د محمد فتح الله يكتب: إحتفالا باليوم العالمي للنحل…من هم «حراس النحل» وحماة الحضارة؟
رئيس قسم بحوث النحل – معهد بحوث وقاية النباتات – مركز البحوث الزراعية- زميل كلية الدفاع الوطني – أكاديمية ناصر العسكرية العليا
تولي القيادة السياسية اهتماما كبيرا لكل قطاعات الدولة انطلاقا من إرادتها القوية في سبيل بناء الجمهورية الجديدة، وذلك لوضع مصر في مصاف الدول الكبرى.
أهم هذه القطاعات هو القطاع الزراعي لما يلعبه من دور هام في الاقتصاد القومي، حيث يسهم بنسبة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي، بالإضافة إلى الصادرات من السلع والمنتجات الزراعية.
وفي سبيل تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء وزيادة الصادرات، فقد أطلق السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي المشروع القومي لاستصلاح وزراعة مليون ونصف المليون فدان، ومشروع الدلتا الجديدة بالإضافة إلى مشروع 100 ألف صوبة زراعية، إيمانا من سيادته بالدور الهام الذي يلعبه القطاع الزراعي كأحد الركائز الهامة في تحقيق متطلبات الأمن القومي المصري، ولا يتأتى ذلك بدون النهوض بنحل العسل، ذلك الجندي المجهول الذي هو عصب القطاع الزراعي.
النحل والتنمية المستدامة
وتعرف التنمية المستدامة بأنها هي التنمية التي تلبي حاجات ورفاهية الحاضر دون المساس بقدرات الأجيال المقبلة، ولها خمسة مجالات وهي الماء، الطاقة، الزراعة، التنوع الحيوي، والصحة. فنجد أن نحل العسل يرتبط بثلاثة مجالات وهي الصحة والزراعة والتنوع الحيوي. لقد وضعت الأمم المتحدة سبعة عشر هدفا من الأهداف الإنمائية لتحقيق التنمية المستدامة، منها 8 أهداف يساهم نحل العسل تحقيقها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وهي كما يلي:
- القضاء على الفقر، وتلعب تربية نحل العسل دورا كبيرا لتحيق ذلك، حيث تعد أحد المشاريع الصغيرة للتشغيل والقضاء على البطالة وزيادة الدخل وتحسين المعيشة، كما أن هناك الكثير من الصناعات المغذية والقائمة على تربية نحل العسل والتي تستوعب العديد من الأيدي العاملة.
- القضاء على الجوع وتوفير الأمن الغذائي وتحسين التغذية وتعزيز الزراعة المستدامة، حيث يمثل نحل العسل حوالي 67 ٪ من مجموع الملقحات وتساهم في الإنتاجية الزراعية ما قيمته 35% من الإنتاج الزراعي أو الغذاء العالمي، وهناك بعض المحاصيل مثل عباد الشمس لا تعطي إنتاجية في حالة عدم وجود نحل بالقرب منها، وعباد الشمس من المحاصيل الزيتية الهامة وتعاني مصر من فجوة غذائية كبيرة من الزيوت. وتمثل القيمة المضافة للنحل في مجال تلقيح المحاصيل أكثر من 20 ضعف العائد من إنتاج العسل، وبدون النحل سيكون من المستحيل على الفاو تحقيق هدفها الرئيسي وهو القضاء على الجوع في العالم.
- ضمان تمتع جميع الأفراد بأنماط المعيشة الصحية، فنجد أن منتجات النحل غذاء ودواء بالإضافة إلى تحسين التغذية لمساهمته في القطاع الزراعي ومردود ذلك على الصحة العامة ورفع المناعة لمواجهة الأوبئة.
- تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة في المجتمع، حيث يتم اشراك النساء الريفيات والمرأة المعيلة في هذا القطاع بهدف تنويع مصادر الدخل وزيادة دخل الأسرة وتحسين المستوى الاقتصادي والمعيشي.
- تعزيز النمو الاقتصادي المتزايد والشامل والمستدام، يلعب القطاع الزراعي دورا هاما في الاقتصاد القومي.
القيمة الإقتصادية لصناعة النحل وإنتاج العسل
- في مصر يسهم بحوالي 14% من الناتج المحلي الإجمالي، بالإضافة إلى حوالي 20% من إجمالي الصادرات تتمثل في السلع والمنتجات الزراعية.
