د هالة أبويوسف تكتب: رؤية 2030… نحو منظومة عالمية مسؤولة ومستدامة لإدارة المبيدات
رئيس لجنة المبيدات – وزارة الزراعة – مصر
تكتسب إدارة المبيدات الزراعية في الوقت الراهن أهمية متزايدة على المستويين المحلي والدولي، باعتبارها محورًا رئيسيًا يتقاطع فيه الأمن الغذائي مع الصحة العامة وحماية البيئة. ومع استمرار تحديات الإنتاج الزراعي وارتفاع مخاطر الممارسات التقليدية في استخدام المبيدات.
تبرز رؤية 2030 كإطار عالمي طموح يستهدف إرساء منظومة متكاملة لإدارة المبيدات على أسس من المسؤولية والاستدامة. وتقوم هذه الرؤية على تبني مفهوم شامل يمتد عبر دورة حياة المبيد كاملة، بدءً من التسجيل والتقييم، مرورًا بالإنتاج والنقل والتداول والتطبيق الحقلي، وصولًا إلى التخلص الآمن من العبوات وبقايا المبيدات وفق معايير علمية وبيئية متقدمة.
المبيدات ومكافحة الآفات الزراعية
وتشير تقارير منظمة الأغذية والزراعة إلى أن الآفات الزراعية تتسبب في خسائر تتراوح بين 20% و40% من الإنتاج العالمي سنويًا، وهو ما يجعل المبيدات جزءًا مهمًا من منظومة إدارة الآفات، شريطة استخدامها بشكل مسئول.
وفي الوقت نفسه يتجاوز الإنتاج العالمي للمبيدات أربعة ملايين طن من المادة الفعالة سنويًا، بينما يشكل الاستخدام غير المنضبط للمبيدات عالية الخطورة تهديدًا مباشرًا للصحة العامة والبيئة، الأمر الذي دفع المجتمع الدولي إلى تبني توجهات واضحة نحو خفض هذه المخاطر تدريجيًا وتشجيع البدائل الأقل سمّية والأكثر استدامة بما يتوافق مع أهداف التنمية المستدامة واتفاقيات البيئة الدولية.
وتستند رؤية 2030 العالمية إلى أهداف استراتيجية جوهرية أبرزها الحد من المخاطر الناتجة عن الاستخدام العشوائي للمبيدات، مع تعزيز البدائل المستدامة. وقد شهد الاتحاد الأوروبي انخفاضًا ملحوظًا في استخدام المبيدات الكيميائية بنسبة قاربت 58% بين 2018 و2023 مقارنة بالخط الأساس 2015 – 2017، إلى جانب تقليص المبيدات عالية الخطورة بنسبة 27%، بينما تطالب منظمات المجتمع المدني الدولية بإيقاف استخدام هذه الفئة بالكامل بحلول 2030.
وفي المقابل تشهد حلول الإدارة المتكاملة للآفات نموًا متسارعًا، إذ يُتوقع أن يرتفع حجم سوقها العالمي من 17.8 مليار دولار عام 2022 إلى أكثر من 26 مليار دولار بحلول 2030، إلى جانب تضاعف سوق المبيدات الحيوية تقريبًا ليصل إلى ما يزيد عن 14 مليار دولار في الفترة نفسها.
كيف تتم إدارة المبيدات بطريقة مستدامة؟
وتقوم رؤية 2030 على مجموعة من المحاور التنفيذية التي تشمل تطوير الإطار التشريعي والتنظيمي عبر الالتزام بالمدونة الدولية لإدارة المبيدات، وإرساء تقييم علمي صارم للمخاطر قبل تسجيل أي مبيد جديد، مع تعزيز الشفافية في شأن الاستيراد والتصدير.
