د علي إسماعيل يكتب: أزمة الغذاء العالمية…تحديات متراكمة ومخاوف متصاعدة

استاذ ادارة الاراضي والمياه – مركز البحوث الزراعية… مصر
تُعدّ أزمة الغذاء العالمية من أخطر التحديات التي تواجه البشرية في القرن الحادي والعشرين، فهي ليست مجرد نقص في الإنتاج، بل هي نتيجة تفاعل معقد لعدة عوامل متداخلة، بعضها طبيعي والآخر بشري، ما يهدد الأمن الغذائي لملايين البشر حول العالم.
تُشير تقارير منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) وبرنامج الأغذية العالمي إلى أن الصراعات، والاضطرابات الاقتصادية، والتغيرات المناخية، هي المحركات الرئيسية لانعدام الأمن الغذائي الحاد، الذي يهدد حياة الملايين.
ولحل هذه الازمة لابد من تضافر الجهود المتواصلة من خلال جهودًا دولية منسقة. فالحلول الفردية لن تكون كافية. يجب على المجتمع الدولي أن يعمل معًا لمعالجة الأسباب الجذرية للأزمة، مثل التغيرات المناخية، والتصحر، والصراعات، وذلك من خلال الاستثمار في الزراعة المستدامة، وتعزيز سلاسل الإمداد، وضمان الوصول العادل للغذاء للجميع.
وتواجه البشرية في العقدين الأخيرين واحدة من أخطر الأزمات التي تهدد الأمن والاستقرار العالمي:
أزمة الغذاء. تتفاقم هذه الأزمة نتيجة تداخل مجموعة من العوامل، من بينها التغيرات المناخية، الصراعات الجيوسياسية، سوء إدارة الموارد، وتنامي الطلب العالمي. ويزداد القلق في ظل تراجع بعض المؤشرات الزراعية العالمية، والاعتماد الكبير لدول كثيرة على الواردات من عدد محدود من الدول وسوف نستعرض مجموعة محاور تظهر الموضوع بصورة أكثر وضوحا للقارئ نستوضحها كالتالي :
أولًا: حجم الإنتاج العالمي من السلع الاستراتيجية
تتركز السلع الغذائية الاستراتيجية عالميًا في القمح، الأرز، الذرة، وفول الصويا، والتي تمثل الأساس الغذائي لمليارات البشر، إضافة إلى السكر، الزيوت النباتية، واللحوم.
القمح: بلغ الإنتاج العالمي لعام 2024 نحو 785 مليون طن، تتصدره الصين والهند وروسيا.
الذرة: نحو 1.2 مليار طن سنويًا، مع هيمنة الولايات المتحدة بنسبة تفوق 30% من الإنتاج.
الأرز: يُنتج العالم حوالي 520 مليون طن، معظمها من آسيا (الصين، الهند، إندونيسيا).
فول الصويا: حوالي 370 مليون طن، حيث تهيمن الولايات المتحدة والبرازيل والأرجنتين.
ثانيًا: مقدار الصادرات العالمية للدول المنتجة
- الولايات المتحدة تعد أكبر مصدر عالمي للذرة وفول الصويا.
- روسيا وأوكرانيا كانتا تشكلان معًا أكثر من 30% من صادرات القمح العالمية قبل الحرب.
- الهند وتايلاند من كبار مصدري الأرز عالميًا.
- البرازيل من أكبر الدول المصدرة للحوم والسكر.
مع ذلك، فإن الأزمات السياسية مثل الحرب الروسية الأوكرانية والقيود التصديرية المرتبطة بالطقس أو الأمن الغذائي المحلي (كما فعلت الهند في تصدير الأرز) تسببت في اختناقات كبيرة في سلاسل التوريد.
ثالثًا: أهم الدول المستوردة للغذاء
- الدول العربية (وخاصة مصر، الجزائر، اليمن، السودان) تعتمد بشدة على استيراد القمح والزيوت.
- الدول الإفريقية جنوب الصحراء تعتمد على استيراد الأرز والقمح ومنتجات الألبان.
- الصين رغم إنتاجها الكبير، فهي من كبار مستوردي الذرة وفول الصويا.
- الاتحاد الأوروبي يستورد كميات كبيرة من البقوليات والزيوت النباتية.
هذا الاعتماد المتبادل يكشف هشاشة النظام الغذائي العالمي، ويجعل الأسعار عرضة للتقلبات السياسية والمناخية.
