د خالد وصيف يكتب: إنه محمد صالح البسيوني..
خبير موارد مائية – مصر
الساعة تقترب من الثامنة صباح احد ايام شتاء يناير فى عام ١٩٨٨. فى مبنى هندسة رى «ابو تشت» يقف عامل الخدمات المعاونة على باب الهندسة بجلبابه الأبيض معتمرا عمامة كبيرة فوق رأسه، فيما تمر سيارة أجرة بـ«النفر» وهى بكامل حمولتها ويهدئ السائق من سرعته قليلا ثم يقذف بورقة مطوية بعد أن يكرمشها بقبضة يده حتى يسهل قذفها.
يجرى العامل ليلتقط الورقة ويذهب بها لمهندس الرى الجالس على مكتبه وفى يده قلم يدون به محتويات الورقة. يستمر العامل فى التقاط الأوراق من السيارات والذهاب بها للمهندس إلى وقت معلوم ثم يعود ادراجه لداخل المبنى لتناول الإفطار واحتساء الشاى مع زملائه. لقد أنهى بنجاح مهمته اليومية وآن وقت راحته..
فى نهاية الثمانينات كان الاعتماد الأساسي على إدارة المياه يقف على معرفة المناسيب فى كل ترعة. والتى كان يتم ابلاغها تليفونيا بدءا من بحارى الترعة للفنى ومهندس المركز ثم مسؤول توزيع المياه . وحيث أن «التليفونات المانافاله» كانت هى السائدة وكانت اعطالها شائعة. فكانت «ابو تشت» تعتمد على قيام كل بحارى لترعة باعطاء الورقة لسائق السيارة الأجرة لياخذها معه ويرميها داخل حوش الهندسة أثناء مروره بسيارته أمامها.
تلك هى الأجواء التى كان يعمل فيها المهندس محمد صالح البسيونى حديث العهد بالتخرج والانتقال من مدينته المنصورة عروس الدلتا إلى «ابو تشت» قلب صعيد مصر..والتى أمضى بها سنوات عمله الأولى فى وزارة الموارد المائية والرى.
كعب داير
حينما تطالع سيرته الذاتيه التى تضمها أربعة عشر صفحة، تخرج بكلمة موجزة تلخص الحياة المهنية له عبر ٣٨ عاما وشهر داخل جنبات وزارة الموارد المائية والرى، لن تجد افضل من كلمة «كعب داير» لتلخص حياة مهنية حافلة امتدت ٣٨ عاما وشهر..فقد حصل على شهادة الثانوية العامة وهو اصغر من اقرانه بسنة كاملة..
عام ١٩٨٧ تخرج من هندسة المنصورة ليلتحق بالعمل فى إدارة رى قنا ومنها لنجع حمادى وابو تشت وبعد اربع سنوات ينجح فى الحصول على منحة دراسية بالمانيا يحصل خلالها على الماجستير وخبرة خاصة بنمط الحياة الألمانية لازمه بعدها.
عاد ليترك صعيد مصر وذكرياته بها ليحط رحاله إلى أقصى شمالها حيث كان مشروع ترعة السلام ياخذ طريقه إلى سيناء. المشروع فى بداياته ليمضى به وبرى دمياط عدة سنوات أخرى..
من سيناء وشمال الدلتا إلي توشكي
فى ٢٠٠٣ ترك شمال الدلتا إلى أقصى نقطة فى جنوب مصر. مشروع تنمية جنوب الوادى بتوشكي وسط صحراء قاحلة ليمضى بضعة سنوات اخرى. أعمال صب خرسانة تبدأ مع غروب الشمس وتستمر طوال الليل لتجنب حرارة النهار اللاهبة. يوم عمل معكوس وضد عقارب الساعة البيولوجية بما يسببه من آثار صحية سيئة..
فى عام ٢٠٠٧ ترك مشروع توشكي عائدا إلى القاهرة ليعمل بهيئة الصرف، ولأن وزارة الرى محدودة الاعداد والكفاءات سهل رؤيتها نتيجة أعمالها فقد شق محمد صالح طريقه بقوة وسرعة. استطاع اكتساب ثقة كل الوزراء الذين عمل معهم. تصاعد ليصبح رئيسا لقطاع مكتب الوزير. وهو موقع شديد الأهمية والحساسية ثم يتصاعد مرة أخرى ليصبح رئيسا لهيئة الصرف ثم يشغل موقع الوكيل الدائم للوزارة ثم رئيسا لمصلحة الرى..
فى كل المواقع التى شغلها كان مجدا مخلصا فى عمله الذى منحه كل عمره وامضى ببن جنبات الوزارة ساعات هى بلا مبالغة أكثر مما امضاها فى بيته…
فى الاول من نوفمبر تحتفل مصر بافتتاح المتحف المصرى الكبير لاعظم آثارها ويترافق مع نفس التاريخ عيد الميلاد الستين لرجل مخلص لبلاده اجتهد فى عمله ويستحق ان نوجه له التحية والتقدير ..انه المهندس محمد صالح البسيونى…






