بحوث ومنظماتتقاريرخدماتي

د ايمان السيد تكتب : اسرار الملونات الصناعية في طعامك اليومي

شهدت صناعة الأغذية تطوراً هائلاً في العقود الأخيرة وتزايد اعتماد الشركات على المواد المضافة الصناعية وعلى رأسها الملونات لتلبية رغبات المستهلكين في أطعمة جذابة بصرياً وطويلة الأمد.

ومع التقدم التكنولوجي وارتفاع معدلات الاستهلاك ظهرت تساؤلات ملحّة حول سلامة هذه الإضافات ومدى تأثيرها على صحة الإنسان على المدى القريب والبعيد. يتناول هذا المقال نشأة واستخدام الملونات الصناعية، أنواعها، دواعي استخدامها، آثارها الصحية، والإطار التنظيمي الذي يحكم استخدامها بالإضافة إلى التوجهات الحديثة نحو البدائل الطبيعية.

الخلفية التاريخية لاستخدام الملونات في الأغذية

لم يكن تلوين الطعام فكرة جديدة على البشرية بل يرجع إلى الحضارات القديمة مثل المصريين واليونانيين الذين استخدموا مستخلصات نباتية لتلوين الطعام والشراب إلا أن التحول الكبير بدأ مع الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر حيث ظهرت أولى الملونات الصناعية المستخلصة من قطران الفحم ثم تطورت لاحقاً باستخدام مشتقات البترول ومع دخول القرن العشرين انتشرت الملونات الصناعية بشكل واسع وأصبحت جزءاً من عملية التصنيع الغذائي الحديثة لكن مع هذا الانتشار ظهرت أولى حالات التسمم والمضاعفات الصحية مما دفع الحكومات إلى وضع أولى القوانين لتنظيم استخدامه

 أنواع الملونات الصناعية ومصادرها

تنقسم الملونات الصناعية إلى فئات رئيسية حسب تركيبها الكيميائي وألوانها

الملونات الآزوية (Azo dyes):تشمل التارترازين (E102)الأصفرالليموني، الأحمر Allura (E129)، والأصفر الغربي (E110).

وهي الأكثر استخدامًا وتتميز بثباتها العالي وتكلفتها المنخفضة إلا أنها مثيرة للجدل من الناحية الصحية.

الملونات التريافينية (Triphenylmethane dyes): مثل الأزرق البراق (E133) وهي أقل استخدامًا لكنها موجودة في الحلويات والمشروبات.

الملونات الزانثينية (Xanthene dyes): مثل الأحمر رقم 3 (E127)، وقد ارتبط ببعض المشكلات الصحية في التجارب الحيوانية.

الملونات المعدنية:مثل ثاني أكسيد التيتانيوم (E171)، تُستخدم كعامل تبييض، وقد أثيرت حوله مؤخرًا مخاوف تتعلق بالسرطنة.

 دوافع استخدام الملونات الصناعية

تلجأ الشركات إلى استخدام الملونات الصناعية و خصوصا في صناعة اللحوم المصنعة مثل اللانشون، السجق، المرتديلا، والنقانق، حيث تُستخدم بشكل رئيسي لتحسين المظهر الخارجي للمنتج وجعله أكثر جاذبية للمستهلك.

ومن أبرز الأدوار التي تؤديها:

تعزيز اللون الوردي أو الأحمر المميز: تستخدم ملونات مثل التارترازين (E102) أو الآزوروبين (E122) لمنح اللحوم المصنعة لونًا يوحي بالنضارة حتى لو كانت قد خضعت لعمليات معالجة حرارية أو تخزين طويل.

إخفاء التغيرات الناتجة عن المعالجة: أثناء المعالجة والتجميد، تفقد اللحوم لونها الطبيعي، وتساعد الملونات في إعادة لونها ليوحي بأنها طازجة أو ذات جودة عالية.

التناسق اللوني بين الدُفعات الإنتاجية: في الصناعات الكبرى، تستخدم الملونات لضمان تجانس لون المنتج النهائي مهما اختلفت مصادر المواد الخام.

إخفاء التغيرات التي تطرأ أثناء التخزين: فالمنتجات قد تفقد لونها بفعل الحرارة أو الضوء أو الأكسدة.

تحسين المظهر التجاري للمنتج: الألوان الزاهية ترتبط في ذهن المستهلك بالجودة والطعم المرغوب.

تمييز المنتجات المتشابهة:

مثل نكهات العصائر المختلفة.

تعويض نقص الألوان الطبيعية بسبب المعالجة الصناعية.

ومع ذلك، فإن هذه الدوافع تجارية بحتة، ولا تضيف قيمة غذائية أو صحية للمنتج.

