أستاذ إدارة الأراضي والمياه – مركز البحوث الزراعية – مصر
تُعد الزراعة المصرية أحد أهم أعمدة الاقتصاد الوطني عبر التاريخ، إذ قامت عليها حضارة وادي النيل التي عرفت نظم الري والزراعة المنظمة منذ آلاف السنين. ولا تزال الزراعة حتى اليوم تمثل قطاعًا استراتيجيا يرتبط بالأمن القومي ارتباطًا مباشرًا، باعتبارها المصدر الأساسي لإنتاج الغذاء، وتوفير فرص العمل، وتعزيز الصناعات المرتبطة بها، وتوليد النقد الأجنبي من خلال الصادرات.
ومع تسارع النمو السكاني، وارتفاع الطلب على السلع الغذائية، واشتداد التحديات المرتبطة بندرة المياه والتغيرات المناخية، أصبحت الحاجة ملحّة إلى تبني رؤية جديدة وشاملة لتطوير القطاع الزراعي، ترتكز على التكنولوجيا الحديثة، وإدارة الموارد بكفاءة، وتعظيم الإنتاجية، ورفع القدرة التنافسية للمنتجات المصرية في الأسواق العالمية.
وقد شهدت السنوات الأخيرة طفرة كبيرة في مشروعات التوسع الأفقي والرأسي، والتحول للري الحديث، وتطوير البنية التحتية الزراعية، ودعم البحث العلمي الزراعي، في إطار خطة وطنية طموحة لتحقيق الأمن الغذائي وتعزيز الصادرات وتحسين ميزان المدفوعات.
وفي ظل هذه الجهود، لم يعد الهدف زيادة الإنتاج فحسب، بل بناء قطاع زراعي قوي، مرن، مستدام، قادر على مواجهة المتغيرات المناخية وتقلّبات الأسواق العالمية، وقائم على الابتكار والتكنولوجيا لتحقيق أقصى استفادة من وحدة الأرض والمياه.
أولاً: محاور التحديث وتطوير القطاع الزراعي في مصر
1. إدارة الموارد المائية واستخدام التكنولوجيا الحديثة
يمثل تطوير منظومة الري وتوظيف التكنولوجيا محورًا أساسيًا في التحديث الزراعي:
- الري الحديث: التوسع في أنظمة الري بالتنقيط والرش وتحويل الأراضي القديمة من الري بالغمر إلى أنظمة أكثر كفاءة، ما يقلل الفاقد ويرفع إنتاجية وحدة المياه.
- استنباط الأصناف الجديدة: إنتاج أصناف قصيرة العمر، عالية الإنتاجية، ومتحملة للملوحة والجفاف خاصة لمحاصيل القمح والذرة والأرز.
- الزراعة الذكية: استخدام الاستشعار عن بعد، ونظم المعلومات الجغرافية GIS، والذكاء الاصطناعي لتحديد الاحتياجات الدقيقة للري والتسميد وتحسين الإنتاجية.
2. التوسع الأفقي والرأسي
- التوسع الأفقي: استصلاح ملايين الأفدنة في مشروعات ضخمة مثل:
– مشروع الدلتا الجديدة
– مشروع توشكى الخير
– العوينات
– غرب غرب المنيا وغيرها
من مشروعات استصلاح الاراضي. بهدف زيادة الرقعة الزراعية وتحقيق إنتاج مستدام للمحاصيل الاستراتيجية.
- التوسع الرأسي:
زيادة الإنتاجية من خلال الحزم التقنية المتكاملة، والبذور المحسنة، والمخصبات عالية الجودة، ورفع كفاءة الإدارة الزراعية عبر التدريب والإرشاد ويشمل ذلك: تبطين الترع المساقي. والتوسع في معالجة وإعادة استخدام مياه الصرف الزراعي.
التحول للري الحديث لرفع كفاءة نقل وتوزيع المياه. وتطبيق الزراعة الذكية مناخيًا (Climate-Smart Agriculture).
3. دعم البحث العلمي وتعظيم دوره
يقود مركز البحوث الزراعية جهود تطوير الزراعة عبر:
– إنتاج أصناف محسنة ذات إنتاجية عالية.
– تطوير أساليب مكافحة الآفات والأمراض.
-أبحاث إدارة التربة والمياه وتحسين الإنتاج.
-دعم الإرشاد الزراعي الميداني والرقمي لنقل التكنولوجيا للمزارعين.
4. سلاسل القيمة والتصنيع الزراعي
تعمل الدولة على:
- تطوير مراكز التجميع والفرز والتعبئة.
- دعم التصنيع الزراعي لرفع القيمة المضافة.
- تحسين معايير الجودة لضمان مطابقة المنتجات للشروط الدولية.
5. التحول الرقمي والميكنة الزراعية
من خلال:
منصات رقمية للمزارعين مثل التطبيقات الإرشادية الحديثة.
استخدام الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بالآفات وتحليل التربة.
