د محمد حجازي: الفطريات الجلدية والإجهاد التأكسدي في الأغنام
باحث اول الكيمياء الحيوية معمل بحوث الصحة الحيوانية بأسيوط – مركز البحوث الزراعية – مصر
يعتبر التهاب الجلد الفطري مشكلة عالمية خاصة في شمال إفريقيا بسبب بعض الظروف الثقافية والاجتماعية والبيئية الخاصة . وهو يسبب إلتهابات سطحية حادة او مزمنة في الانسان والحيوان وقد يسبب أمراض جهازية تهدد الحياة في البشر . بالاضافة الى الخسائر الاقتصادية في حيوانات المزرعة
يُعتبر سطح الجلد في الحالات الطبيعية الحاجز الفعّال لحماية الجسم ضد الالتهابات. كما قد يصاب بكمية قليلة من الفطريات والتى لا تسبب أي ضرر . ولكن هناك أكثر من 150 نوع من الفطريات الجلدية . و معظم حالات الالتهابات تحدث بسبب أنواع ممرضة خاصة من الفطريات .
الفطريات الجلدية هي احد الانواع التي تصيب المجترات وهو مرض فطري جلدي معدٍ يصيب جميع أنواع الحيوانات وتسبب مرض القراع وهي متكيفة بشكل أساسي مع الماشية ؛ ومع ذلك ، فمن المحتمل أن تنتقل إلى الأغنام والماعز ، وفي هذه الحالة تعتبر مشكلة في هذه القطعان . حيث تم التعرف على المرض في احدي دور العرض او ما يسمى نادي الحملان في عام 1989 حيث يتم جز الحملان للعرض في تلك النوادي , مما يؤدي الى ظهور الاصابة على الجلد , مما سبب خيارة كبيرة لاصحابها . ولذلك تسمى هذه العدوى بمرض نوادي الحملان (club lamb fungus) . إلا أن تفشي المرض قد يحدث في القطعان التجارية ، وذلك بالتزامن مع جز الصوف .
وفي مصر ، أدى التكاثر المختلط للحيوانات المجترة الصغيرة مع الماشية إلى زيادة انتشار هذا الفطر بين الحيوانات والبشر. ويعتمد الجانب الاكلينيكي من التهاب الجلد الفطري بشكل رئيسي على موقع الاصابة أوالعدوى ، ومناعة العائل وعلى نوع الحيوانات المصابة .
ينتقل المرض بالتلامس المباشر بين الحيوانات المريضة والحيوانات السليمة. و يكثر أثناء فترة التزاوج أو التناسل . كما ينتقل بشكل غير مباشر بأدوات التنظيف وأرض الحظائر والجدران وروث الحيوانات الملوث بالعامل المسبب . تؤدي الفئران والجرذان دوراً مميزاً في نقل العدوى إلى الحيوانات . يظهر المرض بسهولة في الحظائر المغلقة والرطبة والحارة وغير النظيفة . كما تعتبر الحيوانات المصابة بمرض القراع بشكل كامن أو بشكل خفي، من أهم مصادر العدوى وانتقالها إلى الحيوانات الأخرى .
وتوجد عدة عوامل تساعد في انتشار العدوى مثل وجود أي جرح أو تشققات في الطبقة الخارجية للبشرة، مما يسمح بدخول الفطريات و يسبب الالتهابات. كما يؤدي ارتفاع نسبة هذه الفطريات على سطح الجلد، خاصةً إذا كانت البيئة و الظروف مناسبة (دفء و رطوبة أو قلة النظافة) الى السماح بالتكاثر، و تسبب الالتهابات. بشكل عام تُعتبر الالتهابات الجلدية غير خطيرة، . لكن في حال عدم التحكم بالأعراض، و عند وجود مشاكل في الجهاز المناعي للمريض، قد تتحول لحالات مستعصية، و من الممكن أن تصبح مهددة للحياة.
أكثر الحيوانات استعداداً للإصابة هي الحيوانات الصغيرة بالعمر، والحيوانات ذات الجلد الرقيق، ويمكن للمرض أن ينتقل من الحيوانات إلى الإنسان وبالعكس ويمكن تلخيص الأعراض في تقصّف الشعر أو الصوف في أماكن الجلد المصاب . تسقط القشور وتتشكل آفات مستديرة متقرّنة مغطاة بحراشف أو قشور رمادية أو صفراء، يتّحد بعضها مع بعض أحياناً، وتظهر بشكل منتشر . وقد تتميز احيانا بحكة شديدة .
وبتتبع خط السير المرضى والفسيولوجيا المرضية للعدوى نجد ان الفطريـات المسـببة للأمـراض الجلديـه تنمـو بصـفة رئيسـة فـي أنسـجة الجلـد المتقرنـة خاصة في الطبقة القرنية كما يتم ذلك ايضا في ليفة الشعرة ممـا يـؤدي لانحـلال نسـيج الشـعرة وتصـدعها وتفتتهـا. بعد ذلك يحـدث نضح خفيف نتيجة إثارة الخلايا الطلائية الجلدية ويختلط ببقايا ليف الشعر والخيوط الفطرية مكونـاً قشـوراً جافة وهشة على سطح الجلد .
