الأخبارالمياهالنيلحوارات و مقالاتمصر

د عبدالفتاح مطاوع يكتب: كورونا فيروس البلطجة المائية الإثيوبية

خبير مياه – مصر

منذ انشغل الإعلام المصري والعالمي بمتابعة فيروس كورونا و اجتياحاته، تراجع الحديث عن سد النهضة الأثيوبي ومخاطره.وكان التفاوض قد توقف بين كل من مصر والسودان وأثيوبيا بعد اجتماع فبراير ٢٠٢٠ بواشنطن بالولايات المتحدة الأمريكية، والذي تخلفت عنه أثيوبيا ولم توقع على ما توصل له خبراء وزارة الخزانة الامريكية و خبراء البنك الدولى من اتفاق، يحقق مصلحة كل دولة من الدول الثلاثة مصر و السودان و إثيوبيا و بأقل مضار لكل دولة من الدول الثلاثة، و بعدما بان لهؤلاء الخبراء أن فرق التفاوض من الدول الثلاثة لو جلست للتفاوض مائة عام أخرى لن تتوافق، لأنها جلست تتفاوض تسعة سنوات و زيادة، إلى الحد الذى كانت صورهم قد أصبحت أشبه بصور أهل الكهف، ولو كنت سألتهم كم لبثتم في التفاوض؟ لقالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم، ولم يقدروا أنهم بفعل فاعل قد استهلكوا الوقت فيما لا يفيد. .

٣ سيناريوهات:

وحقيقة الأمر أن الدول الثلاثة كانوا قد أصبحوا قبل اجتماع واشنطن على أبواب سيناريوهات ثلاثة، وهذه السيناريوهات الثلاثة يمكن تلخيصها فى الآتى :

١- سيناريو ليموزين سكة السلامة

٢- سيناريو ميكروباس سكة الندامة

٣- سيناريو تكاتك سكة اللى يروح ما يرجعش

ونحن نعتقد أن مصر قد اختارت موقف الليموزين وهى تقف الآن في موقف سكة السلامة، حين ذهبت للتوقيع بالأحرف الأولى على مسودة الاتفاق، التي أتمنى أن يتم نشرها، لأنها أصبحت علنية وليست سراً من الأسرار ولا قدساً من الأقداس.

أما أثيوبيا ففي اعتقادي أنها قد وضعت نفسها في موقف ميكروباس سكة الندامة، لأنها لو كانت ذهبت لواشنطن وحتى لم توقع على مسودة الاتفاق، و طلبت وقتاً ضائعا قبل أن تتأزم مشكلة كورونا، كان يمكن لها أن تتذرع اليوم بحجة كورونا، و للأسف الشديد وما لم تتراجع الآن وترجع لموقف ليموزين سكة السلامة، فإن تقديري أنها ذاهبة إلى موقف تكاتك سكة اللى يروح ما يرجعش، لأنها تكون قد اختارت السير في طريق ما أسميه بالسيناريو الأسود على سد النهضة الأثيوبي العظيم، لأنها تكون بذلك قد حولت السد من مشروع للتنمية إلى مشروع للخراب .

و بالنسبة للسودان فقد ذهبت لواشنطن و طلبت وقت بدل ضائع أو وقت إضافى، فى محاولة منها لعدم إغضاب الحكومة الأمريكية والبنك الدولى لأن حالتها الاقتصادية بعافية، وتعيش مشاكل المرحلة الانتقالية بعد الثورة على نظام البشير الذي دام حكمه قرابة ثلاثة عقود..

ومن واقع قراءاتي للبيانات الصادرة من وزارة الخزانة الأمريكية بعد كل اجتماع من اجتماعات المفاوضين، وما بها من عدد بسيط من المعلومات و الأرقام، وعلى الأخص فى البيان قبل الأخير، اكتشفت أن السودان ومن واقع احتياجاته من حصته من مياه نهر النيل على مدار العام، ليس لديه أي مشكلة فى تدبير احتياجاته عندما تحجز إثيوبيا نصف إيراد نهر النيل الأزرق، للبدء فى ملء خزان سد النهضة خلال أشهر يونيو و يوليو و اغسطس و تترك باقى الإيراد يمر ، أو عند البدء فى ملء خزانات سدوده بنهاية شهر سبتمبر من كل عام، و لكن مشكلة السودان الكبرى تتعلق بأمان سد النهضة عند ملئه وتشغيله، الآن أو في المستقبل.

