حقيقة الأمراض الفيروسية المعدية الهامة واستراتيجيات تطبيق النانوتكنولوجى في التشخيص والعلاج والسيطرة عليها
بقلم اد جميل زيدان – أستاذ الفيروسات والامراض المعدية –المركز القومي للبحوث
أ د م: عبير مصطفى عبد الحميد – استاذ مساعد الامراض المعدية – المركز القومي للبحوث
عجائب الكون كثيرة، ومعجزات الخالق أكثر وأكثر، بل هي لا تعد ولا تحصى. وتمثل الفيروسات إحدى أبلغ هذه المعجزات، حيث تتجلى معالم قدرة وعظمة الخالق في بساطة تركيب هذا المخلوق وفي قدرته رغم هذه البساطة على التنقل والتطور وعلى الفعل والتأثير.
فهذا المخلوق، الذي قد لا يزيد حجمه على 50 ميكرون، أي أقل من سمك شعرة الرأس أو صفحة كتاب، يستطيع إصابة الإنسان والحيوان والنبات بمئات بل آلاف الأمراض، وبعض منها فتاك ويؤدي حتما إلى الوفاة. ونفس هذا المخلوق، لا يمكن للحياة أن تستمر بدونه، إذ يعزى إليه وإلى غيره من الكائنات الأخرى الدقيقة الفضل في تحلل أجساد الموتى، واستمرار -بالتالي- دورة الحياة على وتيرتها الحالية.
لا تزال الامراض الفيروسية تشكل تحديًا كبيرًا فهى تهدد حياة الحيوانات، وذلك بسبب ارتفاع معدلات الإصابة والوفيات في جميع أنحاء العالم.
مخاطر الأمراض الفيروسية
تعتبر الأمراض الفيروسية المعدية من أهم التهديدات لحياة وصحة الحيوان والانسان, بالاضافة الى تأثيرها الاجتماعي والاقتصادي السلبى كنتيجة للانتشار الوبائى السريع وزيادة الوفيات في جميع أنحاء العالم ، على الرغم من التقدم في مجال التحصين واللقاحات والأدوية المضادة للفيروسات، إلا أنه لا يزال هناك نقص في فعالية اللقاحات الوقائية، ولا يزال الاستخدام الفعال للأدوية المضادة للفيروسات سواء في الطب البشري والبيطري محدودًا مقارنة بالعوامل المضادة للميكروبات، وذلك بسبب العديد من العوامل، وإلى التكاليف الباهظة، وايضا لغياب الاستراتجيات الفعالة وأنظمة المراقبة الفورية للسيطرة و التحكم فيها.
وتشمل مخاطرالسيطرة و التحكم فى الامراض الفيروسية المعدية ,قلة عدد الادوية المضاده للفيروسات ، وظهور الفيروسات المضادة للادوية كنتيجة لحدوث الطفرات بنسب عالية ، وبقيا الأدوية في اللحوم والأعلاف التى تودى الى زيادة حدوث الطفرات فى الفيروسات المقاومة للادوية بالإضافة الى محدودية التشخيص المعملى الفعال وغير الدقيق فى الحيوانات ، والذى يستغرق احيانا وقتًا طويلاً مما يحد من السيطرة على الأمراض.
وعلى الرغم من وجود الاختبارات الجزيئة الحديثة والتى تعتبر من اهم الاختبارات التشخيصية فى العصر الحديث؛ التى تجمع بين ميزات متعددة كالسرعة والكفاءة فى الكشف عن مسببات الأمراض الفيروسية ، والتى أحدثت ثورة علمية في مجال التشخيص المعملى ولكن لديها بعض السلبيات مثل التكلفة العالية مما أدى الى الحد من استخدامه على نطاق واسع, أدى الى وجود فجوات في أنظمة مكافحة الأمراض الفيروسية والذى ساهم في زيادة تفشي الأمراض الوبائية فى العالم.
تطوير منظومة توفير اللقاحات والأدوية
هناك حاجة إلى تحسين جهود البحث والتطوير لتوفير لقاحات وأدوية أكثر فعالية وتطوير طرق تشخيص أكثر دقة وسرعة. كما أنه من المهم تعزيز أنظمة المراقبة والتحكم في الأمراض الفيروسية المعدية لمنع انتشارها ومكافحتها. ولذلك، فإن التشخيص المبكر والسريع للأمراض الفيروسية أمر ضروري جدا وحيوي لتحديد استراتيجية السيطرة والعلاج لمختلف أشكال الفيروسات.
