د حمادة العزازي يكتب: المسببات البكتيريه والعلاج لإلتهاب الضرع فى الناقة
باحث اول بكتريولوجى – معمل الزقازيق- معهد صحة الحيوان – مركز البحوث الزراعية – مصر
يُعد التهاب الضرع من أبرز المشكلات الصحية التي تؤثر على النوق، خاصة في المجتمعات التي تعتمد على الإبل كمصدر رئيسي للحليب والغذاء والدخل. يشكل هذا المرض عائقًا كبيرًا في تحسين إنتاجية الإبل، ويؤدي إلى خسائر اقتصادية ملموسة، لا سيما في المناطق الريفية وشبه الصحراوية حيث تشكل الإبل أحد الركائز الأساسية في الحياة اليومية.
تعريف التهاب الضرع:
التهاب الضرع هو التهاب يصيب الغدة اللبنية (الضرع)، وينتج في الغالب عن عدوى بكتيرية، ويمكن أن يكون حادًا أو مزمنًا، ظاهريًا أو تحت سريري، ويؤدي إلى تغير في طبيعة الحليب، وتورم في الضرع، وألم في المنطقة المصابة، مما يحد من إنتاج الحليب وجودته.
أعراض التهاب الضرع في الناقة
- التهاب الضرع الظاهري (السريري)
هذا النوع تظهر فيه علامات واضحة على الضرع والحليب، ومن أبرز أعراضه:
- تورم الضرع: يصبح الضرع أو الربع المصاب متضخماً أو متورماً بشكل ملحوظ.
- احمرار وسخونة: ملاحظة احمرار وارتفاع في درجة حرارة المنطقة المصابة عند اللمس.
- الألم: تظهر الناقة ألماً عند لمس الضرع وقد ترفض إرضاع الحوار (الصغير).
- تحجر أو تصلب: يصبح الربع المصاب صلباً أو متحجراً في بعض الحالات، وقد تظهر فيه خرّاجات أو تليفات.
- تغيرات في الحليب:
- انخفاض كمية الحليب بشكل كبير.
- تغير في شكل ولون وقوام الحليب: يصبح الحليب مائياً أو مصفراً أو مدمماً (مختلطاً بالدم).
- ظهور تجبنات أو خثرات أو قطع متخثرة في الحليب.
- أعراض عامة (خاصة في الحالات الحادة):
- ارتفاع درجة حرارة الجسم.
- خمول وفقدان الشهية.
- تضخم الغدد الليمفاوية فوق الضرع.
- التهاب الضرع غير الظاهري (تحت السريري)
يُعد هذا النوع الأكثر شيوعاً والأصعب في الاكتشاف بالعين المجردة، حيث تكون الأعراض على الضرع والحليب غير واضحة أو غير مرئية.
- انخفاض إنتاج الحليب: هو العلامة الرئيسية التي قد يلاحظها المربي.
- انخفاض جودة الحليب: يصعب الكشف عنه إلا من خلال الفحوصات المخبرية للحليب، مثل اختبار عدد الخلايا الجسمية (SCC) أو اختبار كاليفورنيا لالتهاب الضرع (CMT).
- عدم ظهور أي تورم، احمرار، أو ألم على الضرع.
أهمية دراسة التهاب الضرع في الناقة:
تشكل الإبل مصدرًا مهمًا للحليب عالي الجودة في البيئات الجافة، وتُعد حيوانات مقاومة للظروف المناخية القاسية. لذا، فإن فهم مسببات التهاب الضرع في النوق يعد خطوة أساسية لتحسين الإنتاجية، وتقليل الخسائر، وتحسين صحة الحيوان.
الأسباب البكتيرية الشائعة لالتهاب الضرع:
1-المكورات العنقودية الذهبية (Staphylococcus aureus)
تُعد من أكثر البكتيريا شيوعًا المسببة لالتهاب الضرع. تنتقل من البيئة أو من خلال أدوات الحلب أو الأيدي الملوثة. تسبب التهابات مزمنة قد تؤدي إلى تليف أنسجة الضرع وانخفاض دائم في الإنتاج.
2-المكورات العقدية (Streptococcus spp.)
تشمل Streptococcus agalactiae و Streptococcus dysgalactiae، وهي من الأنواع المعدية التي تنتشر بسرعة بين الحيوانات. تنتقل غالبًا أثناء الحلب، وتسبب التهابات تتفاوت في حدتها، وتؤثر على جودة الحليب.