و بالنسبة لإثيوبيا، والتى طلبت وتمت الموافقة على طلبها تخزين ٤,٥ مليار م٣ للبدء في أعمال التشغيل التجريبى لعدد ٢ مولد كهرومائي، إلا أنها فضلت التخلف عن الاجتماع الأخير في واشنطن لتتهرب من التوقيع.

وعندئذ جال بخاطرى المقولة الشهيرة للرئيس الفرنسى چورچ بومبيدو عندما قال: هناك ثلاثة أشياء جاهزة لتدمير الإنسان، أولها اللهو مع النساء، و ثانيها لعب القمار، و ثالثها الفنيين، ثم علق على كل واحدة منها بقوله: الأولى أحلاهم و أمتعهم، والثانية هي الأسرع تدميراً، والثالثة هي المؤكدة.

ولكن كيف يكون السد خراباً على أهله فى زمن كورونا او سيناريو أسود على السد؟ .

العملية بمنتهى البساطة أن منطقة شرق أفريقيا هى من أكبر مناطق العالم تلقياً للمعونات الغذائية بالعالم، وذلك على الرغم من غناها بالموارد المائية، ولكنها تفتقر لمشروعات البنية الاساسية لإنتاج الغذاء من مدخلات و مخرجات للعملية الإنتاجية و للخدمات، ناهيك عن أثر التغيرات المناخية، التى نسميها بالأزمة الكونية الأولى بالقرن العشرين، و التى جاءت بعدها أزمة فيروس كورونا ، كثاني أزمة كونية بالقرن الحادى والعشرين.

الفيروس المائي الدولي:

العجيب فى موضوع المشاكل الجديدة التي يواجهها العالم، أنها اصبحت كونية، ولم تعد محلية أو وطنية أو إقليمية، وهذا يؤكد على السيناريو الأسود على سد النهضة الأثيوبي.

فالموقف الأثيوبي من مياه نهر النيل أصبح شبيهاً بالفيروس الذي يمكن تسميته بفيروس الإرهاب المائي الدولي، الذي أصبح يهدد الأمن والسلم الدوليين، وذلك لوجود أكثر من ٢٦٠ نهراً دولياً مشتركاً بين دولتين أو أكثر من دول العالم، منهم ٦٠ نهراً دولياً مشتركاً بالقارة الإفريقية وحدها.

ومن مزايا كورونا التعرف على المنظمات الدولية للأمم المتحدة، مثل منظمة الصحة العالمية ومقرها مدينة چنيف بسويسرا، حيث مديرها العام الدكتور تاوضروس أدناهوم الأثيوبي الجنسية، ومنظمة الأغذية والزراعة و مقرها روما العاصمة الايطالية، و منظمة التجارة العالمية … و غيرها الكثير من المنظمات العالمية، التي تقوم بعمل مؤتمرات صحفية يومية، لعرض الموقف والتطور الذي وصل اليه الفيروس فى كل نواحي الحياة، و على الأخص في الصحة والغذاء.

التقرير اليومى الذى يعرضه د. تاوضروس من أهم التقارير التي نتابعها يومياً لمعرفة ما يدور بكل دول العالم، وبالتأكيد كل الجنسيات من كل دول العالم تتابع هي الأخرى ما يحدث.

من أهم ما ذكره د. تاوضروس، عندما قال لكل سكان العالم، وكأنه يخص منهم الأثيوبي والمصري والسوداني و غيرهم، قال: “لا تفترض أنك بعيد عن الفيروس” وها أنت يا أيتها القارة الإفريقية ” استيقظي”.