- نحل العسل يؤثر في زيادة إنتاجية وجودة بعض المحاصيل التصديرية الهامة مثل الموالح والفراولة، والتي تحتل مصر المراكز الأولى عالميا في تصديرها.
- تعمل تربية النجل على زيادة صفات الجودة في المحاصيل والمنتجات الزراعية والغذائية لها وانتظام شكل ثمار الفراولة وزيادة عمرها وتحملها للشحن لمسافات بعيدة، وهو ما يؤدي إلى تحسين الجودة للمحاصيل خاصة الفاكهة وزيادة مدة الصلاحية والقيمة التسويقية والتصديرية والقدرة التنافسية لها وفتح أسواق جديدة.
- تعزيز وضمان وجود أنماط إنتاج واستهلاك مستدامه، تعتبر مشاريع نحل العسل من المشاريع الزراعية الناجحة، لأنها من المشاريع منخفضة التكاليف ولا تحتاج إلى رأس مال كبير، وذات عائد عالي، وسرعة المردود والعائد الناتج منها، بالإضافة إلى سرعة دورة رأس المال، مع الحفاظ على الطوائف وزيادة عددها.
- اتخاذ إجراءات عاجله وسريعة للتصدي للتغيرات المناخية ومجابهة آثارها.
- يساهم النحل في ذلك بالحفاظ على الغطاء النباتي والرقعة الزراعية.
- تقليل ظاهرة التصحر مما يؤدي إلى الحد من انبعاث ثاني أكسيد الكربون وزيادة إنتاج الأكسجين.
- الحد من ارتفاع درجات الحرارة، ومردود كل ذلك على خفض التأثيرات السلبية للتغيرات المناخية مما يلعب دورا هاما في التنمية المستدامة.
- حماية النظم الإيكولوجية البرية وصيانتها وتعزيز استخدامها على نحو مستدام، ومكافحة التصحر ووقف تدهور الأرض وعكس مساره وإدارة الغابات على نحو مستدام، والعمل على وقف فقدان التنوع الحيوي.
- النحل يسهم بنسبة ليست بالقليلة في إنتاجية المحاصيل الزراعية على تنوعها واختلافها.
- يعمل النحل على زيادة التنوع الحيوي، والمساعدة في عمليات التحسين الوراثي.
- له دور في المحافظة على التنوع الحيوي للنباتات البرية، وذلك في ظل انخفاض تعداد الحشرات البرية الملقحة. كما يعد النحل مؤشرا للأوضاع البيئة في أي منطقة، علاوة على دوره في مكافحة ظاهرة التصحر لحفاظه على الغطاء النباتي والحد من الارتفاع المستمر لدرجات الحرارة.
لماذا يتم الإحتفال باليوم العالمي للنحل يوم 20 مايو من كل عام؟
- قدمت جمهورية سلوفينيا، في المؤتمر الإقليمي لأوروبا لمنظمة الأغذية والزراعة (FAO) التابعة للأمم المتحدة في عام 2016، اقتراحا للاحتفال بيوم النحل العالمي في 20 مايو من كل عام، وهو يوم ميلاد رائد تربية النحل الحديثة أنطون جانسا، والذي ولد في 20 مايو 1734 في قرية بريزنيكا بسلوفينيا، والذي ينحدر من أسرة عريقة في تربية النحل، وقام بالكثير من الممارسات الجيدة والسليمة في تربية النحل وتأهيله، وأصبح أشهر مربي النحل في أوروبا والعالم، وأصبح مؤسس ورائد تربية النحل الحديثة.
- اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة في جلستها العامة رقم 74 المنعقدة في 20 ديسمبر 2017، القرار رقم A/RESl72/211، والذي يقضي بإعلان يوم 20 مايو يوما عالميا للنحل، وذلك للدور والمساهمة الأساسيين للنحل والملقحات الأخرى فيما يتعلق بالإنتاج المستدام للأغذية، وبما يعزز الأمن الغذائي العالمي، والتخفيف من وطأة الفقر، والقضاء على الجوع، وتعزيز صحة الإنسان.
- مساهمة النحل والملقحات في خدمة وسلامة النظم البيئية، من خلال الحفاظ على التنوع الحيوي والوراثي.