يواصل الفطر التكاثر والنمو إذا وجـد الظـروف الملائمـة ( الرطوبـة النسـبية العاليـة وقلويـة سـطح الجلـد ) ، وبمـا أن كـل الفطريـات المـذكورة هوائيـة النمـو ، فـإن الخيـوط التـي تغطيهـا القشـور تمـوت خاصـة فـي مركـز الآفـة ، بينمـا تواصـل تلـك الموجـودة فـي أطـراف الآفـة نموهـا ، مـا يعطـي الجلدية شكلها الدائري أو الحلقي المميز. مما يؤدي الى تسـاقط شـعر الحيـوان المصـاب، وظهـور إلتهابـات جلديـة علـى شـكل حلقـات محـددة الحافـة حـول العـين والأذنـين والرقبـة والخطمـة وحـول الفـم والمؤخرة، ويمكن أن تكون الإصابة متعمّمة على كامل الجسم . خلال 2-3 شهور تتكون قشور رمادية في أماكن الإصابة .
وتعتبر الإصابة بفطر القراع في المجترات عملية التهابية حيث تزداد مستويات بروتينات الطور الحاد (مثل الهابتوجلوبين و مصل بروتين الأميلويد) بشكل كبير استجابةً للالتهابات وتلف الأنسجة .
تتطور الاستجابة الالتهابية الشديدة في العائل عندما لا يتم تكييفها في العائل الطبيعي لها . يعتمد خط سير المرض على التفاعلات المتنوعة للفطر ، والتي تسمح لمسببات الأمراض بالتغلب على الجهاز المناعي للعائل وتحفيز مسارات إشاراته لتفعيل الاستجابة المناعية ضد الممرض . حيث يستخدم هذا الفطر الكيراتين من الشعر وطبقة القرنية للجلد كمصدر غذائي عن طريق إنزيمات قوية .
تتمتع هذه الإنزيمات المحللة للبروتين بأعلى نشاط في الأغنام مقارنةً بالأنواع الأخرى بما في ذلك البشر ، وتلعب دورًا رئيسيًا في التسبب في المرض عن طريق تحفيز التفاعلات الالتهابية . تشمل هذه التفاعلات التغيرات التحسسية ، فرط الدم ، تمدد الشعيرات الدموية ، الوذمة في مكان الإصابة ، تليها تلف الطبقة القاعدية للبشرة ، ثم نخر وتمزق في الأدمة . علاوة على ذلك ، فإن التفاعلات الجهازية واضحة في شكل تحفيز الجهاز الشبكي البطاني (Reticulo-Endothelial System) مصحوب بتدفق الخلايا البيضاء المتعادلة والخلايا الأحادية النواة من الدم إلى موقع الإصابة على سطح الجلد .
يؤدي تحفيز هذه الخلايا المناعية الى تعرض الكائن الحي للاضطراب المناعي ، مما يؤدي الى زيادة نشاط وتحفيز الشوارد الجذرية التفاعلية الحرة و تثبيط وزعزعة استقرار توازن مضادات الأكسدة تجاه النشاط المفرط لأنواع الشوارد الجذرية التفاعلية الحرة ، مما يؤدي إلى تكوين بيروكسيد الدهون ، أي بدء الإجهاد التأكسدي .
أكثر الجذور الحرة وفرة في النظم البيولوجية هي الجذور الحرة المتمركزة في الأكسجين وأيضاتها ، والتي يشار إليها عادة باسم نواتج الأكسجين التفاعلية (ROM) . تتشكل هذه النواتج بشكل مستمر كمنتجات ثانوية طبيعية للأيض الخلوي . وبتركيزات منخفضة ، فهي ضرورية لعدة عمليات فسيولوجية ، بما في ذلك فسفرة البروتين ، وتفعيل عوامل النسخ ، وتمايز الخلايا ، وموت الخلايا المبرمج ، ونضوج البويضات ، وتخليق الستيرويد بالاضافة الى مناعية الخلايا ضد الكائنات الحية الدقيقة .
ومع ذلك ، عند إنتاج نواتج الأكسجين التفاعلية بكميات كبيرة ، فانها تتغلب على النظام المناعي ومضادات الاكسدة (TAC) بالجسم وبذلك يمكنها أن تتلف وظائف الخلية لأنها تضر بالدهون الخلوية والبروتينات والحمض النووي وبالتالى تلف الانسجة وظهور البؤر المرضية بالجلد .
على الرغم من التقدم الكبير في معرفة مسببات الأمراض الفطرية ، فإن التفاعل بين الفطر والعائل في أمراض الجلد الفطرية يعتبر قصة قديمة (ولكنها غير مكتملة) وحتي الان توجد بعض اصابات الجلد الفطرية التي لا يمكن علاجها أو التحكم في انتشارها .
لذلك فإن الفهم الكامل للتسبب في الإصابة بالفطريات قد يفتح المجال للتحكم في المرض سواء في الحيوان او الانسان . وللحصول على فهم أعمق لهذه المشكلة يجب ان تكون هناك دراسات عميقة تهدف إلى تقييم الفسيولوجيا المرضية وخاصة الإجهاد التأكسدي الموضعي وتلف خلايا الجلد وايضا نظيره المنتشر في الدم في الحالات الحقلية من الأغنام المصابة سريريًا بالفطريات الجلدية .