بحوث ومنظماتتقاريرحوارات و مقالاتخدماتيزراعة

د علي إسماعيل يكتب: الأمن الغذائي والتحديات التي تواجه القطاع الزراعي وزيادة الصادرات الزراعية

استاذ ادارة الاراضي والمياه – مركز البحوث الزراعية-  مصر

يشكّل القطاع الزراعي أحد الركائز الاستراتيجية في مصر، حيث يساهم بقوة في الناتج المحلي، ويعد مصدرًا رئيسيًا لفرص العمل، كما يمثل أحد أهم قنوات الحصول على العملة الصعبة من خلال الصادرات الزراعية. وقد حققت الصادرات الزراعية المصرية خلال السنوات الأخيرة تقدمًا ملحوظًا بفضل التوسع في المشروعات القومية مثل مشروع الدلتا الجديدة، وارتفاع الطلب العالمي على الحاصلات المصرية، خاصة في أسواق دولية وإقليمية مهمة، مع تطور في نظم الإنتاج والتعبئة والتغليف.

ورغم النمو المتزايد، فإنّ المستقبل يحمل تحديات متسارعة تشكّل ضغطًا مباشرًا على القدرة التنافسية للصادرات المصرية، تتمثل في المتغيرات المناخية، وضغوط الموارد المائية، والتشريعات الدولية الصارمة، إضافة إلى تقلبات اللوجستيات وسلاسل الإمداد في ظل منافسة عالمية مع دول ذات ثقل تصديري. وبالتالي، يصبح من الضروري وضع حلول مبتكرة وعملية تعزز جودة المنتج، وتخفض الفاقد، وتضمن الامتثال للمعايير الدولية، للحفاظ على مكانة الصادرات الزراعية المصرية وتنميتها عالميًا.

أمن الغذاء (Food Security) هو موضوع حيوي ومعقد للغاية، ويشمل جوانب اقتصادية، واجتماعية، وبيئية، وصحية.

 مفهوم الأمن الغذائي

يُعرّف الأمن الغذائي على أنه ضمان حصول جميع الناس، وفي جميع الأوقات، على الغذاء الكافي والمأمون والمغذي، لتلبية احتياجاتهم الغذائية وتفضيلاتهم من أجل حياة نشطة وصحية.

وفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة (FAO)، يقوم الأمن الغذائي على أربعة أبعاد رئيسية يجب توافرها معًا:

* التوافر (Availability): وجود كميات كافية من الغذاء بجودة مناسبة، سواء من الإنتاج المحلي أو الواردات أو المساعدات.

* الوصول (Access): قدرة الأفراد على الحصول على الغذاء المتاح، وهذا يشمل الوصول الاقتصادي (القدرة الشرائية) والاجتماعي/المادي (البنية التحتية والأسواق).

* الاستخدام (Utilization): الاستفادة الفعالة من الغذاء من الناحية التغذوية، وهذا يتطلب نظامًا صحيًا سليمًا، ومياهًا نظيفة، ومعرفة بكيفية إعداد الوجبات الصحية وتخزينها.

* الاستقرار (Stability): ضمان استمرار توافر الغذاء وإمكانية الوصول إليه دون انقطاع، خاصة في مواجهة الصدمات (كالجفاف، النزاعات، تقلبات الأسعار).

 أهم التحديات التي تواجه الأمن الغذائي

تغير المناخ: يؤدي إلى الجفاف، الفيضانات، وتغير أنماط هطول الأمطار، مما يضر بالإنتاج الزراعي.

زيادة عدد السكان: النمو السكاني يتطلب زيادة مستمرة في الإنتاج لتلبية الطلب المتصاعد.

ندرة الموارد الطبيعية: استنزاف الأراضي الصالحة للزراعة ونقص موارد المياه العذبة.

النزاعات وعدم الاستقرار السياسي: الحروب والصراعات تدمر البنية التحتية الزراعية وتعطل سلاسل الإمداد.

تقلبات أسعار الغذاء والطاقة: ارتفاع أسعار المدخلات الزراعية (الأسمدة، الوقود) يزيد من تكلفة الإنتاج ويصعب الوصول الاقتصادي للغذاء.

