بحوث ومنظماتبيزنستقاريرحوارات و مقالاتخدماتي

د تهاني عبدالغفار تكتب: الكيمياء والأغذية الوظيفية…رحلة في عالم الصحة والابتكار الغذائي

أستاذ في المركز الإقليمي للأغذية والأعلاف – مركز البحوث الزراعية- مصر

الكيمياء والأغذية الوظيفية تشكلان رحلة مثيرة في عالم الصحة والابتكار الغذائي، حيث تركز على فهم كيف يمكن للمكونات الكيميائية أن تعزز الصحة وتساهم في الوقاية من الأمراض وتحسين جودة الحياة.​

مفهوم الكيمياء والأغذية الوظيفية

الأغذية الوظيفية هي تلك الأطعمة التي تحتوي على مكونات تتجاوز الوظيفة الغذائية الأساسية، فهي تساهم في تحسين الصحة العامة، والمساعدة في الوقاية من الأمراض أو علاج بعض الحالات الصحية. وتُعتمد على مواد كيميائية طبيعية أو معالَجة تملك خصائص فسيولوجية أو بيولوجية ذات فوائد صحية، كالمركبات النباتية، الفيتامينات، والمعادن.​

الكيمياء وعلاقتها بالأغذية الوظيفية

الكيمياء تلعب دورًا أساسيًا في فهم تركيب وفاعلية المركبات النباتية والمواد الغذائية، وتطوير منتجات جديدة تحتوي على مكونات مغذية ومركبات نشطة تعزز الصحة. فمثلاً، يُدرس كيف يمكن تعديل المكونات الكيميائية لزيادة فعاليتها، أو استحداث مكونات جديدة لتحسين جودة وفعالية الأغذية الوظيفية.

في عالم تتزايد فيه التحديات الصحية والغذائية، بات من الضروري البحث عن حلول جديدة ترتكز على العلوم الدقيقة مثل الكيمياء، لتطوير أغذية تخدم أكثر من مجرد إشباع الجوع، بل تحمل في طياتها فوائد صحية وقائية وعلاجية تعرف باسم “الأغذية الوظيفية”. تجمع هذه الرحلة بين علوم الكيمياء الحيوية والتغذية الحديثة والابتكار الغذائي، لتقديم غذاء مستدام وذو قيمة مضافة صحية.

الكيمياء تتيح فهم التفاعلات بين المركبات داخل الغذاء والتغيرات التي تطرأ عليها أثناء الطهي أو التخزين، وهو أمر حيوي للحفاظ على الفوائد الصحية وتحسين الطعم والملمس. فمثلاً، تحليل مركبات الفينولات في قشور الموز التي كانت مهملة كمخلفات غذائية، يكشف عن خصائص مضادة للأكسدة ومضادة للميكروبات يمكن الاستفادة منها تحويلها إلى أغذية وظيفية تدعم الصحة وتحافظ على البيئة.​

دور الكيمياء في الابتكار الغذائي

تُعتبر الكيمياء من العلوم الأساسية والحيوية في مجال الابتكار الغذائي، حيث تلعب دورًا محورياً في دراسة تركيب المواد الغذائية والمكونات البيولوجية الأساسية مثل الكربوهيدرات، الليبيدات (الدهون والزيوت)، البروتينات، الفيتامينات، والمعادن. فهم هذه التركيبات الكيميائية يساعد في تحسين جودة وسلامة الغذاء، تطوير نكهته وطعمه، بالإضافة إلى تمديد فترة صلاحيته.​

تُستخدم الكيمياء في ابتكار طرق جديدة لمعالجة الأغذية تضمن الحفاظ على العناصر الغذائية المفيدة وتقليل فقدها أثناء التصنيع والتخزين. كما تلعب دوراً في تحسين طرق حفظ الأغذية بوسائل كيميائية تقلل من التلوث وتطيل العمر الافتراضي، ما يسهم في تقليل الهدر الغذائي.​

تتضمن الابتكارات الكيميائية الغذائية تطوير أغذية وظيفية تحتوي على مركبات نشطة صحياً مثل مضادات الأكسدة والألياف والبروبيوتيك، والتي تساهم في الوقاية من الأمراض المزمنة وتحسين الصحة العامة. هذا الإبداع يشمل أيضاً استغلال المخلفات العضوية وتحويلها إلى منتجات غذائية ذات قيمة مضافة، مما يعزز الاستدامة البيئية ويقلل من الآثار السلبية للصناعات الغذائية.​

علاوة على ذلك، الكيمياء توفر الأدوات والتقنيات التحليلية الدقيقة مثل التحليل الطيفي، الكروماتوغرافيا، والميكروسكوب الإلكتروني لدراسة التركيب الكيميائي للأغذية وضمان جودتها وسلامتها. هذه التقنيات تُمكن الباحثين والمصنعين من مراقبة جودة المنتجات والابتكار بشكل أكثر أمانًا وفعالية.​

خلاصة القول، الكيمياء ليست فقط علم دراسة المواد ومكوناتها، بل هي القوة الدافعة وراء تطوير أغذية مبتكرة تلبي احتياجات الصحة البشرية والبيئة، من خلال تحسين المكونات الغذائية، الطرق التصنيعية، والتحليل الكيميائي الدقيق، ما يجعلها ركيزة أساسية للابتكار الغذائي المستدام والمفيد

كما تعمل الابتكارات الكيميائية على تحسين جودة الأطعمة، زيادة تركيز المركبات النشطة بيولوجياً، وتطوير بدائل صحية تقلل من السكريات والدهون الضارة، مما يجعل المنتجات الغذائية تحقق توازناً بين الفائدة الصحية والطعم المقبول لدى المستهلك.