كما تستند على الابتكار العلمي والتكنولوجي من خلال تطوير مبيدات منخفضة السمّية باستخدام تقنيات متقدمة مثل النانو والذكاء الاصطناعي، واعتماد الزراعة الدقيقة التي تسمح بتوجيه المبيد بدقة نحو الهدف وتقليل الهدر والانبعاثات. ويواكب ذلك تبني ممارسات ميدانية أكثر كفاءة تعتمد الإدارة المتكاملة للآفات كأساس، والتأهيل المستمر لمطبقي المبيدات لضمان الاستخدام الآمن والفعَال للمبيد، وتطبيق مبادئ الاقتصاد الدائري في التعامل مع العبوات والمخلفات.
كما تشمل الرؤية منظومة متابعة دقيقة تعتمد على قياس مؤشرات الاستخدام، ومتابعة متبقيات المبيدات في المنتجات الزراعية، ورصد البصمة الكربونية حيث ينتج طن واحد من المبيد نحو 12 طنًا مكافئًا من ثاني أكسيد الكربون، إلى جانب وضع أهداف وطنية لخفض الاستخدام الكيميائي بنسب قد تصل إلى 50% في بعض الدول، ومنها مصر.
ورغم أهمية هذه التوجهات، تظل هناك تحديات تواجه هذا التحول العالمي، من بينها ضعف البنية التحتية في بعض الدول لعمليات الرقابة والتحليل، وتطور مقاومة الآفات للمبيدات التقليدية، وارتفاع تكلفة البدائل الحيوية مقارنة بالمبيدات الكيميائية، فضلًا عن انتشار تجارة المبيدات المقلدة أو غير المرخصة التي تمثل نحو 7% من سوق المبيدات العالمي.
رؤية مصر لتخفيض إستهلاك المبيدات
وفي السياق المصري، نجحت الدولة في صياغة إطار وطني متقدم لإدارة المبيدات المستدامة بالتعاون مع الشركاء الدوليين، يستهدف خفض الاستخدام الكيميائي إلى النصف بحلول 2030.
ويبلغ حجم استهلاك مصر السنوي من المبيدات نحو 10 آلاف طن ضمن سوق عالمي يتجاوز خمسة ملايين طن، بينما حققت الدولة تقدمًا كبيرًا في تأهيل واعتماد مطبقي المبيدات حيث تم تدريب أكثر من 30 ألف مطبق حتى الآن، مع خطة للوصول إلى 50 ألفًا في غضون السنوات المقبلة. كما تشير التوقعات إلى نمو سوق الحماية الزراعية في مصر ليصل إلى نحو 26 مليون دولار بحلول 2030، بما يعكس توسعًا مستمرًا في بنية الحماية الزراعية وتزايد الاعتماد على الحلول البيئية الآمنة.
التوزان بين التنمية المستدامة ومكافحة الآفات
ومع اقتراب عام 2030، تُظهر المؤشرات العالمية أن التوسع في الإدارة المتكاملة للآفات واعتماد المبيدات الحيوية سيؤدي إلى تقليل الاعتماد على المبيدات الكيميائية عالية الخطورة وتحقيق إنتاجية زراعية أعلى وأكثر استدامة. كما أن قدرة الدول على خفض الاستخدام الكيميائي بنسب تصل إلى 50% ستمنحها ميزة تنافسية في الأسواق الدولية التي تضع معايير صارمة للمخلفات الكيميائية في المنتجات الزراعية.
وفي الختام، فإن التحول نحو منظومة عالمية لإدارة مبيدات مسئولة ومستدامة لم يعد خيارًا بل ضرورة استراتيجية تفرضها التحديات البيئية والصحية والاقتصادية على حد سواء. وتمتلك مصر، من خلال لجنة مبيدات الآفات الزراعية والمؤسسات البحثية والتنظيمية التي تتعاون معها، مقومات قوية لتكون نموذجًا إقليميًا رائدًا في هذا التحول، بما يسهم في حماية البيئة، وتعزيز الأمن الغذائي، ودعم القدرة التنافسية للصادرات الزراعية المصرية في الأسواق العالمية.






