أجري توداي – خاص
يتسبب استمرار الغزو الروسي لأوكرانيا في تحول عالمي في تجارة الحبوب ومنها تجارة القمح ، و التي تطعم مليارت البشر كل يوم ، و سط توقعات بأن تنخفض كمية الحصاد في أوكرانيا هذا العام بمقدار النصف مقارنة بالعام السابق للحرب .
وكانت كل من أوكرانيا وروسيا من بين أكبر منتجي السلع في العالم ، مثل القمح و الشعير قبل اندلاع الحرب في 2022 ، ولكن الصراع شهد ارتفاع أسعار العقود الآجلة للقمح والذرة في الولايات المتحدة لتصل إلى أعلى مستوياتها خلال عقد ، مع وصول عقد قياسي واحد للقمح إلى أعلى مستوياته على الإطلاق، مما تسبب في حدوث تقلبات أسعار القمح العالمية خلال العام ، لتنخفض إلى نحو 13% أثناء ، و حتى الوقت الراهن.
وقال أندرو وايتلو المؤسس المشارك و مدير “إبيسود 3 ” ، وهي شركة تحليل زراعية ، إن التدفقات التجارية تتغير و تتذبذب ، بالأخذ في الاعتبار أن روسيا لم تكمن في العشرين عاما الماضية مصدرا ذا أهمية للحبوب ، ولكنها حققت نموا على مدار العشرين عاما الماضية و صارت كل من أوكرانيا وروسيا الآن أكبر مصدرين لها .
وبينما كان محصول العام الماضي و تصدير الحبوب مثل القمح من وكرانيا لا يزال مهما على الرغم من اندلاع الحرب و إغلاق الموانئ في الحبر الأسود ، إلا أن الكميات التي تم حصدها وشحنها هذا العام سوف تنخفض على الأرحج .
وتم تمديد مبادرة حبوب البحر الأسود لمدة ستين يوما في مارس الماضي ، وهي صفقة عقدتها الأمم المتحدة في تركيا لتوجيه السفن على نحو آمن خارج الموانئ الأوكرانية ، وهي الفترة التي تقل “النصف ” عن الفترة السابقة ، والتي كان قوامها 120 يوما .
ووصف “وايتلو” محصول القمح العام الماضي بأنه جيد للغاية في أوكرانيا و “رائع جدا ” في روسيا ، ولكنه استدرك بأن حصاد أوكرانيا يميل إلى الانخفاض بنحو 20% في 2023 ، وذلك لأن المزارعين غرسوا كميات أقل من المحاصيل .
وأضاف :” هذا العام ، توجد أمور في أوكرانيا ، مثل نقص الأموال و الأسمدة و الوقود و العمالة ، ولكن سعر الحبوب فيها منخفض أيضا ”
و تابع :” نشهد مساحات أقل أو منطقة مخصصة لهذه المحاصيل في أوكرانيا ، مما يعني ، حسبما هو محتمل أن يكون الشعور بالتأثير الأكبر لها في هذا العام ، من أساسيات العرض والطلب مقارنة بالعام الماضي “.
وسوف تحتاج أوكرانيا لتعويض خسائرها في مكان آخر بمرور الوقت ، مثل روسيا نفسها ، ولكن مع تكريز أكبر على الولايات المتحدة و البرازيل و الأرجنتين.
وتشير الأرقام الواردة من منظمة الأغذية و الزراعة بالأمم المتحدة أن ما بين 20 إلى 30 % من مساحة الفدادين المخصصة لمحاصيل القمح الشتوية التي زرعت في أوكرانيا العام الماضي ، لن يتم حصدها هذا الصيف بسبب عدم توافر الوقود .
وقال رئيس قسم السلع في أمريكا بمؤسسة الأبحاث “ستي ” أكاش دوشي إن حصاد الحبوب والصادرات هذا العام قد ينخفض إلى النصف عن مستويات ما قبل الحرب جيث كان لدى أوكرانيا محصول ذرة وافير ، يقدر بـ 42 مليون طن متري في عام 2021 ، وفقا ، لأرقام “سيتي ” للأبحاث ، بينما يقدر البنك أن هذا الرقم سينخفض إلى ما بين 21 و 22 مليون طن في 2023/24.
وأضاف “دوشي بأنه فيما يتعلق بالقمح ، فإن محصول 2021 كان 33 مليون طن متري ، وفقا لـ”سيتي ” حيث تتراوح الكمية هذا العام ما بين 16- 17 مليون طن متري وفقا لتوقع مؤسسة الأبحاث .
وتسبب انخفاض الأسعار في اندلاع احتجاجات بين الفلاحين البولنديين إلى جانب استقالة وزير الزراعة البولندي هنريك كوالسزيك ، هذا الشهر .
بنما قال خلفه روبرت تيلوس في 7 أبريل ، إن صادرات الحبوب من أوكرانيا إلى بولندا سوف يتم تحجيمها و تتوقف في الوقت الراهن .
وعلى المدى الأطول ، يرى دوشي أن هناك فرص لصادرات الحبوب من شمال وجنوب أمريكا إلى الشرق الأوسط و شمال أفريقيا و آسيا ، وفي حالة ما إذا كانت المحاصيل جيدة ، فإنها ستكون هناك فرص لتصديرها من أستراليا إلى شرق آسيا .
وأكد المحلل الزراعي “وايتلو” أن السوق يميل إلى التحول ، بما فيه السوق الروسي ، وسوف يتعين تغير التدفقات التجارية و أنه ليس هناك أماكن كثير تستطيع الحصول منها على كميات كبيرة من الحبوب للاستعاضة عن الكميات التي كانت تقدمها روسيا ، لذا فإن الكميات تنخفض في واقع الأمر ، لدول أمريكا الجنوبية و الولايات المتحدة و أجزاء من أوروبا و أستراليا .
