د طارق عبدالعليم : «صحارى» بين الأمس واليوم… هل يعود المعرض الزراعي الأكبر في مصر إلى الصدارة؟

كان معرض «صحارى الزراعي الدولي» لعقود أحد أبرز نوافذ مصر على العالم الزراعي، ملتقىً للشركات الكبرى والمستثمرين، ومنصةً لعرض أحدث ما وصلت إليه التكنولوجيا الزراعية. لكن السنوات الأخيرة كشفت عن تراجع ملحوظ في بريقه؛ أجنحة فارغة، حضور عالمي باهت، وغياب إعلامي لا يتناسب مع حجمه. السؤال الآن: هل انتهى عصر «صحارى»، أم أن الفرصة لا تزال سانحة لإنعاشه؟
مشهد التراجع: مؤشرات لا يمكن إنكارها
• انخفاض المشاركة الدولية: بينما شاركت أكثر من 600 شركة من 36 دولة في دورة 2018، لم يتجاوز العدد 250 شركة في دورة 2023، مع غياب أسماء عالمية بارزة.
• تراجع التغطية الإعلامية: يكاد يمر المعرض دون ضجة في الصحف أو القنوات، مقارنة بمعارض مثل «سيما» في فرنسا أو «جرينا» في المغرب أو «انقرة» في تركيا التي تتحول إلى حدث قومي.
• زوار بلا هوية واضحة: تحوّل المعرض من منصة للمستثمرين والخبراء إلى مكان يتجول فيه غير المتخصصين، ما أفقده قيمته السوقية.
• ضعف الصفقات المعلنة: بينما كانت الدورات السابقة تشهد توقيع عقود تصديرية بملايين الدولارات، فإن الصفقات الأخيرة محدودة ولا تحظى باهتمام دولي.
أين يكمن الخلل؟ 6 عوامل رئيسية
1. غياب الرؤية الاستراتيجية: لم يعد هناك ربط واضح بين مشروعات الدولة الكبرى مثل «الدلتا الجديدة» وما يُعرض داخل أروقة المعرض.
2. تسويق محلي بلا امتداد عالمي: الحملات الترويجية ضعيفة خارج مصر، مما يترك الساحة لمعارض منافسة في المغرب والإمارات.
3. تكاليف المشاركة المرتفعة: تمنع الشركات الصغيرة والناشئة – التي عادة ما تحمل الابتكار – من الحضور.
4. تأخر رقمي: في عصر المعارض الافتراضية والمنصات الذكية، لا يزال «صحارى» يعتمد على أساليب تقليدية.
5. غياب البحث والجامعات: ضعف مشاركة المراكز البحثية أفقد الحدث بُعده العلمي.
6. ضعف جذب المستثمرين: الافتقار إلى برامج فعالة لربط المستثمرين بالمنتجين قلل من قيمة المعرض الاقتصادية.
الطريق إلى الإنعاش: حلول مبتكرة
• ثورة رقمية: إطلاق منصة افتراضية دائمة وتطبيق ذكي للتواصل بين العارضين والمشترين على مدار العام، أسوةً بمعارض أوروبا وآسيا.
• ركن الابتكار: تخصيص مساحات مجانية للشركات الناشئة ومشاريع طلاب الجامعات في مجالات مثل الري الذكي والتقنيات الحيوية.
• مؤتمرات علمية متخصصة: استضافة جلسات تفاعلية حول تحديات المناخ، إدارة المياه، والذكاء الاصطناعي في الزراعة.
• استراتيجية جذب عالمية: التعاون مع السفارات والمجالس التصديرية لتأمين مشاركة شركات من 20 دولة على الأقل سنوياً.
• هجوم إعلامي ذكي: بث مباشر، محتوى رقمي تفاعلي، وحملات عبر وسائل التواصل تحت شعار «صحارى_يجدد_نفسه».
• صفقات على الطاولة: جعل الهدف المعلن للمعرض توقيع عقود تصديرية واستثمارية ملموسة، بحيث يكون الحدث خبرًا اقتصاديًا حقيقيًا.
خاتمة: معركة البقاء
«صحارى» ليس مجرد معرض، بل معركة لإثبات وجود مصر الزراعي عالميًا. نجاحه أو فشله ينعكس مباشرة على صورة الزراعة المصرية وفرصها في التصدير. إذا أردنا استعادة بريقه، فالأمر يحتاج إلى إرادة جادة وخطة ثورية تجعل منه منصة دائمة للتجارة والابتكار.
ويبقى السؤال: هل نرى في الدورة القادمة صحارى جديدًا يستعيد مكانته، أم نظل نتفرج بينما يسرق الآخرون الأضواء والاستثمارات؟