أسفل قناة السويس (مقارنة بنفق واحد سابقًا)، واستكمال خط السكة الحديد بين الإسماعيلية ورفح لعمل رواج ونقلة سكانية.
الموانئ: إنشاء وتطوير الموانئ البحرية والبرية (كـ ميناء نويبع وميناء شرق بورسعيد).
الطاقة: العمل على توفير الوقود اللازم للمصانع والأنشطة الاقتصادية.
المستقبل: آفاق الثروات غير المستغلة
إن رؤية الدولة للمستقبل تستند إلى تحويل سيناء إلى منطقة اقتصادية واعدة ودرع لمصر الشرقية. تعتمد هذه الرؤية على:
- جذب التعداد السكاني: استهداف توطين أعداد كبيرة من السكان من الوادي والدلتا، مما يتطلب تمهيد البنية التحتية وتوفير فرص عمل مستدامة وتمليك الأراضي للمواطنين وإشراك أبناء البدو في الأنشطة الاقتصادية.
- تعظيم الموارد: استغلال الإمكانات غير المستغلة في مناطق مثل أبو زنيمة ذات القدرات التعدينية والصناعية، وتوسيع زراعة الفواكه والخضروات الفاخرة للتصدير.
- المدن المليونية المتخصصة: المقترحات التنموية تشير إلى إمكانية إنشاء مراكز تنموية تتحول إلى مدن مليونية متخصصة على الطرق الرئيسية لخدمة الاستثمار التعديني والزراعي والصناعي والسياحي، مما سيشكل نقلة نوعية في خريطتها السكانية والاقتصادية.
حرب أكتوبر 1973: نقطة البداية والأمن القومي.
لا يمكن الحديث عن تنمية سيناء دون استحضار نصر أكتوبر المجيد، الذي يمثل نقطة التحول التاريخية التي مهدت لتحرير الأرض وبدء التنمية. ففي السادس من أكتوبر عام 1973، عبرت القوات المسلحة المصرية قناة السويس واستردت جزءًا عزيزًا من أرض الوطن، محطمة أسطورة “الجيش الذي لا يقهر”.
لم يكن النصر مجرد انتصار عسكري، بل كان تعبيرًا عن الإرادة الوطنية التي أزالت عار الهزيمة وفتحت أبواب الحرية والكرامة للمصريين والعرب.
إن ذكرى 6 أكتوبر هي رمز للتضحية بالدماء الزكية، وتأكيد على أن الأمن والتنمية وجهان لعملة واحدة؛ فاستقرار سيناء وحمايتها هو الشرط الأساسي والضامن لاستمرار أي مشروع تنموي، وهي تذكرة دائمة بأهميتها الاستراتيجية كـدرع مصر الشرقي.
ويبقى حلم تنمية سيناء مشروعًا وطنيًا مستمرًا، يرسخ مكانة مصر ويؤكد أن أرض الفيروز ليست فقط ساحة للصراع، بل فضاء للأمل والبناء والحياة. إن استثمار طاقات الشباب، واستمرار المشروعات القومية، وتعزيز الشراكات بين الدولة والقطاع الخاص، هي مفاتيح تحقيق هذا الحلم الذي طال انتظاره.