بحوث ومنظماتتقاريرحوارات و مقالاتخدماتيزراعة

د علي عبدالعزيز يكتب: مشروع حقن التربة الرملية بالسلت والطين «ايجيبت كلاى» الحقيقة: في مواجهة وهم النانو كلاي

رئيس مشروع حقن التربة – مركز بحوث الصحراء – مصر

بدأت فكرة مشروع حقن التربة الرملية بالسلت والطين في عام 2013، ثم تم تقديمها كبحث تطبيقي بمركز بحوث الصحراء في عام 2014، إلى أن تم الحصول على تمويل من مؤسسة مصر الخير في عام 2017 لتنفيذ الحلم. وبدأ بالفعل تنفيذ المشروع على أربع مراحل أساسية.

المرحلة الأولى:

دراسة مصادر الطين في مصر وضمان توافر الخامات بكميات كبيرة لضمان استدامة المشروع، وقد استغرقت هذه الدراسة عامين كاملين، تم خلالهما تقسيم مصادر الطين إلى قسمين:

1- المصادر الرطبة:

وتشمل تكريك بحيرة ناصر (بحيرة السد)، ولكن واجه الفريق البحثي معوقات كبيرة للاستفادة من الطمي الموجود هناك، وذلك بسبب أن عمق البحيرة يبلغ 180 مترًا، فأي كراكة ستستخرج هذا الطمي الموجود على هذا العمق الكبير؟ علاوة على التكاليف الاقتصادية الباهظة، التي تجعل هذا المصدر غير اقتصادي بالمرة.

كما أنه تم تحليل هذه الخامات في آخر 100 كم بين مصر والسودان، وكانت المفاجأة أن معدن الطين السائد في هذه الخامات هو معدن الكاؤولينايت، وهو معدن طيني نعم، لكنه معدن (1:1) يحتاج إلى أحقاب جيولوجية ليحدث له تجوية ويصبح كأراضي الدلتا.

كما أن بحيرة السد مليئة بالتماسيح، مما يجعل عملية التكريك فيها محفوفة بالمخاطر. كذلك، عند دراسة الجدوى الاقتصادية لاستخراج طمي بحيرة ناصر، وُجد أن استخدامه لن يتجاوز منطقة توشكى، أي لا يمكن نقله مثلًا إلى مناطق أخرى كالواحات أو سيناء. لذا تم غض الطرف تمامًا عن تكريك بحيرة ناصر وتجميد هذا المصدر مؤقتًا في المشروع.

ثم تم التوجه إلى المصدر الرطب الثاني، وهو نواتج تكريك الترع والمصارف. نعم، وُجد أن بها معدن الطين المطلوب، لكن واجه الفريق البحثي عدة معوقات أهمها أنه عند تحليل هذه الخامات تبين أن معادن الطين مشبعة بالعناصر الثقيلة والملوثات والنيماتودا وبذور الحشائش الضارة، التي ستلوث الأراضي الصحراوية البكر بمجرد إضافتها إليها، وتتركز في النباتات المزروعة وتضر الإنسان والحيوان.

كما أن كمياتها محدودة لا يمكن الاعتماد عليها، لأنها لا تضمن استدامة المشروع، فتم استبعادها وتجميد هذا المصدر أيضًا.

2- المصادر الجافة:

وهي خامات جيولوجية منتشرة في الصحارى المصرية بشكل كبير جدًا، لكنها في صورة صخور وجبال هشة. لذا تم حصر وتصنيف وتحليل جميع مصادر الطين في جمهورية مصر العربية، وتحديد معدن الطين السائد ونسبته، وتوقيعها على خريطة لمعرفة الأماكن المتوقعة لوضع خطوط إنتاج لتكسير وطحن وفصل حبيبات السلت والطين من هذه الخامات، مع مراعاة قربها من مناطق الاستهلاك لتقليل تكاليف النقل لأقل ما يمكن.

وبناءً على ذلك، تم تقسيم مصر إلى أربع نطاقات:

(المنطقة الغربية من الضبعة وحتى السلوم – شبه جزيرة سيناء وتشمل شمال ووسط وجنوب سيناء – الوادي الجديد – المنطقة الجنوبية وتمتد من الجيزة وحتى أسوان).

وهنا يأتي السؤال: هل الشركات التي تعمل على الترويج لمنتجات النانو كلاي السائلLNC قامت بحصر وتصنيف خامات الطين وتحليلها ومعرفة معدن الطين السائد ونسبته في منتجاتها؟

بالطبع لا وهذا يعد قصورا علميا ويرسخ الى أن الموضوع تجارى بحت.

المرحلة الثانية:

كما ذكرنا سابقًا، خامات الطين في مصر توجد في صورة جبال من صخور هشة، يتم تكسيرها وطحنها وفصل حبيبات السلت والطين (الأقل من 0,02 مم) منها بتكنولوجيا فريدة حاصلة على براءات اختراع من أكاديمية البحث العلمي. وذلك من خلال خط الإنتاج “قادر 1” الذي يخدم المنطقة الغربية في مركز التنمية المستدامة لموارد مطروح.

كما أن خط الإنتاج مزود بوحدة لاستنشاق (جزيئات الطين النانوية قطر 0,00001 مم) – النانو كلاي – بتكنولوجيا فريدة كمنتج ثانوي بجانب حبيبات السلت والطين.

