بحوث ومنظماتتقارير

الزراعة الخلوية.. ثورة علمية تعيد تعريف إنتاج الحليب وتدعم الاستدامة الغذائية

يشهد العالم تحولًا كبيرًا في نظم إنتاج الغذاء، في ظل التحديات المتزايدة الناتجة عن التغير المناخي وندرة الموارد وارتفاع الطلب على البروتين الحيواني. وفي هذا السياق، تبرز الزراعة الخلوية كابتكار رائد لإنتاج اللحوم والبيض والحليب دون الحاجة إلى تربية الحيوانات أو ذبحها.

وأوضحت الدكتورة ناهد عبد المقتدر الوحش، باحث أول بقسم بحوث الألبان في معهد بحوث تكنولوجيا الأغذية، أن الزراعة الخلوية لإنتاج الحليب تمثل ثورة علمية في صناعة الأغذية، إذ تتيح إنتاج حليب أو مكونات حليبية مثل الكازين وبروتين الشرش باستخدام خلايا أو ميكروبات مهندسة وراثيًا، مع الحفاظ على القيمة الغذائية والوظيفية للحليب الطبيعي.

وأضافت أن هذه التقنية تمثل نقلة نوعية في مفاهيم الاستدامة والسيادة الغذائية، حيث تساهم في خفض الانبعاثات الكربونية بنسبة تصل إلى 85% وتقلل استهلاك المياه بنحو 90% مقارنة بالإنتاج الحيواني التقليدي.

منهج الزراعة الخلوية لإنتاج الحليب

أشارت “عبد المقتدر” إلى أن الزراعة الخلوية تعتمد على منهجين رئيسيين:

  • التخمير الدقيق (Precision Fermentation):
    ويعتمد على إدخال الجينات المسؤولة عن إنتاج بروتينات الحليب في ميكروبات آمنة غذائيًا مثل الخمائر والفطريات، لتنتج البروتينات داخل مفاعلات حيوية، ثم تُستخلص وتُنقّى لتطابق بروتينات الحليب الطبيعي.
  • زراعة خلايا الغدد الثديية (Mammary Cell Culture):
    وهي الطريقة الأقرب بيولوجيًا لإنتاج الحليب الكامل، إذ تُزرع خلايا الغدد الثديية في مفاعلات ثلاثية الأبعاد تحاكي بيئة الغدة الطبيعية، وتُغذى بوسائط خاصة لتفرز الحليب بشكل مماثل للحليب الحيواني.

فوائد بيئية واقتصادية واعدة

أكدت الباحثة أن هذه التقنيات قادرة على تقليل البصمة الكربونية وتحقيق إنتاج غذائي أكثر استدامة، مشيرة إلى أن عددًا من الشركات العالمية بدأ بالفعل في تصنيع أجبان ومشروبات خالية من المكونات الحيوانية باستخدام بروتينات ناتجة عن التخمير الدقيق.

كما أوضحت أن أبرز التحديات الحالية تتمثل في خفض تكاليف الإنتاج وزيادة كفاءة المفاعلات الحيوية للوصول إلى أسعار تنافسية، مشددة على أن الأبحاث الحديثة أحرزت تقدمًا ملحوظًا في هذا المجال.

نحو نظام غذائي أكثر ذكاءً واستدامة

واختتمت الدكتورة ناهد عبد المقتدر حديثها مؤكدة أن الزراعة الخلوية ليست مجرد بديل للحليب التقليدي، بل تمثل ثورة علمية تمهد لنظام غذائي ذكي ومستدام، وتعيد صياغة مفهوم الغذاء في القرن الحادي والعشرين، مشيرة إلى أن العالم يقترب من عصر الألبان الخلوية الذي يجمع بين الابتكار العلمي والوعي البيئي لتحقيق الأمن الغذائي العالمي.

 

معتز محمد

صحفي مقيد في نقابة الصحفيين منذ ٥ سنوات، ومهتم بالشئون الزراعية والاقتصادية وعملت في تغطية أخبار النقابات أسعى لتقديم المعلومات بشفافية تامة لتصل بوضوح إلى الباحثين عنها
زر الذهاب إلى الأعلى