- الهدف من إعلان اليوم العالمي للنحل، هو تعزيز التدابير الرامية إلى حماية النحل والملقحات الأخرى، مما سيسهم بالمساعدة في حل المشاكل المتعلقة بإمدادات الغذاء العالمية والقضاء على الجوع وبصفة خاصة في البلدان النامية.
- بحسب منظمة الفاو، تعتبر صناعة نحل العسل من أهم القطاعات الحيوية في الاقتصاد العالمي لأهميته لقطاع الزراعة، إذ أن نحل العسل يسهم بحوالي ثلث الغذاء العالمي نتيجة لتلقيح المحاصيل الزراعية.
- تعد تربية نحل العسل إحدى المهن الزراعية الرئيسية في الكثير من بلدان العالم ولا تقتصر أهمية نحل العسل على منتجاته التي نحصل عليها من طوائفه وحسب (والتي تصنف وتستخدم كدواء وغذاء) بل تمتد لتشمل الحفاظ على حياة البشرية. وترجع أهمية قطاع تربية النحل في الاقتصاد العالمي والأمن الغذائي الدولي، إلى أنه يساهم في تلقيح ما يزيد عن 85% من الأنواع النباتية أي أنه يسهم بنسبة ليست بالقليلة في إنتاجية المحاصيل الزراعية على تنوعها واختلافها، ويعمل على الحفاظ على التنوع الحيوي للأنواع النباتية. ولا أكون مبالغا حينما أقول بأن النحل يعني الحياة على سطح الكره الأرضية وهو ما خلصت إليه الجمعية الجغرافية الملكية البريطانية بإعلانها أن النحل هو أهم كائن حي على سطح كوكب الأرض.
تربية النحل والتاريخ المصري
منذ فجر التاريخ والحضارة المصرية تشرق بعلومها المختلفة، وازدهرت الزراعة لوجود النهر الخالد فكانت مصر خزائن الأرض. ومثلما كان المصري القديم رائدا ومعلما للبشرية في شتى مناحي الحياة، فقد كان أول من قام باستئناس نحل العسل وتربيته في خلايا طينية قام بصناعتها له والمعروفة بالخلايا البلدية، كما كان أول من قام بعملية النحالة المرتحلة سعيا وراء المرعى، وقام بتربية سلالة النحل المصري أو ما يطلق عليه بالنحل الفرعوني، والتي هي أصل السلالات العالمية، وليس أدل على ذلك من أن مصر هي الدولة الوحيدة في العالم التي يوجد بها توثيق كامل لكل عمليات النحالة وذلك على جدران المعابد في الدير البحري بالبر الغربي بالأقصر.
وتمتلك مصر من الفرص والمرتكزات التي يجب تعظيمها، والتي من أهمها الكوادر البشرية والمتمثلة في العلماء والباحثين بقسم بحوث النحل بمعهد بحوث وقاية النباتات، أحد المعاهد التابعة لمركز البحوث الزراعية قلعة البحث العلمي الزراعي في مصر والشرق الأوسط، والعلماء والباحثين بالجامعات والمراكز البحثية الأخرى، والأخصائيين والفنيين والنحالين.
هناك الكثير من الاستثمارات في مجال تربية النحل وتتنوع بداية من عمليات تربية النحل والإنتاج والتعبئة والتسويق ومستلزمات الإنتاج والتصدير، ويوجد في مصر أكثر من 2 مليون طائفة نحل.
وتعتبر مشاريع نحل العسل من المشاريع الزراعية الناجحة، والتي تساعد في خلق فرص عمل وخفض نسب البطالة، حيث أنها من المشاريع منخفضة التكاليف ولا تحتاج إلى رأس مال كبير، وذات عائد عالي، وسرعة المردود والعائد الناتج منها، بالإضافة إلى سرعة دورة رأس المال المستخدم في هذا المشروع مما يمكّن من استرداد رأس المال المستخدم خلال عامين على الأكثر، مع الاحتفاظ بالمشروع والطوائف والأدوات المستخدمة، بل وزيادة في عدد الطوائف.
العمل في مشروع تربية نحل العسل لا يحتاج إلى مجهود كبير أو وقت طويل ولا يتطلب تفرغا كاملا، وهو ما يكسبه ميزة كبيرة وهي ممارسة هذه المهنة بالإضافة إلى مهن أو أنشطة أخرى.