الفوائد الصحية للأغذية الوظيفية

تعزز الأغذية الوظيفية من الجهاز المناعي، وتساعد في مكافحة الالتهابات والأمراض المزمنة مثل أمراض القلب، السكري، وبعض أنواع السرطان. المواد الكيميائية النشطة مثل مضادات الأكسدة تحارب الجذور الحرة، مما يقلل من الأضرار الخلوية ويساعد في الحفاظ على الشباب والحيوية. الألياف والبروبيوتيك تدعم صحة الجهاز الهضمي، وينظم الفيتامينات والمعادن عمليات التمثيل الغذائي الضرورية لجسم صحي.​

الأثر البيئي والاجتماعي

الاستخدام الأمثل لمخلفات الغذاء وتحويلها إلى أغذية وظيفية يُعد حلاً بيئياً اقتصادياً للحد من التلوث الغذائي. كما تدعم هذه الصناعة المستدامة الأمن الغذائي بتحسين القيمة الغذائية للأطعمة المتاحة، مما يقلل الفاقد الغذائي ويعزز من استدامة الموارد الغذائية على المدى الطويل.​

 

المستقبل والاتجاهات الحديثة

يرتبط المستقبل الغذائي بالكيمياء الحيوية والابتكار التكنولوجي الذي يشمل الهندسة الوراثية، تصنيع المكونات النشطة بطرق مستدامة، وطباعة الغذاء ثلاثي الأبعاد. هذه الابتكارات تستهدف تقديم أطعمة وظيفية تلبي احتياجات صحية خاصة، مع مراعاة الحفاظ على البيئة وتقليل أثر الصناعة الغذائية على الكوكب.

الأغذية الوظيفية مدعومة بدلائل علمية عديدة تثبت فوائدها الصحية في الوقاية من الأمراض المزمنة وتحسين وظائف الجسم، ومنها:

تعزيز جهاز المناعة:

تحتوي على فيتامينات ومضادات أكسدة تساعد الجسم على مقاومة الأمراض وتعزيز الصحة العامة.

دعم القلب والدماغ:

الأحماض الدهنية أوميجا-3 الموجودة في الأسماك الدهنية تساهم في تقليل مخاطر أمراض القلب وتحسين الوظائف الدماغية.

الوقاية من أمراض مزمنة:

الألياف الغذائية في الحبوب الكاملة والبقوليات تساهم في خفض مستوى الكولسترول وتقليل خطر الإصابة بأمراض القلب والسكري.

تحسين الهضم وصحة الأمعاء:

تساعد الألياف والمواد البروبيوتيكية في تعزيز صحة الجهاز الهضمي وتنظيم حركة الأمعاء.

تأثير مضاد للالتهابات:

مركبات مثل الكركمين في الكركم تساهم في تقليل الالتهابات المزمنة التي ترتبط بالعديد من الأمراض.

تقليل نقص المغذيات:

الأغذية المدعمة مثل القمح المدعم بالحديد تساهم في تقليل معدلات الأنيميا وأمراض سوء التغذية.

بالإضافة إلى ذلك، هناك أدلة على أن الأغذية الوظيفية تساعد في تحسين المزاج وزيادة الطاقة، وتدعيم النمو والتطور السليم للجسم، كما أنها تلعب دورًا حيويًا في التغذية الوقائية التي تحارب أمراض سوء التغذية وتدعم الصحة العامة.​

إجمالاً، الكيمياء والأغذية الوظيفية يشكلان جسراً بين العلوم الكيميائية والطب الوقائي، حيث يركزان على استغلال المركبات الكيميائية الطبيعية أو المعدلة لتعزیز الصحة العامة، وتقليل مخاطر الأمراض، وتحقيق استدامة في إنتاج وتوزيع الغذاء.

دكتورة تهانى عبد الغفار أحمد هي أستاذ مساعد في مركز البحوث الزراعية، بالمركز الإقليمي للأغذية والأعلاف. حصلت على درجة الدكتوراه في الكيمياء الحيوية من جامعة القاهرة، وأكملت زمالة ما بعد الدكتوراه لمدة عامين في جامعة جيانجسو في الصين. دكتورة تهاني نشرت العديد من الأبحاث في مجلات دولية ذات تصنيف عالي (Q1)، تحمل في توقيعها اسم مصر واسم مركز البحوث الزراعية، مما يبرز مكانتها العلمية ومساهمتها المتميزة في مجال علوم الأغذية والكيمياء الحيوية. وأشرفت على  عدد من رسائل الماجستير والدكتوراه فى جامعتى القاهرة وعين شمس.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى