الأخبارالانتاجبحوث ومنظماتحوارات و مقالات

د عبد السلام منشاوي يكتب: القمح الفرعوني والشبح والمبرد والزراعة العشوائية تهدد المحصول الإستراتيجي

رئيس بحوث ومربي قمح بمحطة بحوث سخا- قسم بحوث القمح- معهد بحوث المحاصيل الحقلية – مركز البحوث الزراعية

ترددت كثيرا في الكتابة عن هذا الموضوع، ولكن رأيت أن الواجب العلمي يحتم أن اكتب من باب النصيحة للمزارعين وانطلاقا من مصلحة وطني و توضيح الحقائق وتجنيب مصرنا الحبيبة الكثير من المخاطر.

أي فكرة بحثية جديدة مقدمة من أي باحث في المجال العلمي لابد أن نحترمها ونرحب بها سواء كان عليها اعتراض أو لها قبول بشرط أن يكون الباحث سلك المنهج العلمي الصحيح من خلال المسح الأدبي للفكرة (LITERATURE REVIEW) فيجب أن نبدأ من حيث أنتهى الباحثين لكي لا نضيع وقتنا ونهدر أموالنا وكذلك يجب أن تكون الفكرة منطقية يقبلها العقل.

إن محصول القمح من المحاصيل الإستراتيجية فهو محصول أمن قومي ولا يتحمل المخاطر، والهدف من المقال هو توضيح الموضوع ومخاطره سواء من الجانب التطبيقي أو الجانب العلمي وليس الهدف الهجوم أوالتجريح أوالتشكيك أوالتقليل من أي جهد علمي يحتمل الخطأ أوالصواب.

منذ أيام قليلة كنت ضمن لجنة لمعاينة أصناف قمح مختلفة عن الأصناف المعتمدة من وزارة الزراعة في أحد مراكز محافظة كفرالشيخ، وكشفت نتيجة المعاينة عن أن محصول التريتيكال ينتشر بمساحات داخل زراعات القمح و به خلط من 5-10% من قمح الخبز.

وكانت المفاجأة، إنه عند مقابلة المزارعين يقولوا انهم اشتروه بسعر غالي  لأنه قمح يعطي إنتاج  محصول حبوب 40 أردب وتبن عالي وهذا كلام مضلل وغير صحيح بالمرة، ولا أدري لماذا موضوع الـ40 أردب للفدان هنا مع التريتيكال وأيضا مع ما يسمى بالقمح الفرعوني والشبح ولماذا لم يقولوا مثلا 35 أو 45 ؟

تناولت وسائل الإعلام  المختلفة  خلال الفترة الماضية ما يسمى بالقمح الفرعوني وقمح الشبح كما يسمونه و القمح المبرد بذوره ومن قبل كان هناك قمح البجعة والقمح الفرنسي ….الخ.

إن المتأمل في كل هذه المسميات يجد أن القاسم المشترك بينهما هو تحقيق مصالح أو عدم العلم وذلك قد يهدد زراعة القمح بمصر.

إن محصول التريتيكال Triticale هو محصول من محاصيل الحبوب ولا تصلح حبوبه لصناعة رغيف الخبز وذلك  لتركيبه الكيماوي و صفات الجودة الخاصه بالصلاحية لرغيف الخبز، وهو ناتج من التهجين بين القمح Triticum  spp وحشيشة الرايSecale cereale L  وبالتالي الاسم يشتمل المقطع الأول من جنس القمح تريتيكم ( Triti ) Triticum) والمقطع الثاني من حشيشة الراي واسمها سيكال Secale ( (caleفأصبح تريتيكال Triticale  وقد يسمى قمح العلف أو قمحيلم حيث يسمى الراي بالشيلم في بعض البلدان العربية.

هناك أيضا ما يسمى بالقمح الفرعوني أو قمح الشبح وهو موجود عند المزارعين وأكثر انتشاراً عن محصول التريتيكال.

ويختلف سعر شراء المزارع للتقاوي من مزارع الى أخر حيث يتراوح سعره بين 60 إلى 100 جنيه للكيلو( سعر الأردب من  9 إلى15 ألف جنيه) ومن هذا الرقم يتضح حجم المكسب المتحصل علية في الوقت الذي فيه سعر أردب القمح بــ600جنيه.

من خلال مشاهداتي ومتابعتي الحقلية لهذا الطراز النباتي أن غالبية النباتات فيه من نوع  القمح القاسي (قمح المكرونة) Triticum durum أي من الأقماح الرباعية ولكن به نسبة خلط مع قمح الخبز (القمح السداسي)Triticum aestivum L   من أصناف مختلفة وهو متأخر جدا في طرد السنابل وبالتالي فترة مكثه في الأرض طويله مما يزيد من احتياجاته المائية وارتفاعه طويل جداً مما يجعله عرضة للرقاد ولكن أخطر ما فيه أنه حساس جداً للأمراض المختلفة التي تصيب محصول القمح.

ونحن بصدد استكمال ملف متكامل بدراسة تفصيلية له من ناحية مواعيد الزراعة سواء على مستوى الزراعة العادية في الحقل او النبات الفردي بالحقل وحتى على مستوى الأصص لتطور النبات ومراحل النمو المختلفة والصفات الفينولوجية والمورفولوجية وفترات ومعدل ظهور الأوراق. إن الناظر لهذا الطراز النباتي (ما يسمى بالفرعوني) وعنده دراية بمكونات المحصول للقمح من السهل أن يجزم أن كل ما يقال عن الإنتاجية المبالغ فيها ما هي إلا أرقام غير حقيقية وخداع للمزارعين لتحقيق مكاسب مادية ليس إلا.

أما ما يقال عنه القمح المبرد بذوره فهذا ليس بكلام جديد ولكنه قديم جدا وتسمى بعملية الارتباع. ومن المعلوم أن طرز القمح المختلفة تقسم تبعا لموسم الزراعة إلى قمح شتوي و قمح ربيعي، ومصر تزرع طرز القمح الربيعي رغم أننا نزرعه في فصل الشتاء المصري.

معظم من يعمل في هذا المجال يعرف جيد أنه ليس للتبريد تأثير على الأقماح الربيعية ومحسوم علميا منذ عام 1920م ولكنها تؤثر فقط في القمح الشتوي.

لذلك فإن المتأمل في محصول القمح يجد ان له مراحل نمو محدده وكل مرحلة لها احتياجات بيئية معينه خصوصا بالنسبة للحرارة والفترة الضوئية وهما يتحكمان في الانتقال من مرحلة إلى أخري. ومراحل نمو القمح تتناغم مع موعد الزراعة المناسب والموصي به من قبل قسم بحوث القمح بمعهد بحوث المحاصيل الحقلية.

في حالة الزراعة في مواعيد مختلفة نلاحظ أن المحصول يواجه صعوبة كبير في التكيف مع الاحتياجات الحرارية والضوئية التي تناسب كل مرحلة وبالتالي ينعكس انعكاس سلبي على مكونات المحصول (عدد السنابل ، عدد حبوب السنبلة، حجم الحبة) وعليه ينعكس على المحصول في النهاية.

لا يمكن حصاد القمح في مصر في يناير أو فبراير قد تستمر فترة الامتلاء طويلة جدا حتي تكون هناك درجات حرار تسمح للنضج التام وقد تتضاعف فترة الامتلاء مرتين أو أكثر في الوقت الذي فيه السعة التخزينية للنبات محدودة (عدد السنابل، عدد حبوب السنبلة) وبالتالي تكون فترة  إمتلاء طويلة جدا وليس لها قيمة.

