الأخبارالانتاجالصحة و البيئةالمياهبحوث ومنظماتحوارات و مقالات

د عبد السلام منشاوي يكتب: الاعتدال في ري القمح وصرف الماء الزائد يحقق الإنتاجية العالية للمحصول  

>>أخطر وأهم ريه في القمح هي رية الزراعة و هناك اعتقاد خاطئ جدا بأن تأخير رية المحاياة (التشتية) يشجع ويزيد التفريع

رئيس بحوث متفرغ ومربي قمح بمحطة بحوث سخا- قسم بحوث القمح- معهد بحوث المحاصيل الحقلية – مركز البحوث الزراعية

هناك عوامل عديدة  تؤثر على نمو وإنتاجية القمح، منها عوامل غير متحكم فيها وليس للإنسان دور فيها كالحرارة والرطوبة والفترة الضوئية والأمطار وخلافه من عوامل الطقس والظروف البيئية المحيطة.

أما العوامل الأخرى المتحكم فيها، والتي يكون المزارع هو المسئول عنها وتدخل ضمن إدارة المحصول،  فهي التوصيات الفنية أو العمليات الزراعية التي تتم من خلال المزارع كخدمة الأرض والزراعة والري والتسميد ومكافحة الحشائش والآفات والأمراض والحصاد والدراس ….الخ.  ويأتي الري من بين أهم العوامل المؤثرة في العملية الزراعية.

تعد عملية الري من أخطر العمليات الزراعية لمحصول القمح، والتي تؤثر تأثيرا مباشر على نمو المحصول وإنتاجيته. وعملية الري تنبع أهميتهما في تأثيرها المباشر على نمو النبات وكذلك  ارتباط عملية التسيد بالري من حيث الإضافة، ففي الغالب لابد من إضافة السماد مع الري. كما أن كفاءة السماد تعتمد اعتمادا كبير على عملية الري، فكلما كان الري معتدلا وجيدا كانت كفاءة السماد في أعلى درجاتها، وحينما يكون هناك تغريق وإسراف في الري، كما في حالة الري السيئ تكون كفاءة السماد منخفضة جدا. لذلك وجب العناية جدا بالري والتسميد.

والري من العمليات المهمة والتي تؤدي إلى تحقيق إنتاجية عالية من محصول القمح. ويجب الاعتدال في الري دون مبالغة أو إسراف فيه ولا تعريض النبات للتعطيش والإجهاد المائي. فيجب أن لا يتم الري إلا إذا كانت التربة والنبات بحاجة إلى الري، وعلامات ذلك معلومة بجفاف سطح التربة وتشققها وظهور أعراض احتياج النبات بعلامات الذبول خصوصا وقت الظهيرة، فيجب حينها ري الأرض مباشرة. ويختلف عدد الريات على حسب عوامل عدة منها نوع التربة والمنطقة والأمطار وحرارة الجو وخلافة، فالمهم ليس عدد الريات ولكن المهم الاعتدال في الري دون إسراف ولا تعريض النبات للتعطيش والإجهاد المائي.

وأخطر وأهم رية في القمح هي رية الزراعة، حيث يتوقف عليها نجاح الإنبات وما يترتب عليه من التأسيس الجيد للمحصول. حيث يكون نمو البادرات قوي ويساهم في بناء السعة التخزينية للنبات من خلال زيادة التفريع وعدد الأزهار في السنبلة. كما يزيد من كفاءة استخدام المياه والسماد، ويقلل من إنبات الحشائش خصوصا الحشائش النجيلية والتي يرتبط إنباتها مع زيادة الرطوبة. وكل ما سبق يؤدي إلى زيادة المجموع الخضري والذي يرتبط بإنتاجية الحبوب في النهاية. وأما في حالة خروج البادرة ضعيفة ومتأثرة بزيادة مياه الري  وعدم الصرف الجيد فلا يمكن معالجة ذلك مهما كانت الظروف.