رابعًا: المساحات الزراعية بين الزراعة المروية والمطرية
الزراعة المطرية تمثل حوالي 80% من الأراضي الزراعية العالمية، لكنها تنتج فقط 55-60% من الغذاء العالمي بسبب تذبذب الأمطار ومحدودية الإنتاجية.
الزراعة المروية تغطي نحو 20% فقط من الأراضي، لكنها توفر 40% من الإنتاج العالمي بفضل كفاءتها الأعلى.
لكن هذه الزراعة تواجه تحديات كبيرة تتعلق بشح المياه وتدهور التربة، خصوصًا في المناطق الجافة وشبه الجافة، مثل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
خامسًا: دور المنظمات الدولية والمشروعات التنموية
قامت منظمات مثل : منظمة الأغذية والزراعة FAO برنامج الغذاء العالمي WFP البنك الدولي – الصندوق الدولي للتنمية الزراعية IFAd
بتمويل وتنفيذ مشروعات تستهدف زيادة الإنتاجية، دعم صغار المزارعين، وتحسين البنية التحتية الزراعية، ومواجهة الجوع في مناطق الأزمات.
على سبيل المثال، ساهمت برامج الزراعة الذكية مناخيًا في تحسين مرونة المجتمعات الزراعية في إفريقيا وآسيا أمام الجفاف والفيضانات.
الإنتاج العالمي والموارد الطبيعية:
على الرغم من التقدم التكنولوجي الهائل في مجال الزراعة، إلا أن الإنتاج العالمي من الغذاء يواجه قيودًا كبيرة. فالموارد الأرضية الصالحة للزراعة محدودة، وتعاني من تدهور مستمر.
تُعدّ إزالة الغابات، التي تتم لأغراض التوسع الزراعي والعمراني، من أبرز أسباب تدهور التربة وفقدان التنوع البيولوجي. كما أن التصحر، الناجم عن سوء إدارة الأراضي والجفاف، يلتهم مساحات واسعة من الأراضي المنتجة، ما يقلل من القدرة على إنتاج الغذاء.
التغيرات المناخية ونقص المياه:
تُعدّ التغيرات المناخية من العوامل الرئيسية التي تُفاقم أزمة الغذاء. فارتفاع درجات الحرارة، والجفاف، والفيضانات، والأعاصير، تؤثر سلبًا على المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية.
كما أن نقص المياه، سواء بسبب التغيرات المناخية أو الاستهلاك المفرط، يُعدّ تحديًا خطيرًا، خاصة في المناطق الجافة وشبه الجافة، ما يهدد الإنتاج الزراعي بشكل مباشر.
النمو السكاني وسلاسل الإمداد:
يُشكل النمو السكاني المتسارع ضغطًا كبيرًا على الموارد الغذائية المحدودة. فكلما زاد عدد السكان، زادت الحاجة إلى الغذاء، ما يتطلب زيادة الإنتاج. ولكن، تواجه سلاسل الإمداد العالمية تحديات كبيرة، مثل ارتفاع تكاليف النقل، والاضطرابات اللوجستية، ما يؤثر على توفر الغذاء وأسعاره.
الصراعات الجيوسياسية:
تُعدّ الصراعات الجيوسياسية من أهم العوامل التي فاقمت أزمة الغذاء العالمية في السنوات الأخيرة. فقد أدت الحرب الروسية الأوكرانية إلى تعطيل إمدادات الحبوب والزيوت النباتية، حيث تُعدّ الدولتان من أكبر المصدرين لهذه المنتجات.
كما أن الصراعات الأخرى، مثل الحرب في غزة والتوترات في الشرق الأوسط، تُعرقل التجارة، وتُفاقم الأزمات الإنسانية، وتزيد من انعدام الأمن الغذائي في المناطق المتضررة.
