د هالة أبويوسف: المبيدات وتمكين المرأة الريفية لحماية الأسرة والزراعة المستدامة

رئيس لجنة المبيدات – وزارة الزراعة- مصر
في الخامس عشر من أكتوبر من كل عام، يحتفل العالم باليوم الدولي للمرأة الريفية، تقديراً لدورها الحيوي في دعم الزراعة وتحقيق الأمن الغذائي والتنمية المستدامة. فالمرأة الريفية ليست مجرد عاملة في الحقل، بل هي شريك رئيسي في دورة الإنتاج الزراعي، بدءاً من إعداد الأرض وحتى تخزين المحصول، فهي تمثل القلب النابض للزراعة، والركيزة الأساسية لاستقرار الأسرة الريفية وازدهار المجتمع الزراعي.
تشير تقارير منظمة الأغذية والزراعة الفاو) إلى أن النساء يشكلن نحو 43% من القوى العاملة الزراعية في الدول النامية، وترتفع النسبة إلى 60% في إفريقيا جنوب الصحراء، بينما تسهم المرأة الريفية في العالم العربي بنحو 30% من إجمالي القوى العاملة الزراعية، وتصل النسبة إلى 45% في شمال إفريقيا . ورغم هذا الدور المحوري، فإن أقل من ٢٠% من النساء الريفيات يحصلن على تدريب زراعي متخصص أو على فرص للوصول إلى المدخلات الزراعية الحديثة مثل المبيدات أو البذور المعتمدة.
المرأة الريفية والإنتاج الغذائي
ولأن المرأة الريفية تمثل محوراً رئيسياً في سلسلة الإنتاج الغذائي، فإن تعاملها اليومي مع المبيدات يجعلها في مقدمة الفئات الأكثر عرضة للمخاطر الصحية. فكثير من النساء يتعرضن للمبيدات أثناء الرش أو جمع المحصول، أو عند غسل الملابس الملوثة أو إعداد الطعام من محاصيل تمت معالجتها حديثاً. ويؤدي ضعف الوعي بطرق الاستخدام الآمن للمبيدات وغياب التدريب على قراءة البطاقة الاستدلالية الملصقة على عبوة المبيد إلى زيادة احتمالات الإصابة بالأمراض المزمنة أو الحادة الناتجة عن سوء الاستخدام.
المرأة الريفية ومخاطر المبيدات
من هذا المنطلق، أولت لجنة مبيدات الآفات الزراعية اهتماماً خاصاً بالمرأة الريفية، وجعلت حمايتها من المخاطر الناتجة عن المبيدات أولوية في خططها وبرامجها التنفيذية. فقد أطلقت اللجنة برامج تدريبية متخصصة تستهدف المرأة الريفية في محافظات الصعيد والمناطق الزراعية الأكثر نشاطاً، وتركز هذه البرامج على رفع الوعي بالممارسات الزراعية الجيدة وتعزيز الاستخدام الأمن والمسؤول للمبيدات.
كما تعمل اللجنة على التوسع في تسجيل واعتماد المبيدات الحيوية والبدائل البيئية الآمنة، لتقليل الاعتماد على المبيدات عالية الخطورة، إلى جانب تنظیم حملات توعية مجتمعية تهدف إلى حماية الأسرة الريفية والبيئة من الأثر السلبي لسوء استخدام المبيدات. وتسعى اللجنة أيضاً، بالتعاون مع الوزارات المعنية والجهات المانحة، إلى تمكين المرأة من الحصول على شهادات الاعتماد الزراعي، بما يفتح أمامها آفاقاً جديدة للمشاركة في الأسواق التصديرية وتحقيق عائد اقتصادي مستدام.
المرأة في الصعيد والتعامل الآمن مع المبيدات
وفي تجربة رائدة بمحافظة المنيا، أطلقت اللجنة برنامجاً تدريبياً للنساء الريفيات حول الإدارة المتكاملة للافات (IP) . شاركت في البرنامج أكثر من ۱۲۰ سيدة ريفية خلال عام واحد، تلقين تدريباً عملياً على التعامل الآمن مع المبيدات وطرق التخزين السليم واستخدام البدائل الحيوية. وقد أظهرت نتائج المتابعة الميدانية أن نصف المشاركات بدأن فعلياً في التحول نحو استخدام المبيدات الحيوية بدلاً من الكيماوية التقليدية، كما انخفضت حالات التسمم العرضي بالمبيدات في القرى المستهدفة بنسبة 30% مقارنة بالعام السابق.
هذه التجربة تؤكد أن التمكين المعرفي والتدريب العملي للمرأة الريفية ليس مجرد نشاط توعوي، بل هو استثمار حقيقي في صحة الأسرة وجودة المحاصيل وحماية البيئة. فكل امرأة ريفية واعية ومؤهلة تمثل خط دفاع أول ضد الممارسات الخاطئة التي تهدد صحة الإنسان واستدامة الإنتاج الزراعي.
لجنة المبيدات والمساواة بين الجنسين
إن جهود لجنة مبيدات الآفات الزراعية في هذا الإطار تأتي منسجمة مع أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، خاصة الهدف الثاني المتعلق بالقضاء على الجوع، والهدف الثالث المعني بالصحة الجيدة والرفاه، والهدف الخامس الذي يركز على تحقيق المساواة بين الجنسين، فضلاً عن توافقها مع التوجهات العالمية مثل استراتيجية من المزرعة إلى الشوكة الأوروبية التي تهدف إلى خفض الاعتماد على المبيدات الخطرة وتعزيز البدائل المستدامة.
إن الاحتفال باليوم الدولي للمرأة الريفية ليس مجرد مناسبة رمزية، بل هو تذكير بمسؤوليتنا تجاه هذه الفئة التي تحمل على عاتقها عبء الزراعة ورعاية الأسرة في آن واحد. ومن هنا تؤكد لجنة مبيدات الآفات الزراعية التزامها الدائم بتوفير التدريب والدعم والحماية اللازمة للمرأة الريفية المصرية، لتواصل دورها الريادي للوصول إلى زراعة آمنة وصحية ومستدامة، تحفظ صحة الإنسان وتحقق الأمن الغذائي وتدعم التنمية الريفية في مصر والعالم العربي وإفريقيا.