*جائحة الأمراض (مثل كوفيد-19): أظهرت مدى ضعف سلاسل الإمداد العالمية عند التعرض لصدمات مفاجئة.

 استراتيجيات تعزيز الأمن الغذائي

تتطلب معالجة تحديات الأمن الغذائي استراتيجيات متعددة القطاعات:

  الزراعة المستدامة:

* استخدام تقنيات زراعية ذكية مناخيًا (Climate-Smart Agriculture).

تحسين كفاءة استخدام المياه (الري الحديث).

تطوير محاصيل مقاومة للجفاف والأمراض.

دعم صغار المزارعين: توفير التمويل والتدريب والوصول إلى الأسواق والتكنولوجيا لهم.

  تنويع مصادر الغذاء:

تنويع المحاصيل وتقليل الاعتماد على عدد قليل من السلع الأساسية.

الاستثمار في تربية الأحياء المائية والثروة الحيوانية.

تقليل فاقد وهدر الغذاء (Food Loss and Waste): تحسين عمليات الحصاد والتخزين والنقل والتسويق لتقليل الهدر.

الاحتياطي الاستراتيجي: إنشاء وتخزين احتياطيات غذائية وطنية لمواجهة الأزمات.

 السياسات الحكومية:

شبكات الأمان الاجتماعي ودعم الفئات الأكثر فقرًا.

تحسين البنية التحتية للطرق والأسواق لضمان حركة الغذاء.

أهم التحديات الحالية المستقبلية المرتبطة بالصادرات الزراعية المصريه

إن المعايير الدولية للسلامة الغذائية والصحة النباتية (MRLs/SPS):
تشدد الأسواق العالمية في قبول الشحنات الزراعية، خاصة فيما يتعلق بحدود بقايا المبيدات والآفات، ما يؤدي في بعض الأحيان لرفض الشحنات وفقدان الثقة.

وتأتي منظومة التكويد وضعف نظم التتبع والشفافية (Traceability):
والتي يتم فيها الاعتماد على أنظمة غير رقمية يضعف القدرة على إثبات المصدر والالتزام بالمواصفات في الأسواق المتقدمة.

وان عمليات الفاقد ما بعد الحصاد وتدهور الجودة:
بسبب قصور في عمليات الجمع، التعبئة، النقل، أو طول الفترة بين الحصاد والشحن.

2) التحديات البيئية والمناخية

وتمثل الموارد المائية ونقصها احد وأهم التحديات التي تواجه الزراعة المصرية مع تطور عمليات استصلاح الاراضي والتي تتطلب ٥ الاق متر مكعب للفدان : وان الزراعة في مصر تواجه ضغوط شح المياه، ما يؤثر على حجم الإنتاج واستدامته وجودته التصديرية.

وتأتي التغيرات المناخية والطقس المتطرف:

تظهر في تذبذب درجات الحرارة، وتأثيرها على الإنتاجية وجودة المحاصيل وسلامة سلاسل الإنتاج وان ذلك يتطلب جهود مضاعفة من المراكز البحثية وتطوير العمل بها لحل هذه المشاكل وزيادة الإنتاجية فضلا على الآفات والأمراض العابرة التي تنتقل الي مصر نتيجة التغيرات المناخية والاهتمام بنظم الإنذار المبكر لتتبع ذلم ووضع برامج الحماية المناسبة لذلك.

وتأتي صيانة التربة ومكافحة مظاهر التصحر التي تأتي في صور غدق التربة وسوء الصرف الزراعي في بعض المناطق نتيجة تداخل مياه البحر كذلك والري الغير مرشد بما
تمثلة هذة الممارسات مما يؤدي إلى ملوحة التربة وتدهور خصائصها ما ينعكس بالسلب على المواصفات التصديرية.

3) التحديات اللوجستية والاقتصادية

وتتمثل في ضعف سلسلة التبريد (Cold Chain):
قصور في الإمكانيات المبكرة للتبريد والتخزين والنقل المبرد، خاصة للمحاصيل الحساسة. وكذلك ارتفاع التكلفة اللوجستية والنقل الدولي:
ما يقلّل هامش ربح المصدّر، ويضعف قدرة المنافسة السعرية للمنتج المصري. ثم يلي ذلك احد العناصر الهامة وهو ارتفاع أسعار المدخلات الزراعية وتقلبات سعر الصرف:
خاصة في الأسمدة والطاقة والوقود، ما قد يُربك عقود التصدير ويؤثر على التسعير بالخارج.