كما تمتاز مصر بإنتاج بعض الأعسال ذات الجودة العالية مثل أعسال النباتات الطبية (الشمر والينسون والبردقوش) والسدر من محافظات الصعيد، وعسل الموالح من الوجه البحري.
بالإضافة إلى أن مصر تحتل المركز الأول عالميا في تصدير طرود النحل بنسبة تزيد عن 25% من إجمالي صادرات العالم، وهو ما يعطي صناعة نحل العسل في مصر الميزة النسبية والقدرة التنافسية في السوق العالمي، خاصة في منطقة الخليج العربي. كما يتميز الجو والمراعي المتنوعة بملائمتها لتربية ونشاط النحل معظم أوقات العام.
يعتبر قطاع نحل العسل في مصر من القطاعات الحيوية، وبالرغم من تحقيق هذا القطاع تقدما في مصر بالنسبة للعديد من دول العالم، إلا أننا نطمح في تحقيق المزيد من النجاح والنهوض لقطاع تربية نحل العسل وزيادة مساهمته في القطاع الزراعي وكذلك زيادة مساهمته في الصادرات المصرية.
تحديات صناعة النحل وإنتاج العسل في مصر
- التغيرات المناخية والتي تؤثر بصورة مباشرة على النحل نفسه وصورة غير مباشرة على النباتات.
- ارتفاع تكاليف ومستلزمات الإنتاج مقارنة بأسعار المنتجات والتي لا تزيد بمقدار الزيادة في التكاليف.
- الاستخدام غير الرشيد للمبيدات الزراعية.
- الآفات التي تهاجم النحل وأهمها دبور البلح والوروار، بالإضافة إلى الأمراض والطفيليات التي تصيب نحل العسل.
- عدم التوزيع المناسب لطوائف نحل العسل مع المساحات المنزرعة من نباتات المرعى لنحل العسل.
- تعرض سلالة النحل المصري (النحل الفرعوني) لخطر الانقراض والتي تمتاز ببعض الصفات الجيدة ومن أهمها تحمل الإصابة بالأمراض.
- ضعف الرقابة على أسواق العسل.
وفي إطار توجهات وزارة الزراعة للعمل على النهوض بكل قطاعات الزراعة، فإن قسم بحوث النحل يواكب المستجدات المحلية والدولية فيما يتعلق بالمشاكل والتحديات الت تتعرض لها صناعة نحل العسل، والعمل على حلها والتغلب عليها بأبحاث علمية تطبيقية يكون لها المردود الإيجابي للنهوض بهذه الصناعة الحيوية.
ويقوم قسم بحوث النحل من خلال السياسة العامة لوزارة الزراعة بدور إرشادي على كافة المستويات، حيث يقوم بعقد الندوات الإرشادية والدورات التدريبية على مستوى الجمهورية، سواء لصغار النحالين أو كبار النحالين وذلك لصقل مهاراتهم وتدريبهم على الأساليب السليمة والحديثة في تربية النحل، لتعظيم الإنتاجية والعائد من مشاريع تربية النحل، والحصول على منتجات جيدة ومطابقة للمواصفات وبما يعزز من القدرة التنافسية على التسويق والتصدير للخارج.
كما يقوم قسم بحوث النحل بعقد دورات تدريبية للشباب والخريجين لتدريبهم على إنشاء وإدارة المناحل، مما يقلل من نسب البطالة ويزيد من فرص العمل ويعمل على تحسين الدخل ورفع مستوى المعيشة، وبصفة خاصة للأسر الفقيرة والمرأة المعيلة، وهو ما يتسق مع المبادرة الرئاسية حياة كريمة. كما وافق معالي السيد وزير الزراعة واستصلاح الأراضي على إطلاق مشروع قومي للحفاظ على سلالة النحل المصري (النحل الفرعوني)، والذي سيقوم بتنفيذه قسم بحوث النحل، وبالتعاون مع بعض الجهات الأخرى.
وأخيرا لا بد من أن نتشارك جميعا اليوم المسئولية مخلصين لله مؤمنين بدورنا ورسالتنا تجاه وطننا واضعين نصب أعيننا نحل العسل تلك الحشرة المعجزة التي كرمها المولى عز وجل لنكون وبحق حراس النحل حماة الحضارة والحياة.