و ساهمت الحرب في أوكرانيا في ارتفاع أسعار الأغذية ، مع تضخم يزيد على 5% في أكثرمن 80 % من الدول ذات الدخل المنخفض ، وفقا لأرقام البنك الدولي .
ولكن بينما كان للقيود على الصادرات من أوكرانيا له تأثير على أسعار الأغذية ، إلا أن تكاليف ارتفاع الطاقة و الأسمدة من المرجح أن يكون لها تأثير أكبر ، وفقا للدراسة التي أجراها فريق جامعة إدينبرا ، والذي قاده بيتر أليكساندر ، ونشرت في فبراير الماضي .
وتشير الدراسة لى أنه سوف تكون هناك وفيات إضافة تصل إلى مليون حالة في الشرق الأوسط و إفريقيا جنوب الصحراء و شمال إفريقيا ، إذا ظل ارتفاع أسعار الأسمدة سائدا هذا العام .
و قال إليكساندر ، وهو محاضر بارز بأكاديمية الزراعة و الأنظمة الغذائية التابعة للجامعة ، إنه على المدى الأطول ، فإن الصورة معقدة ، و التغيرات المناخية التي تتسبب في طقس “متطرف وقاس ” ،تعمل على إتلاف النظام الغذائي ، ولكن كيفية تطور هذا الأمر غير واضحة ، مضيفا أن تأثير الطقس المتطرف في المستقبل و الجفاف و الحرارة و الفيضان ، غير مفهوم جيدا في حقيقة الأمر .
وتابع :” أن الخطر الرئيسي يكمن في توقف انتاج الحبوب في عدد من المناطق على الفور ، والذي يطلق عليه مصطلح ” فشل سلة الخبز المتعدد ” ، فهناك إمكانية أن نرى ذلك النموذج من الإحداث في المستقبل ، والذي يمكن أن يكون له ع واقب سلبية حقيقة على أعداد كبيرة من الناس .
وفي فبراير الماضي ، قامت أسواق السوبر ماركت البريطانية بتحجيم مشتريات الزبائن لأنواع معينة من الفواكة و الخضروات الطازجة بسبب نقصها .
وهناك عوامل تؤثر على السعر و توافر السلع و الطعام بشكل عام ، وهي كثير ومتنوعة فالطقس السيئ في المغرب و إسبانيا كان محل اللوم بسبب نقص الفاكهة و الخضروات في المملكة المتحدة في فبراير الماضي ، ولكن تم الاستناد إلى بحث إضافي أرجع الأمر إلى “البريكست ” إلى جانب ارتفاع أسعار الطاقة .
أساليب الوقابة من نقص الغذاء حول العالم ليست مباشرة ومستقيمة ، حسب إليكساندر ، الذي أوضع أن هناك ” أقاويل متنافسة ” فعلى سبيل المثال فإن تمركز سلاسل الغذاء محليا قد لا يساعد كحل، مشيرا أن السبب في أننا لدينة نظام غذائي يتسم بصفة العالمية ، و السبب في أن الغذاء صار أرخص على مدار العقود الماضية ، هو أننا لدينا ميزة تنافسية ، مما يعني أننا ننتج الغذاء ، في المكان الذي يكون الأسهل إنتاجا ، وفي المكان الذي يكون فيه أسعار المدخلات وتكاليفها هي الأقل ، فإذا بدأنا في إعادة كل شيئ ليكون محليا ، فإن ذلك سيكون في حقيقة الأمر نظاما غذائيا أقل كفاءة .
وأشار أنه على سبيل المثال ، إننا في المملكة المتحدة لدينا اكتفاء ذاتي في القمح ، ولكننا لانزال خاضعين للسوق العالمية فيما يتعلق بأسعار القمح .
ولفت إلى أن أسعار الغذاء المرتفعة ، ليست بالضرورة شيئا سيئا ، فبدلا من محاولة الحفاظ على أسعار الغذاء المنخفضة بشكل مصطنع ، أو أسعار الغذاء التي لا تعكس جميع التكاليف ، فإنه ربما يمكننا أن نصنع أغذية صحية أكثر وتتسم بمزيد من الاستدامة ، وبوسعنا أن ندعمها للجميع .
وأوضح إلى أن تخفيض استهلاك اللحوم في الدول المتقدمة قد يكون أحد الخيارات ، قائلا :” نحتاج إلى نظام غذائي أكثر عدلا و كفاءة ، والذي يشمل على الأرجح جدا تغيرا غذائيا من المنظور الغربي ”
وهناك جدل آخر حول كمية الحبوب التي ينبغي استخدامها من أجل الوقود الحيوي في مقابل الإمدادات الغذائية ، ففي مجال الوقود الحيوي ، تستخدم الحبوب لإنتاج الإيثانول ، والذي يمتم مزجه بالجازولين للحد من الانبعاثات الضارة .
إن خفض الحبوب المستخدمة في إنتاج الإيثانول بنسبة 50% في الولايات المتحدة و أوروبا من شأنه أن يعوض عن جميع الصادرات الأوكرانية المفقودة في القمح والذرة و الشعير، وفقا لمنشور لشركة الأبحاث “ورلد ريسورسز” نشرته في أول أبريل 2022 ، أي بعد خمسة أسابيع من غزو روسيا لأوكرانيا .
وفي هذا الصدد قال المحلل وايتلو :” لا يزال لدينا كميات كبيرة من الحبوب حول العالم ، والتي لا تستخدم كغذاء ، بل في عملياتنا الصناعية و الإيثانول و الديزل الحيوي ، وما شابه من منتاجات ، و من ثم أتوقع أننا سنرى الميزد من الجدل في العامين المقبلين .