3-الإشريكية القولونية(Escherichia coli)
تسبب التهابًا حادًا ومؤلمًا، ينتج عنه تغير واضح في لون ورائحة الحليب، وقد تترافق مع أعراض تسممية عامة للحيوان. تنتقل من البيئة الملوثة، خاصة عند غياب النظافة.
4-كلبسيلا (Klebsiella spp.)
تعيش في البيئة الرطبة، وغالبًا ما ترتبط بالقش أو الفراش الملوث. تسبب التهابات شديدة وتنتج سمومًا تؤثر على صحة الحيوان العامة.
5-بكتيريا الميكوبلازما (Mycoplasma spp.)
أقل شيوعًا لكنها خطيرة، قد تصيب أكثر من فص في الضرع، وتتسبب في تدهور دائم في أنسجة الضرع، وهي مقاومة للعديد من المضادات الحيوية التقليدية.
يعتمد تشخيص التهاب الضرع في النوق على كل من الفحص السريري (الحقلي) والاختبارات المعملية، والتي تكمل بعضها البعض لاكتشاف كل من الحالات الظاهرة (السريرية) والخفية (تحت السريرية).
أولاً: التشخيص السريري (الحقلي)
يتم التشخيص السريري من خلال ملاحظة الأعراض الظاهرة على الحيوان والضرع والحليب.
- فحص الضرع:
- التورم والانتفاخ:يصبح الجزء المصاب من الضرع منتفخًا بشكل غير طبيعي.
- الحرارة والألم:يكون الضرع المصاب دافئًا ومؤلمًا عند اللمس.
- الاحمرار:قد تظهر منطقة الإصابة بلون أحمر (على الرغم من صعوبة ملاحظته في الحيوانات ذات البشرة الداكنة).
- التصلب/التليف:في الحالات المزمنة أو الشديدة، قد يصبح نسيج الضرع صلبًا أو متليفًا.
- فحص الحليب:
- التغير في المظهر:ملاحظة تغير لون وقوام الحليب، حيث قد يصبح مائيًا، أو يحتوي على خثرات (تجبنات)، أو رقائق، أو دم، أو صديد، أو يكون له رائحة كريهة.
- اختبار الحلب الأولي:يُعد فحص دفعات الحليب الأولى على سطح داكن أفضل طريقة للكشف المبكر عن هذه التغيرات.
- الأعراض العامة على الحيوان:
- ارتفاع درجة الحرارة (حمى):خاصة في حالات التهاب الضرع السام.
- فقدان الشهية والخمول.
- انخفاض إنتاج الحليب بشكل ملحوظ.
ثانياً: التشخيص المعملي (المخبري)
تُستخدم الاختبارات المعملية لتأكيد التشخيص، وتحديد العامل المسبب، والكشف عن الحالات تحت السريرية التي لا تظهر عليها أعراض واضحة.
1- اختبار كاليفورنيا لالتهاب الضرع (CMT):
- هو اختبار سريع وفعال يمكن إجراؤه في الحقل أو المعمل.
- يعتمد على إضافة كاشف كيميائي إلى عينة من الحليب؛ إذا حدث تجبن أو تكون مادة هلامية، فهذا يشير إلى ارتفاع عدد الخلايا الجسدية (SCC) ووجود التهاب.
2- تعداد الخلايا الجسدية (SCC):
- قياس عدد الخلايا الجسدية في الحليب هو مؤشر كمي دقيق لوجود التهاب الضرع تحت السريري.
- يتم تحليل عينات الحليب في المختبر باستخدام أجهزة خاصة لحساب عدد خلايا الدم البيضاء والخلايا الطلائية.
3- المزرعة البكتيرية (Bacterial Culture) واختبار الحساسية:
- يتم أخذ عينة حليب معقمة وإرسالها إلى المختبر لتحديد نوع البكتيريا المسببة للعدوى.
- يساعد اختبار الحساسية على تحديد المضاد الحيوي الأنسب والأكثر فعالية لعلاج الحالة بشكل مستهدف.
4- قياس الناقلية الكهربائية:
يتغير تركيب الحليب عند الإصابة بالتهاب الضرع، مما يؤثر على ناقليته الكهربائية، ويمكن قياس ذلك باستخدام أجهزة متخصصة.