لا يزال تطبيق الأساليب المصلية المتقدمة يواجه بعض القيود، بما في ذلك الممارسات الاستهلكية والوقت والجهد بالإضافة الى النتائج الإيجابية الكاذبة. ومشكلة الوقت المتاخر الذى يتم الكشف عن معظم الاستجابات المناعية بعد الإصابة الفيروسية الأولية؛ وذلك لا يفيد عادةً فى العلاج الفيروسي.
وعلى الرغم من تطوير التقنيات الجزيئية مثل PCR تفاعل البلمرة المتسلسل ، ومصفوفات الحمض النووي الدقيقة LAMP وتسلسل الجينوم الكامل (WGS)، والتضخيم بوساطة النسخ (TMA)، وMALDI-TOF-MS، والتضخيم القائم على تسلسل الحمض النووي ( NASBA) يتم استخدامها على نطاق واسع لتشخيص الأمراض الفيروسية في العالم المتقدم، ولكنها لا تزال غير مستخدمة على نطاق واسع في معظم البلدان النامية، حيث وجود العدوى الفيروسية وارتفاع معدلات المراض والوفيات. تساهم الثغرات الموجودة في أنظمة الكشف الفيروسي حاليًا في زيادة حالات تفشي الأمراض الفيروسية.
لذلك، كانت هناك حاجة إلى أساليب تشخيصية وعلاجية جديدة بمرور الوقت لتحسين العلاجات الحالية أو إيجاد طريقة جديدة مكافحة العدوى .
تحتوي الجسيمات النانوية (NPs) على مجموعة واسعة من الجزيئات، مما يوفر مواد متعددة الوظائف لانتاج الأدوية المضادة للفيروسات، وتقنيات التشخيص الفيروسي، والتي أحدثت ثورة لتوفير حلول جديدة للعديد من المشكلات المتعلقة بالتشخيص والعلاج.
وكانت المحاولات الأولى لاستخدام جسيمات الذهب والفضية (AgNPs) المطبقة للكشف عن فيروس الورم الحليمي في سرطان خلايا عنق الرحم في عام 1990.
حل مشاكل تشخيص الأمراض الفيروسية
وفي الآونة الأخيرة، تم ربط المواد النانوية، بما في ذلك الجسيمات المعدنية، مثل، والفضة، وأنابيب الكربون النانوية، والسيليكا، والنقاط الكمية (QDs)، والبوليمرات العضوية بسطح الجزيئات الحيوية المختلفة ذات الأشكال المتعددة لتكون بمثابة مجسات متعددة التكافؤ، وتستخدم لبناء بصريات مختلفة. ، لها العديد من المزايا مقارنة بطرق التشخيص التقليدية والجزيئية.
تتميز هذه العمليات بالخصوصية، والحساسية العالية ، والاستقرار، وقدرات متعددة للكشف عن الفيروسات. التشخيص النانوي له دور أساسي في حل العديد من المشكلات التشخيصية المتعلقة بمكافحة الأمراض الفيروسية في المختبرات سواء في الانسان او الحيوان فمثلا في الحيوان مثل المجترات الكبيرة (الأبقار والجاموس والإبل) مثل فيروس مرض الحمى القلاعية (FMDV)، وأمراض الجلد العقدية (LSDV)، وفيروس الهربس البقري. (BoHV)، وفيروس حمى الوادي المتصدع (RVFV)، وفيروس الإسهال الفيروسي البقري (BVDV)، والفيروس التنفسي (RSV)، وكذلك في المجترات الصغيرة (الأغنام والماعز) مثل طاعون المجترات الصغيرة (PPRV)، والأغنام فيروسات الجدري وجدري الماعز (SPV؛ GTPV)، وفيروس اللسان الأزرق (BTV). أيضًا، في الخيول مثل فيروس أنفلونزا الخيول (EAV)، وفيروس الهربس الخيلي -1 (EHV-1)، وفيروس مرض الخيول الأفريقي (AHSV)، وفيروس التهاب الدماغ والنخاع الخيلي (EEV)، وفي أنواع متعددة مثل فيروس داء الكلب (RV)، و فيروس الأنفلونزا .
وتهدف الدرسات الحالية الى تسليط الضوء على استراتيجية تطبيق تكنولوجيا النانو لتشخيص الأمراض الفيروسية في الانسان او الحيوان لتحديد استراتيجية العلاج وتحديد مدى انتشار الأنماط المصلية للفيروسات المختلفة . كما تقدم حلولاً ثورية لأخطر المشاكل في تشخيص الأمراض الفيروسية، فهي تتمتع بخصائص فيزيائية فريدة مثل الشكل والحجم والشحنة السطحية والأبعاد لتطوير طرق تشخيص دقيقة وموثوقة وسريعة وآمنة وفعالة من حيث التكلفة وحساسة وبسيطة. .
