زراعة

د شاكر عرفات يكتب: الزيتون بين الدراسات العلمية والقران والسنة

 معهد بحوث تكنولوجيا الاغذية- مركز البحوث الزراعية- مصر

تُعد شجرة الزيتون من أقدَم الأشجار المثمرة المعروفة في العالم خاصة دول حوض البحر الابيض المتوسط، وتحظى بمكانة مميّزة في الحضارات البشرية منذ آلاف السنين. وما يجعل الزيتون – أو زيت الزيتون – متفردا فى مميزاته هو جمعه بين البعد الروحي/الديني (بما ورد في القرآن والسنة) وبين الدعم العلمي الحديث لما له من فوائد غذائية وصحية طبية مؤكدة.

فى هذا التقرير نحاول بناءً على الأدبيات الإسلامية والبحوث العلمية المعاصرة أن نستعرض أهم أبعاد أهمية الزيتون: غذائية، علاجية، دينية، ثقافية، اجتماعية، تراثیة وبيئية.

1- الزيتون في القرآن والسنة: مدلولات دينية وثقافية

  • ذُكر الزيتون في القرآن مرات عدة (بحسب بعض المصادر سبع مرات) بألفاظ مختلفة: “زيتون” أو “زيتونة” أو في عبارة “شجرة تنبت بالدهن” للدلالة على الزيتون.
  • من أشهر الآيات: ما ورد فى سورة التين: «والتين والزيتون…»، ما قد يدل على مكانة خاصة له باعتبار أن القسم الإلهي لا يكون إلا بشيء عظيم.
  • كما ورد ذكر الزيتون في سورة النور تشبيه نور المؤمن بزيت شجرة مباركة (زيتونة) تُوقَد: «… كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة … يكاد زياها يضيء ولو لم تمسسه نار»
  • اما فى السنة النبوية: فقد ورد ذكر الزيتون في بعض الأحاديث (يروى) أن النبي ﷺ شجع على تناول زيت الزيتون ودهن الجسم به، واصفًا شجرة الزيتون بأنها “مباركة.

دلالة ذلك دينيًا: أن الزيتون ليس مجرد طعام عادي، بل غذاء مبارك ذا شرف خاص؛ مما يعزز قيمته في حياة المسلم من الناحية الروحية والعملية.

دلالة ثقافياً وتراثياً: لقد ارتبط الزيتون منذ القدم بشعوب البحر المتوسط والشرق الأوسط، وكان ويظل جزءًا مهمًّا من تراث الزراعة، المائدة، والاقتصاد، ما يجعله رمزًا للبركة، الخير، والسلام (كما في ثقافات متعددة)، إضافة إلى كونه جزءًا من الهوية الزراعية والثقافية للمجتمعات التي زرعته لقرون.

2-  الفوائد الغذائية والعلاجية: ماذا تقول الدراسات العلمية الحديثة؟

البحوث العلمية الحديثة تؤيد إلى حد كبير ما ألمحت إليه النصوص الدينية من أهمية الزيتون، وتكشف العديد من الفوائد الصحية والطبية التي تدعمه. فيما يلي أبرز ما توصلت إليه الدراسات:

  • القلب والشرايين والأوعية
  • أظهرت دراسة علمية حديثة أن زيت الزيتون البكر الممتاز عالي الفينولات (polyphenols) يُحسّن “مؤشرات مضادة للتصلب” للـ HDL (الكوليسترول الجيد) بمعنى أنه يدعم صحة الأوعية ويقلل من مخاطر تصلب الشرايين.
  • دراسة حديثة عام (2024) أشارت إلى أن الأحماض الدهنية (مثل حمض الأوليك) والفينولات في زيت الزيتون تقلّل الاجهاد التأكسدي والالتهاب، وتحسّن وظائف بطانة الأوعية، ما يساهم في خفض ضغط الدم وتحسين صحة القلب.
  • نظام غذائي غني بزيت الزيتون البكر الممتازجزءَ من النظام الغذائى المتوسطي اكدت الدراسات الحديثة الى ان ذلك يساعد فى تقليل معدلات الاصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.
  • مضادات الأكسدة والوقاية من الأمراض
  • الفينولات مثل Hydroxytyrosol وOleuropein —  المتوفرة في الزيتون وزيت الزيتون تعمل كمضادات أكسدة قوية، تقلّل من الأضرار التي تسببها الجذور او الشقوق الحرة، وبالتالي تساهم في الوقاية من الأمراض المزمنة مثل أمراض القلب، السرطان، والتهاب الأوعية.
  • بعض الأبحاث الحديثة تركز على الفينولات والتحولات الأيضية لها في الجسم، وتبيّن أنها تبقى نشطة بعد الامتصاص، ما يعزز جدواها كعناصر وقائية.
  • الجهاز الهضمي، الالتهابات، الجهاز المناعي
  • زيت الزيتون يعزز صحة الجهاز الهضمي، وقد يساهم في الوقاية من أمراض معوية بفضل خواصه المضادة للالتهاب والأكسدة.
  • بفضل خواص زيت الزيتون البكر الممتاز المضادة للالتهابات، يُدرس استخدام زيت الزيتون (أو مكوناته) كمكمل غذائي/علاجي في أمراض التهابية مزمنة.
  • الوقاية من السرطان وأمراض مزمنة أخرى
  • بعض الدراسات أرجعت انخفاض معدلات بعض أنواع السرطان في الشعوب التي تعتمد النظام الغذائي المتوسطي الغني بزيت الزيتون البكر الممتاز إلى مضادات الأكسدة والفينولات فى زيت الزيتون.
  • كذلك، هناك فوائد محتملة لزيت الزيتون في دعم الصحة العصبية وحماية الخلايا العصبية من التلف التأكسدي، ما قد يقلل خطر أمراض عصبية تنكسية (دراسة علمية حديثة).
  • الرفاه العام والتوازن الغذائي
  • زيت الزيتون كجزء من النظام الغذائي يعوّض الدهون المشبعة والضارّة، ويُمثّل بفضل احتوائه على الاحماض الدهنية الأحادية غير المشبعة خيارًا صحيًّا للطبخ والتتبيل. (
  • الفيتامينات والمواد المغذية (الفينولات، مضادات الأكسدة، دهون مفيدة) تجعله عنصرًا ممتازًا للحفاظ على الصحة العامة، دعم المناعة، وحماية الخلايا من الأضرار التأكسدية.