وهنا يلح علينا سؤال آخر:

هل الشركات التي تروج لمنتج النانو كلاي السائل لديها خطوط إنتاج لتحويل خامات الطين من صخور إلى جزيئات الطين النانوية (النانو كلاي)، أم أنها تستعمل الطرق البدائية لتحضيره ؟

وهل تستطيع تحضير كميات كبيرة منه (أطنان) تكفي لتغيير الخواص الطبيعية والكيميائية والمائية لهكتار من الأراضي الصحراوية؟

وكم تكون التكلفة؟ مع العلم أن تحضير كميات كبيرة من جزيئات الطين النانوية تكلفته مرتفعة جدًا وغير اقتصادية بالمرة.

المرحلة الثالثة:

حقن حبيبات السلت والطين في التربة الرملية، والتي تتم بتكنولوجيا معينة وحسابات دقيقة لحقن حبيبات السلت والطين داخل قطاع التربة الرملية لعمق 40–50 سم في حالة حقن الفدان بالكامل لزراعة المحاصيل الحقلية والخضر. كما تستخدم تكنولوجيا أخرى للحقن لعمق 1–1,5 متر في حالة الأشجار.

أعماق الحقن سالفة الذكر تكون مناسبة جدًا للاحتفاظ بمياه الري والأسمدة الكيميائية في منطقة انتشار الجذور الفعالة دون فقد، مما يوفر 50–60% من مياه الري المضافة، وكذلك 35–50% من الأسمدة الكيميائية، إضافة إلى زيادة إنتاجية الهكتار.

وهنا يطرح سؤال آخر نفسه: هل الشركات التي تروج لمنتج النانو كلاي السائل لديها معدات لحقن خامات النانو كلاي وتوزيعها على قطاع التربة حتى عمق 50 سم (عمق الجذور الفعال فى حالة محاصيل الحقلية والخضر) او عمق 1,5 م فى حالة حقن الأشجار؟ أم أنها تكتفي بإضافة النانو كلاي على سطح التربة (أضافة سطحية) فقط؟

وجب التوضيح أننا قمنا بتجربة حبيبات الطين النانوية (النانو كلاي) في بداية المشروع، لكنها لم تعطِ نتائج جيدة، حيث تم غسلها بواسطة مياه الري إلى أعماق بعيدة عن منطقة انتشار الجذور الفعالة، ولم نجد لها أثرًا في الموسم الثاني، خاصة بعد عمليات الخدمة الزراعية (الحرث).

وهذا يعني أن من سلبيات استخدام هذه الطريقة أن جزيئات الطين النانوية المغسولة قد تتجمع عند عمق أكثر من متر، وتشكل طبقة صماء تتسبب في أزمة صرف لهذه الأراضي مستقبلًا.

لذا استُبعد النانو كلاي من أولويات المشروع لانخفاض جدواه الاقتصادية، بعد أن أثبتت حبيبات السلت والطين نتائج جيدة جدًا، لاعتمادها على الحجم الطبيعي للحبيبات، الذي لا يُغسل بسهولة، ويستطيع تكوين تجمعات أرضية ثابتة تحسن الخواص الطبيعية والكيميائية والمائية للتربة الرملية، وتُرشد استخدام مياه الري والأسمدة الكيميائية.

والسؤال الأخير الذي يفرض نفسه: هل تستطيع الشركات التي تروج لمنتج النانو كلاي السائل أن توضح معدلات الأضافة التي يحتاجها الهكتار أوالشجرة لإحداث تغيير ملموس في الخواص الطبيعية والكيميائية والمائية للأراضي الصحراوية؟ بالطبع لا.

المرحلة الرابعة والأخيرة من المشروع:

تخصيب وشحن حبيبات السلت والطين بالعناصر الكبرى والصغرى ونواتج تحلل المخلفات الزراعية، وأنتاج ثلاث تركيبات طبيعية صديقة للبيئة حاصلة على ثلاث براءات اختراع من أكاديمية البحث العلمي لمعالجة الأراضي الرملية والمتدهورة بالملوحة والقلوية وتثبيت الكثبان الرملية.

لذا، فإن جزيئات الطين النانوية، أو ما يُعرف بـ (النانو كلاي)، ليست سوى وهم كبير، إذ إن اقتصاديات استخدامه مرتفعة جدًا، وتأثيره على التربة الرملية منخفض للغاية، لأنه يجب أن يُضاف بصفة دورية كل موسم مثل الأسمدة، حيث يُغسل في التربة الرملية بمياه الري، نظرًا لأن قطر حبيباته أقل من 0,00001 مم.

مقارنة اقتصادية بين مشروع حقن التربة الرملية بالسلت والطين والنانو كلاي السائل:

استخدام حبيبات السلت والطين هو خيار اقتصادي ومستدام يعتمد على خامات محلية بتكاليف إنتاج وأعمال حقن معقولة.

جزيئات النانو كلاي تكلفتها عالية جدًا لإنتاجها، وهي غير اقتصادية على نطاق واسع في الأراضي الصحراوية، بسبب حاجتها للإضافة كل موسم وغسلها بالماء، مما يقلل من فاعليتها ومستقبلها الاقتصادي.

التقنية المبنية على حقن السلت والطين تحقق توفيرًا ملموسًا في استهلاك المياه والأسمدة، وهو ما ينعكس إيجابًا على الجدوى الاقتصادية وزيادة الإنتاج الزراعي المستدام.

الخلاصة:

الاعتماد على تقنية حقن التربة الرملية بالسلت والطين هو الحل الأمثل اقتصاديًا وبيئيًا وتقنيًا لاستصلاح الأراضي الصحراوية في مصر، مقارنة بتقنيات النانو كلاي التي تعاني من تكلفة عالية وقيود تقنية في التطبيق الفعلي.

 

زر الذهاب إلى الأعلى