4) التحديات الخارجية والمنافسة الدولية

وتتمثل في المنافسة التصديرية الشرسة مع دول متقدمة في الأسواق ذاتها.

ويمكن رصد المتغيرات الجيوسياسية التي قد تؤثر على طرق الشحن الدولية وحركة التوريد، ما يرفع المخاطر ويؤثر على توقيت التصدير وتكلفته.

أهم الحلول المقترحة لمواجهة التحديات

1) حلول عاجلة وقصيرة الأمد

تتمثل في تطوير منظومة الحجر الزراعي والفحص المعملي:
وزيادة الاعتماد على الشهادات الإلكترونية المُحكَمة والمعتمدة دوليًا. والتدريب المكثّف على الإدارة المتكاملة للآفات (IPM): لتقليل الاعتماد على المبيدات الكيماوية، وضمان الالتزام بـ MRLs وحماية الشحنات من الرفض. ووضع بروتوكولات موحّدة صارمة لعمليات الجمع والتعبئة لتقليل الفاقد وحفظ جودة الثمار.

2) حلول متوسطة الأمد (1–3 سنوات)

تشجيع الاستثمار في مراكز تجميع وتعبئة وتبريد إقليمية قريبة من مناطق الإنتاج. وتعزيز سلاسل التبريد المبكرة (Pre-Cooling)  ورفع كفاءة المخازن المبردة ودعم اقراض هذة الأنشطة او إقامتها من خلال الدولة.

كذلك العمل على  إنشاء منصة وطنية رقمية لتتبع الشحنات باستخدام QR codes أو Block chain. ا ولتعاقد طويل الأجل مع شركات الشحن لتثبيت التكلفة وضمان انتظام النقل

3) حلول طويلة الأمد (3–10 سنوات)

وضع معاير وآليات التحول إلى الزراعة الذكية مناخيًا (Climate-Smart Agriculture): من خلال الري الدقيق، وأجهزة الاستشعار، والتنبؤ المناخي لتقليل المخاطر. وإعادة استخدام ومعالجة مياه الصرف الزراعي:
بعد تحليتها أو خلطها بنسب مدروسة لتحقيق استدامة الموارد.

العمل على تحسين منظومة الصرف الزراعي ومنع الغدق والملوحة:
عبر تطوير شبكات الصرف المفتوح والمغطّى، وإدارة مناسيب المياه الأرضية.

الاهتمام بزيادة القيمة المضافة محليًا بالتوسع في التصنيع الزراعي (تجفيف، تعليب، تجهيز، تغليف متطور) بدل التصدير الخام. والاهتمام بتنويع الأسواق التصديرية وفتح أسواق جديدة في آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية
بما يقلّل الاعتماد على عدد محدود من الشركاء التجاريين.

خريطة طريق تنفيذية مختصرة مقترحة

(12شهرًا)…  إطلاق برامج تدريب وطنية بالتعاون بين وزارة الزراعة، الحجر الزراعي، المعاهد البحثية، والمصدرين.

تجهيز 3 مراكز تبريد وتعبئة تجريبية بالشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص.

(24–36 شهرًا)… التوسع في منصة رقمية وطنية للتتبع، وتعميم الفحص الإلكتروني والشهادات الذكية. ودعم المزارع ذات الطابع التصديري بالتمويل الميسر للتحول إلى نظم الري الحديث والطاقة المتجددة.

الصادرات الزراعية المصرية تمتلك ميزة نسبية عالية عالميًا، إلا أن مستقبلها مرهون بقدرتها على تحقيق الجودة والامتثال والاستدامة وتخفيض التكلفة، وهو ما يتطلب تكاملًا بين البحث العلمي، والبنية التحتية، والرقمنة، وإدارة الموارد المائية، والسياسات التصديرية المرنة. إنّ تبنّي هذه الحلول سيؤدّي إلى زيادة الثقة الدولية، وفتح أسواق جديدة، وخفض الفاقد، ورفع العائد الاقتصادي من كل طن يتم تصديره من الأرض المصرية إلى العالم.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى