د هالة أبو يوسف تكتب: توطين صناعة المبيدات.. طريق مصر نحو منتج آمن وتنافسية في السوق الإفريقية
رئيس لجنة المبيدات – وزارة الزراعة – مصر
تُعد مبيدات الآفات الزراعية أحد أهم مستلزمات الإنتاج التي لا يمكن للقطاع الزراعي الاستغناء عنها، فهي تمثل خط الدفاع الأول عن المحاصيل ضد الآفات والأمراض، وتؤثر بشكل مباشر على الإنتاجية وجودة المحصول وسلامته. ومع ذلك، ما زالت مصر تعتمد بدرجة كبيرة على استيراد معظم احتياجاتها من المبيدات سواء في صورتها النهائية أو كخامات تُجهَّز وتُعبَّأ محلياً، الأمر الذي يضع عبئاً كبيراً على موارد الدولة من العملات الأجنبية ويجعل السوق المحلي عرضة لتقلبات الأسعار العالمية وأزمات سلاسل الإمداد.
إن توطين صناعة المبيدات في مصر يمثل خطوة محورية نحو تقليل الاعتماد على الخارج وتوفير مئات الملايين من الدولارات التي تُنفق سنوياً في استيراد المبيدات سابقة التجهيز، إلى جانب خلق فرص عمل جديدة وتعزيز القيمة المضافة داخل الاقتصاد الوطني.
إجراءات الدولة لتسهيل توطين صناعة المبيدات
ولتحقيق هذا الهدف، فإن الدور الحكومي يظل محورياً في تهيئة المناخ المناسب للاستثمار في هذا القطاع الحيوي، من خلال توفير أراضٍ بالمناطق الصناعية المجهزة بالبنية التحتية اللازمة، وتيسير إجراءات تسجيل المبيدات المنتجة محلياً دون الإخلال بمعايير الجودة والأمان، إلى جانب تقديم حوافز وتسهيلات ضريبية وتمويلية تشجع القطاع الخاص على الدخول في مجال التصنيع. إن مثل هذه الإجراءات من شأنها أن تدفع نحو إقامة قاعدة صناعية وطنية قادرة على إنتاج مبيدات آمنة وفعالة وبأسعار مناسبة، تلبي احتياجات المزارعين وتحد من ظاهرة الغش والتهريب التي تضر بالاقتصاد الوطني والبيئة على حد سواء.
ويمتلك الاقتصاد المصري العديد من المقومات التي تؤهله للنجاح في هذا المسار، فمصر تتمتع بموقع استراتيجي يجعلها بوابة للأسواق الأفريقية والشرق أوسطية، كما تمتلك قطاعاً زراعياً ضخماً تزيد مساحته المزروعة على تسعة ملايين فدان، إلى جانب منظومة بحثية متقدمة تضم معامل مركزية وجامعات متخصصة قادرة على دعم عمليات التطوير والتحليل والابتكار في هذا المجال. وتفتح هذه المقومات الطريق أمام مصر لتصبح مركزاً إقليمياً لتصنيع المبيدات وتصديرها، خاصة في ظل وجود سوق أفريقي واعد يحتاج إلى منتجات موثوق بها وقريبة المصدر.
ضوابط التوسع في إنتاج المبيدات
وفي هذا الإطار، تبرز أهمية التوسع في إنتاج المبيدات ذات السمية الأقل التي تحقق التوازن بين الكفاءة العالية في مكافحة الآفات وتقليل الأثر الضار على البيئة وصحة الإنسان، بما يتماشى مع الاتجاهات العالمية نحو الاستخدام الآمن والمسئول للمبيدات. ويُعد دعم البحث العلمي في هذا المجال ضرورة لتطوير مستحضرات مبتكرة وفعالة تُسهم في تعزيز استدامة الإنتاج الزراعي، وتقلل من الاعتماد على المبيدات عالية الخطورة التي قد تؤثر على التنوع البيولوجي وسلامة الغذاء.
ولا يمكن إغفال التحديات التي تواجه هذا المشروع الوطني، وعلى رأسها الحاجة إلى إنشاء مناطق صناعية متكاملة تضم مصانع للإنتاج ومراكز للتعبئة والرقابة، وارتفاع التكلفة الاستثمارية للمصانع الحديثة، فضلاً عن ضرورة تحديث التشريعات بما يتواكب مع متطلبات التصنيع المحلي، وتأهيل الكوادر الفنية المدربة على تقنيات التصنيع والتحليل الحديثة، إلى جانب الالتزام الصارم بالمعايير البيئية في جميع مراحل الإنتاج لضمان أن تكون الصناعة الوطنية نموذجاً يحتذى في الممارسات الآمنة والمستدامة.
توطين المبيدات وإستقرار الأسعار
إن نجاح مصر في توطين صناعة المبيدات لن ينعكس فقط على خفض الأسعار وتوفير المنتج الآمن، بل سيمثل نقلة نوعية في مسار الزراعة المصرية بأكملها، ويعزّز من قدرتها التنافسية في الأسواق العالمية، ويمكّنها من الدخول بقوة إلى السوق الأفريقي الذي يمثل فرصة تصديرية واعدة. فالتصنيع المحلي سيضمن وفرة في الإمدادات، واستقراراً في الأسعار، وتحكماً أفضل في الجودة، مما يسهم في رفع كفاءة منظومة مكافحة الآفات وتحسين الإنتاج الزراعي كماً ونوعاً.
لقد حان الوقت لأن تتحرك مصر بخطى ثابتة نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي في هذا القطاع الحيوي، مستندة إلى إرادة سياسية داعمة وشراكات فاعلة بين الدولة والقطاع الخاص والجهات البحثية. فبناء صناعة وطنية للمبيدات هو مشروع استراتيجي يخدم أهداف التنمية الزراعية، ويحافظ على الأمن الغذائي، ويدعم الاقتصاد الوطني، ويضع مصر في موقع الريادة الإقليمية في مجال تصنيع المبيدات الزراعية بشكل عام، والمبيدات ذات السمية الأقل بصفة خاصة، بما يضمن التوازن بين الإنتاجية العالية وسلامة الإنسان والبيئة.
وفي الختام، فإن توطين صناعة المبيدات في مصر لم يعد خيارًا ترفيهيًا، بل ضرورة استراتيجية لتحقيق الأمن الزراعي والاقتصادي، وضمان توفر منتج آمن وفعّال بسعر مناسب، يواكب متطلبات التنمية المستدامة ويعزز قدرة مصر على المنافسة إقليميًا ودوليًا في واحدة من أهم الصناعات الداعمة للإنتاج الزراعي والأمن الغذائي.