تطوير المواد النانوية التي تستخدم لإنتاج أدوات تشخيص سريعة للتحكم الفعال في الأمراض الفيروسية، مثل النقاط الكمومية (QDs)، وجسيمات الذهب النانوية (AuNPs)، والجسيمات النانوية الفضية (AgNPs)، وأنابيب الكربون النانوية (CNTs)، وأسلاك السيليكون النانوية (SiNWs)، وجسيمات الجرافين النانوية. ، بالإضافة إلى البوليمرات العضوية المترافقة مع سطح NPs المختلفة التي تشكل جزيئات حيوية مناسبة للتشخيصات النانوية الجديدة مثل أجهزة الاستشعار الحيوية النانوية والمصفوفات الدقيقة و الرقائق الحيوية النانوية (Lab-on-a-Chip) وأجهزة الاستشعار الحيوية والمستشعرات الحيوية وتفاعل البلمرة المتسلسل المناعي (iPCR) والجسيمات النانوية الذهبية – تفاعل البوليميراز المتسلسل المناعي (GNP-iPCR)، والباركود الحيوي (BCA)، ورنين البلازمون السطحي الموضعي (LSPR)، بالإضافة إلى تطوير الأجسام المضادة الكيميائية (Aptamer) التي تستخدم لقياس الألوان المختلفة، والتألق، والكهروكيميائية، والجانبية.
إختبارات الكشف عن الأمراض
اختبار التدفق (LFT)، والذي يستخدم في اختبارات التشخيص السريع. تحتوي المواد المعتمدة على تقنية النانو على عدد غير محدود من الاختبارات التشخيصية البسيطة والسريعة ومنخفضة التكلفة مع الحساسية عند مستوى تركيزات منخفضة جد ، لها العديد من المزايا مقارنة بطرق التشخيص التقليدية والجزيئية، وحساسية عالية للإشارة، واستقرار، وقدرات مضاعفة بسيطة وسريعة وخالية من الملصقات وكمية وممتازة للكشف عن الفيروسات.
كما أصبحت حماية الأسطح عالية اللمس (المسامية وغير المسامية) من انتشار الفيروسات ذات أهمية بالغة تتطلب الممارسات والسياسات الحالية المراجعة والتنفيذ السريع للسياسات والإجراءات المنقحة. ويجب أن يؤخذ التطهير كنهج شمولي. بالإضافة إلى المطهرات المتوفرة تجاريًا المعتمدة على الكحول، يمكن دمج مركبات الأمونيوم الرباعية والألدهيد بشكل فعال في استراتيجية مزدوجة مع أسطح سبائك النحاس الصلبة لتقليل التلوث الميكروبي.
وبعض الإجراءات الواجب اتباعها مثل الالتزام بأجراء أبحاث موسعة لتطوير الأدوية المضادة للفيروسات لاستخدامها على الحيوانات من خلال زيادة طيفها وتخفيض تكلفة انتاجها والبحث عن مضادات فيروسات جديدة.
استخدام المواد النانو مترية للاستبدال وتحسين مضادات الفيروسات شائعة الاستخدام (الأدوية والمستخلصات النباتية الطبيعية والمنتجات الطبيعية)، استخدام التشخيص النانومتري السريع للكشف عن الأمراض الفيروسية واكتشاف جزيئات الحمض النووى في عينات الحيوانات المصابة عند مستوى تركيز منخفض كجزء من الميار من سم.
دمج تكنولوجيا النانو في المواد الكيميائية النباتية والمنتجات الطبيعية لتحسين وتعزيز قابليها للذوبان والتوافق البيولوجي والسلامة البيولوجية. تشجيع استخدام الاجسام النانومترية العضوية الطبيعية القابلة للتحلل بدلاً من NPs المعدنية.
استخدام لقاحات نانومترية مختلفة للوقاية من الأمراض الفيروسية ومكافحتها، فهي تحدث استجابات مناعية خلطيه قوية ومثبتة حراريًا لمدة قد تصل إلى 6 أشهر حتى 35 درجة مئوية. تشجيع استخدام مطهرات النانو الخضراء والمبيدات الحشرية ومبيدات القراد ومبيدات اليرقات ومبيدات الحشرات كاستراتيجية للوقاية والسيطرة على الأمراض الفيروسية. وأخيرًا، زيادة وعي المصريين بأهمية الكشف المبكر والفحص المنتظم للحيوانات المصابة في المناطق عالية الخطورة.
وأقرأ أيضا:
حقيقة الأمراض الفيروسية المعدية الهامة وإستراتيجيات تطبيق النانوتكنولوجى في التشخيص والعلاج