النمو السكاني وسلاسل الإمداد:
ضغوط متنامية وان النمو السكاني المتسارع ضغطًا كبيرًا على الموارد الغذائية المحدودة. تُشير التقديرات إلى ضرورة زيادة إنتاج الغذاء العالمي بنسبة 60% بحلول عام 2050 لتلبية احتياجات السكان. وفي الوقت نفسه، تواجه سلاسل الإمداد العالمية تحديات كبيرة، مثل ارتفاع تكاليف النقل والاضطرابات اللوجستية، التي تفاقمت بفعل الصدمات العالمية وان الصراعات الجيوسياسية تمثل محرك رئيسي للأزمة
ومن أهم العوامل التي فاقمت أزمة الغذاء العالمية
فالحرب الروسية الأوكرانية كما تُشير تقارير الفاو إلى أن هذه الحرب أدت إلى تعطيل إمدادات الحبوب والزيوت النباتية العالمية . وقد تسببت هذه الاضطرابات في ارتفاع أسعار الغذاء العالمية، وزيادة الضغط على ميزانيات البلدان المستوردة وتُظهر تقارير المنظمات الإنسانية الدولية أن النزاعات المسلحة في مناطق مثل غزة تُحدث أزمات غذائية حادة. يُعطل القتال سلاسل الإمداد، ويدمر البنية التحتية الزراعية، ما يؤدي إلى انعدام الأمن الغذائي الحاد ويُفاقم الأزمات الإنسانية.
موقف مصر من الأزمة:
تُعدّ مصر من أكثر الدول تضررًا من أزمة الغذاء العالمية، وذلك لعدة أسباب، منها الاعتماد الكبير على استيراد الحبوب، خاصة القمح، وارتفاع عدد السكان. وللتعامل مع هذه التحديات، اتخذت مصر عدة خطوات، منها:
زيادة الإنتاج المحلي: من خلال التوسع في الأراضي الزراعية، واستخدام التقنيات الحديثة، وتوفير الدعم للمزارعين.
تنويع مصادر الاستيراد: للتقليل من الاعتماد على مصدر واحد، ما يقلل من المخاطر.
تأمين المخزون الاستراتيجي: من السلع الأساسية، مثل القمح، لضمان استمرار توفرها في الأسواق.
دعم الفئات الأكثر ضعفًا: من خلال برامج الدعم الاجتماعي والمساعدات الغذائية و تُعطي الدولة أولوية لتأمين المخزون الاستراتيجي من السلع الأساسية، لضمان استمرار توفرها في الأسواق المحلية بأسعار معقولة.
الخلاصة يمكن أن ُشير الي ان جميع التقارير الدولية بأن أزمة الغذاء العالمية تحدٍ معقد يتطلب جهودًا منسقة. يجب على المجتمع الدولي أن يعمل معًا لمعالجة الأسباب الجذرية للأزمة، مثل التغيرات المناخية، والتصحر، والصراعات، وذلك من خلال:
رؤيا المستنيرة يمكن أن تسهم في الحل نستعرضها :
تتطلب مواجهة أزمة الغذاء العالمية رؤية شاملة، تتضمن:
- تنويع مصادر الغذاء والاعتماد على الإنتاج المحلي قدر الإمكان.
- الاستثمار في البحث العلمي الزراعي، لا سيما في تحسين الأصناف وتحملها للظروف المناخية.
- التحول نحو الزراعة الذكية مناخيًا وتقنيات الري الحديثة لترشيد المياه.
- تعزيز سلاسل الإمداد الإقليمية وتقليل الاعتماد على التجارة العالمية فقط.
- حماية الأراضي الزراعية من التدهور العمراني والتصحر.
- إطلاق مبادرات للتكامل الزراعي الإقليمي بين الدول ذات الموارد التكميلية.
- تعزيز الأمن الغذائي الوطني والقاري من خلال مخزون استراتيجي مرن
- الاستثمار في الزراعة المستدامة والمرنة.
- تعزيز سلاسل الإمداد العالمية وضمان تدفق الغذاء.
- دعم الفئات الأكثر ضعفًا من خلال برامج الحماية الاجتماعية والمساعدات الغذائية، خاصة في مناطق النزاعات.
تُشكل هذه الأزمة فرصة للمجتمع الدولي للتعاون من أجل بناء نظام غذائي عالمي أكثر عدالة واستدامة ومرونة في مواجهة التحديات المستقبلية.
إن أزمة الغذاء العالمية ليست أزمة إنتاج فقط، بل أزمة توزيع وعدالة واستدامة. المطلوب هو تعاون دولي، ووعي وطني، واستثمار حقيقي في الزراعة والتكنولوجيا لتحقيق الأمن الغذائي العالمي. فالغذاء ليس فقط حاجة إنسانية، بل أساس للاستقرار السياسي والاجتماعي.