توسيع الميكنة الزراعية لخفض تكاليف الإنتاج.
6. البنية التحتية والتمويل الزراعي
يشمل ذلك: تطوير الشون والصوامع وتقليل فاقد الحبوب. وتعزيز الخدمات البيطرية.
توفير قروض ميسرة للمزارعين. وتمكين التعاونيات باعتبارها شريكًا أساسيًا في الإنتاج والتسويق.
ثانيًا: أثر التحديث الزراعي على الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الاستراتيجية
تركز توجهات الدولة على تعظيم إنتاج المحاصيل الأساسية لتقليل الفجوة الغذائية:
القمح: دعم المزارعين، وتوفير أصناف مقاومة للأمراض وعالية الإنتاجية، وتحسين عمليات التوريد والتخزين.
السكر: التوسع في زراعة البنجر وقصب السكر وزيادة المصانع لرفع نسب الاكتفاء الذاتي.
البقوليات والزيوت: دعم إنتاج العدس، وفول الصويا، وعباد الشمس لتقليل الاعتماد على الاستيراد.
هذه الجهود تسهم في تقليل فاتورة الاستيراد وتعزيز الاستقرار الغذائي.
يمثل التحديث الزراعي حافزًا أساسيًا لتعزيز مكانة مصر التصديرية:
الصادرات الزراعية المصرية
تُعد الصادرات الزراعية المصرية أحد أهم مصادر الدخل القومي وأبرز روافد النقد الأجنبي، إذ استطاعت مصر خلال السنوات الأخيرة تحقيق طفرة كبيرة في جودة المنتجات وتنوع الأسواق التصديرية.
تبنت الدولة منظومة متكاملة لضبط الجودة وتعزيز المعايير الدولية، شملت تطوير مراكز الفرز والتعبئة، وتطبيق نظم التتبع (Traceability)، والالتزام الصارم بمتطلبات الحجر الزراعي للدول المستوردة.
وتتميز مصر بقدرتها على إنتاج محاصيل ذات ميزات تنافسية عالية مثل الموالح، والعنب، والرمان، والبطاطس، والبصل، والخضراوات الطازجة والمجمدة، مما جعلها ضمن الدول الأولى عالميًا في تصدير البرتقال.
وقد ساهمت هذه الجهود في فتح أسواق جديدة بأوروبا وآسيا وإفريقيا والخليج، وزيادة حصيلة الصادرات بما يعزز ميزان المدفوعات ويدعم الاقتصاد الوطني.
وتمثل هذه النجاحات نموذجًا واضحًا لفاعلية سياسات التحديث الزراعي ودور البحث العلمي في رفع جودة المنتج المصري وتعزيز مكانته العالمية وقد بلغت الصادرات الزراعية المصرية في شهر اكثوبر ٨.٢ مليون طن.
ويأتي دور الدولة والمنتجين الزراعيين لزيادة الصادرات الزراعية من خلال مجموعة من المحاور الرأسية الواجب العمل عليها كالتالي :
الجودة والمطابقة: تطبيق نظم تتبع المنتج Traceability) والالتزام بمتطلبات الحجر الزراعي.
تنويع الأسواق: فتح أسواق جديدة للمحاصيل التي تتمتع مصر فيها بميزة تنافسية مثل الحمضيات والعنب والخضراوات المجمدة.
رفع القيمة المضافة: التوسع في التصنيع الزراعي بدلًا من تصدير المواد الخام.
وقد جعلت هذه الجهود مصر في مقدمة دول العالم المصدّرة للموالح، وأسهمت في زيادة الإيرادات الدولاريه وتحسين ميزان المدفوعات.
التحديات وآفاق المستقبل
رغم التقدم الكبير، يظل القطاع الزراعي يواجه تحديات مثل:
ندرة المياه، تفتت الحيازة الزراعية، -ضرورة التكيف مع التغيرات المناخية-الحاجة إلى مزيد من التحول الرقمي. ومع ذلك، فإن استمرار الدولة في الاستثمار في البنية الزراعية والمائية، ودعم التكنولوجيا والأصناف الحديثة، وتمكين المزارعين، يؤكد أن مصر ماضية بقوة نحو قطاع زراعي مستدام وقادر على المنافسة.
وفي نهاية هذا المقال أود أن الخص الأمر في هذه الكلمات إن تطوير الزراعة في مصر ليس مجرد خيار، بل ضرورة وطنية لضمان الأمن الغذائي، وتعزيز الصادرات، وتحسين الميزان التجاري. ومن خلال التوسع الأفقي، والتحديث التكنولوجي، ودعم البحث العلمي، والتحول إلى الزراعة الذكية، تمضي مصر نحو بناء قطاع زراعي متطور، مستدام، عالي القيمة، يواكب المتغيرات العالمية ويعزز مكانتها الاقتصادية في ظل قيادة فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي قائد مسيرة البناء والتنمية على أرض مصر .