إن الأمر الأكثر خطورة للموضوع في الحالات الثلاثة يتمثل في أنه من الممكن أن يساهم ذلك في تفاقم مشكلة انتشار أمراض أصداء القمح وذلك من خلال أطالة موسم النمو الخضري بما يسمح بانتاج اجيال متعددة خلال العام من المسبب المرضي والمعلوم أن اللقاح الأولي يأتي مصر عن طريق الرياح  ثم الطور المتكرر والذي يسبب الاصابة بعد ذلك يكون من داخل القطر المصري فمن الممكن أن يسبب وبائية والتي قد تحدث ضرر بالغ للمحصول على المستوى القومي. بالإضافة إلى أن وجود طرز نباتية من عوائل المسبب المرضي قد يؤدي إلى وجود سلالات فسيلوجية جديدة أكثر عدوانية وأشد ضراوة مما قد يسبب كسر المقاومة لأصناف القمح المصرية المقاومة لأمراض الأصداء.

أضف إلى ذلك تسريب كميات من التريتيكال إلى المطاحن، إما توريده مباشرة أو خلطه مع  قمح الخبز مما قد يساهم في إنتاج رغيف خبز له مواصفات غير جيدة. علاوة على ذلك خداع المزارعين وترويج لمعلومات غير صحيحة مما يضر بالإقتصاد القومي.

على أي شخص لديه طرز وراثية نباتية يسلك المسار القانوني و يتقدم بها للجنة تسجيل الأصناف لاجتياز الاختبارات وهي اختبار التميز والتجانس والثبات (DUS) واختبار القيمة الزراعية والاستخدام  ( (VCU ثم استكمال الإجراءات القانونية اللازمة للتسجيل ولا يجوز تتداول المواد الوراثية النباتية وزراعتها عند المزارعين إلا بعد ذلك .

 

 

‫2 تعليقات

  1. اخى الحبيب الاستاذ الدكتور عبد السلام مقال متكامل به كم من المعلومات الهامه لكل من يهتم بمحصول القمح بارك الله فيكم. ولكن لي استفسار بحكم العمل الذي قمت به خلال تواجدى بكلية علوم الأغذية والزراعه جامعه الملك سعود بالرياض وكنت مشرفا على برنامج القمح والشعير بالكليه. فالقمح الفرعونى او الشبح كما ذكرت فى المقال هل هو ما عرف بقمح الصامه وهو من الاقماح القديمه فى المملكه والذى يتميز بطول السنبله الذي قد يصل إلى اكثر من 20سم وعدد الحبوب فى السنبله يزيد عن مائه حبه وطول النبات يتراوح مابين 130 -150سم ولذلك اطلق عليه اسم القمح الشبح ولكن عيوبه انه متأخر جدا فى التزهير والنضج علاوه على قلة تفريعه واصابته بالامراض فهل هذه الصفات السابقه تتفق مع ما تم ملاحظته لهذا النوع من القمح الفرعونى خلال مروركم بالحقول. افادكم الله

  2. ألف شكر على هذا الشرح الوافي والتقرير الرائع وهذا ليس بغريب على أستاذنا الدكتور عبد السلام أحد علماء قسم بحوث القمح ومن المربين المشهود لهم بالعلم والخبرة والخلق والأمانة العلمية … وهنا أود أن أضيف موضوع القمح المتحمل للملوحة والذي هو أيضاً خليط من مجموعة من التراكيب الوراثية المتباينة بل إنه يضم العديد من الطرز النباتية ما بين قمح خبز مسفى وآخر غير مسفا وقمح ديورم وكذلك شعير .. وهذا شئ يجعلنا ندعوا كل عالم يسعى كما يقول إلى خير البلد فعليه أن يتوخى الحرص ويراعي الأمانة العلمية فيما يقول وأكرر ما قاله أستاذنا الفاضل د. عبد السلام، أن على من يريد الخير أن يسلك القنوات الشرعية .. والله الموفق

زر الذهاب إلى الأعلى