تأثير الملونات الصناعية على سلامة الأغذية وصحة الإنسان

1. تأثيرها على سلامة الأغذية:

• تغيير الخصائص الأصلية للغذاء: قد تُستخدم لإخفاء فساد أو تدهور المنتج، مما يُضلل المستهلك.

• إمكانية التلوث أثناء الإنتاج: بعض الملونات قد تحتوي على شوائب أو ملوثات خطرة.

• التفاعل مع مكونات الطعام: قد تنتج مركبات ضارة بفعل التفاعلات الكيميائية.

• تأثيرات التخزين: الملونات قد تتحلل إلى مركبات سامة مع مرور الوقت أو بفعل الحرارة والضوء.

2. تأثيرها على صحة الإنسان:

• التحسس الغذائي: مثل الطفح الجلدي، الربو، أو الصداع.

• التأثيرات العصبية: منها فرط النشاط ونقص الانتباه لدى الأطفال.

• السُمية الكبدية والكلوية: التراكم قد يؤدي إلى أضرار بالأعضاء الحيوية.

• السرطان: بعض الملونات أظهرت خصائص مسرطنة في التجارب الحيوانية.

• ضعف المناعة والتأثيرات الجينية: تأثيرات محتملة خاصة بالاستهلاك طويل الأمد.

 التنظيم والرقابة الدولية والمحلية

تخضع الملونات الصناعية لرقابة مشددة في الدول المتقدمة، ومن أبرز الهيئات الرقابية:

– هيئة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA):تسمح باستخدام عدد محدد من الملونات، وتُلزم الشركات بإجراء دراسات أمان قبل الترخيص.

– الهيئة الأوروبية لسلامة الأغذية (EFSA):أكثر تشددًا من FDA، وتطلب تقييمًا دوريًا للمواد المصرح بها.

– منظمة الصحة العالمية (WHO):توصي بالحدود القصوى المقبولة للاستهلاك اليومي (ADI) لكل مادة ملوّنة.

– السلطات الوطنية (مثل هيئة سلامة الغذاء في مصر أو السعودية) تعتمد غالبًا على معايير دولية، لكنها قد تختلف في سرعة الاستجابة للمخاطر الجديدة.

 التوجهات نحو البدائل الطبيعية

مع تصاعد المخاوف الصحية وزيادة وعي المستهلك، بدأت شركات الغذاء تتجه تدريجيًا نحو استخدام الألوان الطبيعية.

وتشمل هذه البدائل:

• الكركم (كركمين:(أصفر.

• الشمندر: أحمر.

• السبيرولينا: أخضر مزرق.

• الكاروتينات من الجزر والطماطم: برتقالي وأصفر.

• الأناتو والبقدونس والأوراق الخضراء: لتعزيز ألوان خفيفة أو خضراء.

و لكن هذه البدائل تواجه تحديات منها

• ضعف الثبات الحراري.

• تأثر اللون مع الزمن.

• كلفة أعلى.

• الحاجة لتقنيات حفظ متقدمة.

ورغم هذه التحديات، إلا أن الضغط الشعبي خاصة من خلال حملات المستهلكين يجبر الشركات الكبرى على التحول نحو بدائل أكثر أمانًا.

و ختاما لقد ساهمت الملونات الصناعية في تطوير صناعة الأغذية الحديثة إلا أن الإفراط في استخدامها دون رقابة صارمة يحمل مخاطر صحية متعددة.

وتشير الأدلة العلمية إلى ضرورة توخي الحذر لا سيما مع الأطفال والمصابين بالحساسيات المزمنة.

التوصيات:

1. تشديد الرقابة من قبل الحكومات، وتحديث اللوائح بناءً على أحدث الأبحاث.

2. تحفيز الصناعة للتحول إلى الملونات الطبيعية، عبر دعم البحث والتطوير.

3. نشر التوعية الغذائية بين المستهلكين، وقراءة الملصقات الغذائية قبل الشراء.

4. تشجيع الأهل على الحد من استهلاك الأطفال للحلويات والمشروبات الصناعية.

إن تحقيق التوازن بين سلامة الغذاء والتقدم الصناعي يتطلب شراكة حقيقية بين المستهلك، المصنع، والجهات الرقابية.

ويبقى الهدف النهائي هو تقديم غذاء آمن، صحي، وجذاب دون تعريض الإنسان لمخاطر صحية قد تكون كارثية على المدى الطويل.

عن كاتب المقال :

ايمان السيد محمد الخواجة

باحث اول صحة اغذية

معمل المنصورة الفرعي

معهد بحوث الصحة الحيوانية

 

ندى خليل

صحفية مهتمة بالشئون الزراعية والاقتصادية وعملت في تغطية فاعليات زراعية محلية ودولية، وأسعى لتقديم المعلومات بشفافية تامة لتصل بوضوح إلى الباحثين عنها.
زر الذهاب إلى الأعلى