 

وهنا يجب التأكيد على أن حبوب القمح حساسة جدا للمياه والبذرة لا تحتاج إلا إلى كميات قليلة جدا من الماء لكي تنبت تمثل 35 % من وزن الحبة، وبالتالي فان زيادة كمية المياه مع سوء الصرف تؤدي إلى مشاكل عدة في الإنبات وما يترتب عليه من حالة البادرة الضعيفة. ومن المهم في الزراعة تغطية البذور بالتزحيف إذا كانت الزراعة عفير بدار، وبعدها يكون الري على الحامي وصرف الماء الزائد مباشرة.

وقد تحدث مشاكل كثيرا في الإنبات بسبب سوء الري والتغريق وعدم الصرف الجيد ويصعب معالجتها. وقد يدعي المزارع أن التقاوي غير جيدة وغير صالحة للزراعة ولكن في الواقع هي ناتجة عن ممارسات خاطئة في عملية الزراعة وزيادة ماء الري وعدم الصرف الجيد. ومن السهل معرفة ذلك، إذا كانت المشكلة ترجع إلى ممارسات خاطئة في عملية الزراعة أو إلى عيوب في التقاوي، وذلك من خلال معاينة الحقل ومشاهدة تجانس الإنبات فيه.

ففي حالة الممارسة الخاطئة نجد عدم تجانس في إنبات الحقل فيكون بعض المناطق في الحقل إنباتها جيد وطبيعي ويتدرج في الإنبات إلى عدم وجود إنبات في مناطق أخرى مع العلم أن مصدر التقاوي واحد ويلازم ذلك وجود شواهد للممارسات الخاطئة في عملية الزراعة مثل التغريق أو طريقة زراعة خطأ، وهنا يسهل الحكم بأن المشكلة هي الممارسة الخاطئة في الزراعة وليست مشكلة تقاوي.

أما إذا كانت المشكلة في التقاوي فيكون عدم الإنبات ظاهرة عامة في الحقل مع عدم وجود شواهد للممارسات الخاطئة في عملية الزراعة وهذا نادرا جدا في تقاوي القمح ويقتصر على حالات نادرة خصوصا إذا كان مصدر التقاوي لدى المزارع ومكان التخزين به حشرات النمل التي تتغذى على الجنين وتترك بقايا الحبة كاملة.

ثم بعد ذلك تأتي الرية التالية لرية الزراعة وتسمى رية المحاياه ( التشتية) وتكون بعد فترة تختلف حسب خصائص الأرض والظروف الجوية، وفي الغالب بعد 20-30 يوم من الزراعة. ويجب أن لا تتأخر هذه الرية عن اللزوم حيث تكون النباتات في مرحلة حرجة جدا وهي مرحلة التفريع وتأسيس النبات ومرتبطة بإضافة السماد الأزوتي  والذي يكون النبات في أمس الحاجة إليه. وهناك اعتقاد خاطئ بأن تأخير هذه الري يشجع ويزيد التفريع وهذا خطأ 100% حيث أنها مرحلة تفريع وإعطاء خلفات أكثر والتي بدورها تحتاج إلى مدخلات أكثر وهما الري والتسميد. ويجب العناية بهذه الرية أكثر في حالة الزراعة الحراتي وعدم تأخيرها، حيث تتشرب الأرض كميات كبيرة من المياه  وفي حالة تأخير الري وزيادة كمية المياه وعدم الصرف الجيد تؤثر تأثير سيء على حالة النباتات.

وتتوالي الريات بعد ذلك حسب حالة الأرض والنبات وقد تكون من 2-6 ريات حسب المنطقة والظروف البيئية من أمطار وحرارة وخلافة. وتعتبر مرحلة التفريع وطرد المتوك أكثر المراحل حساسية ويكون الري فيها ضروري جداً فيجب عدم تعطيش النبات فيها.  أما مرحلة امتلاء الحبوب فهي أقل المراحل حساسية للري ويفضل أن يكون الري على الحامي ويصرف الماء الذائد مباشرة. كما يراعي عدم الري في وقت هبوب الرياح لكي لا تتعرض النباتات للرقاد والذي يؤدي إلى حدوث أضرار كبيرة ونقص في المحصول بنسبة كبيرة تعتمد على وقت حدوث الرقاد وزواية ميل النباتات مع سطح التربة.