عندها أيقنت أن تلك الرسالة لا تخص فيروس كورونا فقط، ولكنها تخص أيضاً فيروس البلطجة المائية الإثيوبية، وكأنه يخص إثيوبيا ومواطنيها ، لمعرفته كيف يفكر العقل الأثيوبي .

رسالتنا لأثيوبيا:

وها هى رسالتتا لأثيوبيا، “لا تفترضي أنك بعيدة عن العقاب والحساب” ومن فضلك استيقظي، لأننا وبإرادتنا وحفاظاً على مصالحنا، إذا ما أردنا أن نوقف سريان المساعدات، التي تمر من قناة السويس وتذهب اليكم فى زمن كورونا، فإنكم بذلك تنحروا مواطنيكم، بعدما أوهمتموهم أنكم تملكون الأرض وما عليها، وما أنتم بمالكيها.

فعلى الرغم من أننا في مصر لم نتأثر بموجة الجفاف التي اجتاحت منطقة شرق إفريقيا، والتي امتدت لحوالي عشر سنوات، من نهاية حقبة السبعينات والثمانينات بالقرن العشرين، وذلك لأننا استفدنا من المياه المختزنة ببحيرة ناصر أمام السد العالى، لتغطية العجز الرهيب الذى حدث فى ايراد نهر النيل خلال تلك الفترة، التي مات فيها أكثر من ١٥ مليون من البشر وأضعافهم من حيوانات الماشية وغيرها.

فى حين أن منطقة هضبة البحيرات الإستوائية تعرضت هي الأخرى لموجة من الأمطار الغزيرة والفيضانات، على مدى خمس سنوات الأولى من حقبة الستينيات من القرن العشرين، وتسببت فى غرق دولها فى المياه، وتلتها حروب عنيفة بين دول الهضبتين في السبعينات و الثمانينات من القرن العشرين، ثم مرحلة المذابح الجماعية فى التسعينيات.

تلخيصاً لتركيبة السيناريو الأسود الذي قد  يفرض نفسه على سد النهضة الإثيوبى، نجد أنه محصلة لمجموعة من العناصر موجودة بالفعل بخلاف ما يستجد كالآتى:

⁃ موسم أمطار كثيفة مع فيضان عالي مدمر، أو موسم أمطار شحيحة مع جفاف قاسي، وأيهما محتمل فى ظل الازمة الكونية الأولى ( التغيرات المناخية).

⁃ آثار سلبية في ظل الأزمة الكونية الثانية (لفيروس كورونا)، تتسبب فى نقص إمدادات الغذاء من أمريكا وأوروبا لمناطق المعونات الغذائية بشرق إفريقيا.

⁃ الاستمرار في العناد والنعرة القومية الزائفة، والعيش فى الوهم اللذيذ فى ظل الأزمة الكونية الثالثة (فيروس الإرهاب المائي الدولي).

⁃ خلطة مركبة من عدم التقدير السليم لردود الأفعال، والنوم في العسل والحماقة السياسية .

إن مجموعة العناصر السابقة، مع انشغال قادة العالم فى حربهم مع فيروس كورونا، وانشغالهم مع زيادة الأعداد المصابة يومياً، وكذلك عدد الضحايا، وانهيار البورصات العالمية وأثره على الانكماش الاقتصادى، وانهيار أسعار البترول لمن كان لديه وفرة مالية، لن ترحم الأغبياء والحمقى، اذا ما قرروا إيذاء جيرانهم أو شركائهم أو أنفسهم، وتعريض مواطنيهم للجوع والفقر والضعف والموت .

فهل ستدرك أثيوبيا وتعرف أن تحقيقها لمصالحها غير ممكن إلا بالاتفاق مع مصر والسودان؟ وضرورة الإقرار بمبدأ عدم الإضرار بدول المصب؟ أم ستترك نفسها للسير نحو مخاطر ذلك السيناريو الأسود؟

نقلا عن الموقع الاليكتروني لصحيفة الأهالي

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى