د عاصم عبدالمنعم يكتب: هل 1.5 درجة مئوية مجرد رقم أم نذير عواقب وخيمة؟
استاذ إقتصاديات التغيرات المناخية – المعمل المركزى للمناخ الزراعى- مركز البحوث الزراعية -مصر
لا صوت يعلو على صوت ارتفاع درجات الحرارة للكرة الأرضية فى الإجتماعات البيئية الدولية منذ نحو خمسة عقود، وفى خضم الأزمات الاقتصادية المتتالية لكثير من الدول الصناعية منها والغير صناعية، وفى ظل المسيرة المتواصلة لتغير المناخ ترتفع درجة حرارة الأرض بمعدل أسرع من أى وقت مضى، ومع ارتفاع درجات الحرارة ترتفع معها المخاطر التى تُهدد البشرية.
منذ ثمانينيات القرن الماضى كان كل عقد أكثر دفئًا من العقد السابق له، ليس هذا فحسب بل أن السنوات العشر الأكثر دفئًا فى السجل المُمتد على مدار 174 عامًا سُجلت خلال العقد الماضي (2014-2023). وكان العام الماضى هو الأكثر سخونة على الإطلاق، وقد يكون عام 2024 أكثر سخونة.
ومن الجدير بالذكر أن عام 2005 وهو أول عام يُسجل رقماً قياسياً جديداً في درجات الحرارة العالمية في القرن الحادي والعشرين أضحى جزءً من التاريخ وأصبح الآن العام الثانى عشر الأكثر دفئاً على الإطلاق، كما أن عام 2010 والذى تخطى عام 2005 فى ذلك الوقت فقد أصبح الآن العام الحادي عشر الأكثر دفئاً منذ عام 1850.
حقيقة إرتفاع درجة حرارة الأرض
وأصبحت متوسطات درجات الحرارة العالمية خلال الفترة من فبراير 2023 حتى يناير 2024 (12 شهر) هى أول فترة تتجاوز 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة بسبب التأثيرات المشتركة لتغير المناخ وظاهرة النينيو.
وعلى هذا ينبغي أن يُدق ناقوس الخطر بأننا نقترب بشكل خطير من نقاط التحول الطويلة الأجل، والواقع أن هناك احتمالًا بنسبة تتجاوز 80% بأن يَتخطى أحد الأعوام الخمسة المقبلة مؤقتًا عتبة 1.5 درجة مئوية ويحل محل عام 2023 باعتباره العام الأكثر سخونة على الإطلاق (1.18 درجة مئوية).
حرارة الأرض والتنوع البيولوجي
كما أن التقييمات والتقارير الصادرة عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ تحدد سيناريوهات مختلفة استناداً إلى أفعالنا وكل منها يرسم صورة واضحة للمستقبل، ففى حال الإستمرار على المسار الحالى (BAU) فإن العواقب ستكون وخيمة تَتَمثل فى مزيد من أحداث الطقس المتطرف فى كثير من البلدان، خسارة فادحة للتنوع البيولوجى وما يصاحبه من عدم توازن بيئي، مع تفاقم الأزمات الصحية والأمراض الناجمة عن زيادة الكوارث الطبيعية من حيث الشدة والتكرار الناجمة عن أحداث الطقس المتطرف وتصاعد الصراع حول الموارد المتناقصة.
ونستطيع القول بكل تأكيد أن 1.5 درجة مئوية ليس مجرد رقم بل هو نذير بعواقب وخيمة على كوكب الأرض والشعوب التى تقطنه، كما أنه دعوة واضحة لطموح أكبر فيما يتعلق بالمناخ.
الطريق لخفض الإنبعاثات علي كوكب الأرض
ومع ذلك إذا اجتمعت الدول وتحركت بشكل عاجل لخفض الانبعاثات على نطاق واسع فما زالت الفرصة سانحة للاستقرار عند مستوى 1.4 درجة مئوية بحلول نهاية القرن وضمان كوكب صالح للعيش للأجيال القادمة.
ولا يزال بوسعنا أن نحقق وعد تم إطلاقه منذ تسعة سنوات (اتفاق باريس) من خلال اتخاذ إجراءات عاجلة بما في ذلك الحد من انبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي من خلال التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري وحماية واستعادة التنوع البيولوجي والنظم الإيكولوجية الطبيعية وزيادة القدرة على الصمود. الخ مما اتفق عليه قادة دول الأرض.
الجدية في مواجهة مخاطر المناخ
فمن الجدير بالذكر أنه قد حان الآوان لترجمة النوايا الطيبة إلى أفعال لها قيمة ودور فى خفض الإنبعاثات، فالمساهمات المحددة وطنيًا (كل طرف في اتفاق باريس ملزم بوضع مساهمة محددة وطنيًا وتحديثها كل خمس سنوات) وهى تعهدات مناخية وطنية طموحة حددتها البلدان للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
وزيادة القدرة على التكيف مع تغير المناخ هى مجرد نوايا طيبة من القيادات السياسية تحتاج الى ترجمة فعلية على أرض الواقع بداية من الرصد الدقيق للمشكلة على حدة لكل دول وإصدار المساهمات الوطنية لكل دولة على حدة بدقة متناهية ودمجها فى خطط التنمية للقطاعات المختلفة للإقتصاد فى كل دولة وعدم التعامل معها على أنها مجرد تقارير ورقية مطلوب كتابتها ثم تظل حبيسة الإدراج.
ومما لاشك فيه أن بلدان الجنوب تحتاج إلى الكثير من المساعدة لأنها تعانى من الكثير من التأثيرات الأكثر شدة بطبيعة الحال على الرغم من أنها البلدان التي ساهمت بأقل قدر فى هذه القضية وهو الأمر الذى كثر الكلام عنه ولكن تنفيذه يستغرق عشرات بل مئات السنين.
وفى الأخير فالإرادة السياسة للدول مُجتمعة والمزيد من الالتزامات بدعم بعضنا البعض فى مجال التكيف وخاصةً بين العالم المتقدم والعالم النامى هى السبيل الوحيد للخروج من هذه الأزمة الصعبة.