التأثير الاقتصادي لالتهاب الضرع
- انخفاض إنتاج الحليب
- يعد هذا من أبرز الآثار المباشرة، حيث يؤدي الالتهاب إلى تقليل الكمية المنتجة من الحليب، فضلاً عن تدهور جودته، مما يؤثر على قابلية تسويقه واستهلاكه كما تتأثر صناعة منتجات الالبان بصورة واضحة.
- زيادة التكاليف العلاجية والوقائية
تتطلب حالات التهاب الضرع الفحص البيطري، واستخدام مضادات حيوية، وأحيانًا التخلص من بعض الحيوانات، مما يشكل عبئًا ماليًا على المربين.
- نفوق بعض الحالات الشديدة
في حال عدم التدخل المبكر، قد يؤدي التهاب الضرع، خاصة الناتج عن بكتيريا سمية مثل الإشريكية القولونية، إلى نفوق بعض النوق، وهو ما يعني خسارة مباشرة لرأس المال الحيواني.
- التأثير على التناسل والإنتاج المستقبلي
النوق المصابة غالبًا ما تتعرض لتأخر في الدورات التناسلية، نتيجة للإجهاد أو الألم، مما يقلل من معدلات التكاثر، ويؤثر على مخزون القطيع مستقبلاً.
- انخفاض القيمة السوقية للحيوان المصاب
الحيوانات المصابة تفقد جاذبيتها الاقتصادية، ولا تُفضل للشراء أو الاستخدام في برامج التربية، ما يؤدي إلى تقليل قيمتها.
الوقاية من التهاب الضرع
1-تطبيق ممارسات النظافة العامة
من الضروري تنظيف الضرع قبل وبعد الحلب، وتطهير أدوات الحلب والأيدي، وتجنب استخدام أدوات مشتركة بين الحيوانات.
2-تحسين بيئة الإيواء
الاهتمام بنظافة الحظائر، وتغيير الفراش بانتظام، وتجنب الرطوبة، يقلل من فرصة إصابة الضرع بالبكتيريا البيئية.
3-برامج التحصين الدورية
التحصينات الوقائية ضد أنواع محددة من البكتيريا، وإن لم تكن شاملة، فإنها تقلل من فرص الإصابة أو على الأقل تخفف من حدة العدوى.
4-الفحص الدوري للضرع
إجراء اختبارات مثل اختبار كاليفورنيا (California Mastitis Test) يساعد في الكشف المبكر عن الحالات تحت السريرية، وعلاجها قبل تفاقمها.
5-عزل الحيوانات المصابة
تفصل النوق المصابة لتجنب انتشار العدوى لباقي القطيع، خاصة في الحالات الناتجة عن المكورات العنقودية أو العقدية.
العلاج والتوصيات الختامية
1-العلاج بالمضادات الحيوية
يُفضل الاعتماد على المضادات الحيوية واسعة الطيف بعد إجراء اختبارات حساسية بكتيرية، لضمان فعالية الدواء. يجب اتباع الجرعات المقررة ومدة العلاج بدقة.
2-العلاج الموضعي
يشمل تدليك الضرع وتفريغ الحليب المصاب بانتظام لتقليل الضغط، واستخدام مراهم مضادة للبكتيريا.
3-العلاج الداعم
يُوصى باستخدام مضادات الالتهاب ومسكنات الألم، بالإضافة إلى تعويض السوائل والأملاح في حالات الالتهاب الشديدة.
الإبلاغ البيطري ومتابعة الحالات
يجب أن تكون هناك متابعة بيطرية دقيقة لحالة الضرع، وتوثيق الحالات، والاستفادة من البيانات لتحسين خطة الوقاية مستقبلاً.
خاتمة
يُعد التهاب الضرع في النوق مشكلة صحية واقتصادية بالغة الأهمية، تتطلب تعاونًا بين المربين والأطباء البيطريين لتقليل الخسائر وتحسين الأداء الإنتاجي. إن الالتزام بالتدابير الوقائية ومتابعة العلاج السليم هو السبيل الأساسي لحماية ثروة الإبل وتحقيق أقصى استفادة ممكنة منها.
المراجع
*Estimation of somatic cell count, as gold standard to detect subclinical mastitis, in dromedary camel” (ورقة بحثية تناقش تحديد نقطة القطع للـ SCC في الإبل).
*Prevalence of mastitis and its associated risk factors in lactating camels
*Detection of subclinical mastitis in dromedary camels using somatic cell counts, California mastitis test and udder pathogen
*Camel mastitis: a review






