بحوث ومنظماتتقاريرحوارات و مقالاتخدماتي

د هالة أبو يوسف تكتب: القطن المصري ..الذهب الأبيض الذي تحرسه الإستدامة والمبيدات الآمنة

رئيس لجنة مبيدات الآفات الزراعية- مصر

في السابع من أكتوبر من كل عام، يحتفل العالم باليوم العالمي للقطن، ذلك المحصول الذي ارتبط اسمه عبر القرون بالرخاء الاقتصادي وبدعم مئات الملايين من المزارعين في مختلف القارات. أما في مصر، فالقصة تأخذ بعداً آخر.

فالقطن عندنا لم يكن يوماً مجرد محصول اقتصادي، بل هو تاريخ وهوية وذاكرة وطنية حملت لقب “الذهب الأبيض” على مدى قرنين من الزمان. خيوطه الرفيعة التي خرجت من الحقول المصرية وجدت طريقها إلى أرقى مصانع النسيج في أوروبا وأمريكا، لتصبح معياراً للجودة والتفوق، وتفتح أبواب التنمية والعمل لملايين المصريين عبر عقود طويلة.

لكن القطن المصري، مثل غيره من المحاصيل الاستراتيجية، لم يعد يعيش فقط على مجد الماضي. فالتغيرات المناخية، وضغوط الآفات الزراعية، وازدياد المنافسة العالمية مع أصناف أخرى منخفضة التكلفة، كلها عوامل فرضت واقعاً جديداً يتطلب منّا إعادة التفكير في كيفية حماية هذا الكنز الوطني. إن الحفاظ على القطن المصري ليس مجرد شأناً اقتصادياً، بل هو مسئولية وطنية تستدعي تضافر جهود المزارعين والدولة والبحث العلمي ووزارة الزراعة بأجهزتها المختلفة ومن أهمها لجنة المبيدات.

الآفات الزراعية والمبيدات والقطن

ومن بين أهم التحديات التي يواجهها القطن المصري تلك المرتبطة بالآفات الزراعية التي تهدد الإنتاجية والجودة على حد سواء. هنا يأتي دور مبيدات الآفات الزراعية، ليس من منظورها التقليدي كأدوات للرش والمكافحة فقط، وإنما كجزء من منظومة متكاملة لإدارة المحصول.

نحن في لجنة المبيدات ندرك أن العالم اليوم لا يقبل إلا بالمبيدات الآمنة والفعالة المتوافقة مع المعايير الدولية، ولهذا أصبحنا أكثر حرصاً على تطوير آليات التسجيل والرقابة بما يضمن أن ما يستخدمه المزارع المصري يحقق الهدف ويحمي المحصول، دون أن يشكل خطراً على الصحة العامة أو البيئة.

لقد شهدت النظرة إلى المبيدات الزراعية تحولاً جوهرياً؛ فلم تعد موضع اتهام كما كان يُشاع حولها في الماضي القريب، بل أصبحت إحدى ركائز الاستدامة حين تُستخدم بوعي وتحت مظلة علمية متكاملة.

وانطلاقاً من هذا التوجه، تولي اللجنة اهتماماً بالغاً بتنفيذ برامج تدريبية وتوعوية متخصصة، يأتي في مقدمتها برنامج تأهيل مطبقي المبيدات، الذي يهدف إلى اعداد كوادر مدرّبة قادرة على اختيار المبيد الأنسب، وتحديد الجرعة الصحيحة، وتطبيقها بأساليب تحقق أعلى درجات الأمان والكفاءة.

كما تعمل اللجنة على تعزيز ممارسات المكافحة المتكاملة للآفات، بما يحقق التوازن بين المبيدات الكيميائية والوسائل الحيوية والممارسات الزراعية الجيدة، وذلك في إطار التزام صارم بالمعايير والتشريعات الدولية الخاصة بالحدود القصوى لمتبقيات المبيدات، بما يضمن استدامة نفاذ القطن المصري إلى الأسواق العالمية ويحافظ على سمعته التاريخية المرموقة.

المبيدات والزراعة الخضراء

إن المرحلة الراهنة تمثل منعطفاً تاريخياً مهماً، يشهد فيه العالم تحولاً متسارعاً نحو أنماط الزراعة الخضراء وخفض البصمة الكربونية. ومن الطبيعي أن تكون مصر جزءاً فاعلاً في هذه المسيرة، ولا سيّما في إطار سعيها الحثيث لتحقيق أهداف استراتيجية التنمية المستدامة 2030.

وفي هذا السياق، اتخذت الدولة قرارات ذات أبعاد اقتصادية وبيئية متكاملة، من أبرزها التوسع في دعم الأصناف المُحسًّنة الأكثر قدرة على التكيِّف مع التغيرات المناخية ومقاومة الآفات، إلى جانب تبني تقنيات الزراعة الذكية التي تسهم في ترشيد استخدام المبيدات والأسمدة، بما يحقق التوازن بين حماية البيئة وتعزيز كفاءة الإنتاج.

إن القطن المصري سيبقى دائماً رمزاً للجودة والريادة، إلا أن استمراره في صدارة الأسواق العالمية سيظل مرهوناً بقدرتنا على الجمع بين تراث طويل من التميز ورؤية حديثة قادرة على تحقيق الاستدامة. وفي هذا الإطار ستبقى المبيدات حين تُدار بعلم ووعي، حارساً أميناً للذهب الأبيض، وجسراً يربط بين عبق الماضي وتطلعات المستقبل.

 

زر الذهاب إلى الأعلى