3-التزاوج بين البعد الديني/الثقافي والعلمي: معنى الزيتون في حياة الإنسان

  • كون الزيتون ذكر في القرآن الكريم وأُثني عليه في السنة يجعل من تناوله  وزيته ليس فقط مسألة غذاء أو طعام، بل فعل تعبدي/ثقافي، يعكس الامتثال لطبيعة “الطعام المبارك”.
  • من الناحية العلمية: الزيتون وزيته يقدّمان فوائد واقعية ملموسة  صحية، وقائية، علاجية تدعم توصيات الطب الحديث حول التغذية الصحية السليمة.
  • الجمع بين البعدين يعني أن الإنسان لا يستهلك الزيتون فقط “كتراث” أو “عادة”، بل هو اختيار واعٍ مدعوم بالدراسات البحثية، مما يعطي للزيتون مكانة استثنائية بين الأطعمة.
  • كذلك، من زاوية تراثية واجتماعية: الزيتون بزراعته، حصاده، صناعته (زيت، تخليل…) يُعزز الهوية الزراعية، ويُرسّخ القيم المرتبطة بالأرض، العمل الزراعي، والتوارث الغذائي بين الأجيال من الاجداد الى الاحفاد.

4- كن حذرا

  • رغم فوائد زيت الزيتون العديدة خصوصًا زيت الزيتون البكر أو زيت الزيتون عالي الجودة يجب الانتباه إلى جودة الزيت: كلما كان زيت الزيتون عالي الفينولات (غير مكرر، بكر ممتاز) كلما كانت الفوائد أقوى. (
  • كما أن الاستهلاك المعتدل هو الموصى به الإفراط في الدهون (حتى لو كانت صحية) قد يؤدي إلى زيادة السعرات، وهو ما يجب ضبطه ضمن نظام غذائي متوازن.
  • ملاحظة زيت الزيتون المكرر: الزيتون المغشوش او المكرر يفقد مضادات الأكسدة مقارنة بزيت الزيتون البكر الممتاز أو زيت زيتون البكر.

5-خلاصة وتوصيات

  1. الزيتون كثمار وزيت هو غذاء مبارك ذا بعد ديني وثقافي عميق كما يؤكّد القرآن والسنة، وهذا يعطيه قيمة روحية وتراثية متفردة.
  2. العلم الحديث يدعم مكانة الزيتون من حيث فوائده الغذائية، الوقائية، والعلاجية لمجموعة من الأمراض (قلب، شرايين، التهابات، سرطانات محتملة، وظائف خلايا).
  3. من المهم اختيار زيت الزيتون البكر الممتاز الغنى بالفينولات (غير مكرر) للاستفادة القصوى من خصائصه.
  4. استخدام الزيتون في الطعام، الطهي، وحتى الدهان يمكن أن يكون جزءًا من نمط حياة صحّي متوازن، ولا ينبغي الاعتماد عليه وحده كـ “دواء” لكنه مفيد كجزء من نظام صحي متكامل.
  5. من الناحية الثقافية/التراثية، الزيتون يجمع بين الماضي والحاضر زرعًا، مائدة، هوية وهو رمز للاستمرارية، البركة، والعطاء من الأرض.

ايجازا نقول:

تُظهر المعطيات الدينية والثقافية من جهة، والعلمية الحديثة من جهة أخرى أن الزيتون ليس مجرد نبات أو طعام عابر، بل هو منحة إلهية ذات أبعاد متعددة: غذائية، علاجية، روحية، ثقافية، وتراثية. إن الجمع بين التذوّق الواعي له واختيار النوعية الجيدة من زيت الزيتون، وبين الاعتراف بمكانته في الثقافة والدين، يمنحنا نمط حياة متوازناً  جسديًا وروحيًا يتوافق مع القيم والتقاليد، ومع المعرفة العلمية المعاصرة في آن واحد.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى