المياهبحوث ومنظماتتقارير

د خالد وصيف يكتب: مفاجاءات العطش من إيران إلي جنوب أفريقيا والقاهرة

خبير موارد مائية- مصر

ماذا لو إختفت المياه؟
فى خضم اخبار حروب واحداث دامية من الشرق والغرب تتصدر شاشات الاخبار عن مناطق متعددة بالعالم، تسلل فى هدوء فيلم قصير مدته 30 ثانية انتجته وزارة الموارد المائية والرى، يطرح سؤالا مفاجئا ثم يتطوع بتقديم اجابات متعددة..لو لم تكن هناك مياه لن تكون هناك قهوة او كرة او ابتسامة. لن تكون هناك حياة..تلك هى خلاصة الفيلم القصير الذى يلخص رسالة حيوية من المهم اخذها مأخذ الجد..

جف الماء في طهران فأعدت إيران خطة إخلاء العاصمة

على نفس الشاشات يأتى خبر لافت يظهر على استحياء يشير إلى خطة طوارئ تنتوى الحكومة الإيرانية تطبيقها باخلاء مدينة طهران. العاصمة ذات العشرة ملايين نسمة. من السكان نتيجة ضعف امدادات المياه بسبب موجة جفاف تجتاح البلاد. خطة الاخلاء لا يتم اللجوء اليها الا عندما تكون الإمدادات المائية لا تسمح بتوفير حد أدنى مقبول للعيش الآمن وهى تعنى ضمن ما تعنى أن الجمهورية الإيرانية قد(تفاجأت) بموجة الجفاف التى تطرق أبواب عاصمتها..

تخبرنا الأرقام أن حجم الموارد المائية المتجددة على الهضبة الإيرانية يقترب من 130 مليار متر مكعب سنويا فى حين أن عدد السكان لا يتجاوز ال 92 مليون نسمة. قراءة أولية تشير إلى مشكلة إدارة قبل أن تكون مشكلة ندرة..

الجفاف يضرب جنوب أفريقيا

من آسيا إلى إفريقيا قارتنا العجوز نذهب إلى جنوب أفريقيا التى تعانى أيضا من موجات جفاف دورية بلغت حدا قاسيا دعا الجهات المسؤولة فى عام 2018 إلى دق ناقوس الخطر لاعتبار مدينة كيب تاون أول مدينة كبرى في العالم تجف مياهها تمامًا.

الحكومة هناك أعلنت خطة طوارئ أُطلق عليها اسم “Day Zero” أي “اليوم صفر”، وهو اليوم الذي كانت ستغلق فيه صنابير المياه العامة فى مدينة كيب تاون…مفاجأة هزت العالم كله فى حينها وهى تشير إلى التغيرات المناخية التى تعيد توزيع أحزمة المطر فى العالم كله نتيجة ارتفاع درجة الحرارة..مفاجأة اخذت العالم كله ولفتت الانتباه للمرة الأولى لجدية تهديد التغيرات المناخية على موارد المياه..

تم تجنب الكارثة فى جنوب أفريقيا بفضل إجراءات صارمة تشمل تقنين كمية المياه إلى 50 لترًا للفرد يوميًا. مع إطلاق حملات توعية وتشديد الرقابة على الاستهلاك. بالإضافة إلى تطوير مشاريع لتحلية المياه وجمع مياه الأمطار.

نعود إلى مصر العزيزة على قلوبنا. مصر الواقع فى الحارة والقرية وعلى جسر الترعة بعيدا عن مصر الإلكترونية المشتبك أهلها فى أزمة مباراة القمة وجلباب المتحف والهويات المفترضة. والمعارك الوهمية.

مصر والفقر المائي

مصر الواقع تواجه منذ سنوات طويلة فقرا مائيا يدق الأبواب. كمية مياه ثابتة وعدد سكان متزايد. معادلة بسيطة نتيجتها معروفة وتم التحسب لها منذ سنوات عبر استراتيجية لإدارة الموارد المائية تم وضع مسودتها الأولى فى عام 1997 قبل السد الاثيوبى بعقد ونصف من السنوات.

حملت الاستراتيجة عناوين مختلفة. بدأت بالخطة القومية، ثم الاستراتيجية ثم خطة 4 ت واخيرا منظومة الجيل الثانى لإدارة المياه. كل الخطط فى نسخها المختلفة تشتمل على ضرورة ترشيد استهلاك المياه عبر خطوات واضحة. سواء فى مياه الزراعة أو مياه الشرب أو المياه المستخدمة للأغراض الصناعية.

تلك الخطط التى دخلت حيز التنفيذ عبر عشرات السنين عبر اعادة تاهيل شبكة الرى القديمة، شكلت حائط صد حمى المصريين من مصير جنوب أفريقيا سابقا وايران حاليا.

الإدارة العلمية للموارد المائية لا تعترف بالمفاجآت، بل تعترف بالحقائق المجردة وتعتمد على المصارحة وتقوم على المشاركة مع المنتفعين. وحينما يسأل كل مصرى نفسه عما سيفتقده لو غاب الماء، فهو استفهام استباقى يدعو لليقظة والاستعداد والترشيد حتى ولو كان النيل يجرى ويفيض ..

 

زر الذهاب إلى الأعلى