يعتبر الاعتدال في الري وصرف الماء الزائد بعد الري من مقومات نجاح زراعة القمح ويحل كثيرا من المشاكل المتعلقة بالتربة والناتجة عن التغريق وسوء الصرف خصوصا في الأرض الطينية. وتتطلب تلك المشاكل علاجات نظرا للحالة السيئة للنباتات وذلك باستخدام بعض المواد المغذية والمنشطة للنمو والأحماض الأمينية ومستخلصات المادة العضوية ومنظمات نمو وخلافه من المواد المتداولة والتي يدعي البعض أنها مهمة للقمح، وفي الواقع نكون في غنى عنها في حالة الري والصرف الجيد للماء الزائد مباشرة. وعليه أذا تم إحكام الري والصرف فسوف نتغلب على معظم المشاكل لدينا. ويتضح ذلك حينما نذكر ما هي أضرار تعطيش أو تغريق القمح وما يحدث للنبات من جراء ذلك.

أضرار التعطيش:

المقصود بالتعطيش هو تعرض النبات لإجهاد مائي بسبب عدم وجود ماء ميسر بالتربة يكفي لحاجة النبات، يختلف ذلك حسب قوام التربة وعوامل أخرى كثيرة  سواء كانت تتعلق بالتربة أو الظروف البيئية المحيطة بالنبات.

ويتمثل الضرر الناتج عن التعطيش للنبات في أنه عند تعرض النبات للعطش يقوم بإغلاق الثغور على الأوراق للمحافظة على المياه في النبات وبالتالي يمنع دخول ثاني أكسيد الكربون وعلية يتوقف عملية البناء الضوئي وأيضا يتوقف تكوين السكريات اللازمة لعملية النمو ويتوقف النمو وبالتالي يتوقف نمو الأوراق وتكوين البراعم الفرعية وبطئ نمو الساق الرئيسية وعلية يتم تأخير نمو الأوراق والأفرع وتدفع النبات لتكوين السنابل ويكون نمو النباتات ضعيفة وينعكس ذلك سلبا على مكونات المحصول وعليه ينقص المحصول بدرجة تعتمد على شدة العطش الذي تعرض له النبات.

أضرار التغريق:

المقصود بالتغريق هو زيادة كمية مياه الري مع عدم وجود وسيلة للتخلص منها في أسرع وقت لسوء أو انعدام شبكة الصرف أو تكاسل المزارع لعدم الدراية بمدى خطورة الأمر وتتحول التربة إلى أرض غدقة.

ويتمثل الضرر الناتج عن التفريق للنبات في أنه إذا ظلت الأرض مشبعة بالمياه لفترة طويلة عن اللازم ينتج عنه استنفاذ الأكسجين الموجود بالتربة وبالتالي يتوقف الجذر عن النمو وامتصاص العناصر الغذائية وتنغلق الثغور مما يؤدى إلى عدم حدوث التمثيل الضوئي. كما يتم تحويل الآزوت من الصورة الميسرة إلى الصورة الغير ميسرة ولا يستفيد منه النبات وهذا هو مكمن الخطر الحقيقي.

وفي هذه الحالة يصبح النبات غير قادر على امتصاص النتروجين اللازم من التربة فتقوم النباتات باستخلاص النيتروجين من الأوراق القديمة نتيجة لنقص النيتروجين وتصفر الأوراق ولا يقوم النبات بالتفريع والتخليف. ويؤدى التغريق في الري إلى تحول لون الأوراق السفلي إلي الأصفر اللامع ثم موتها ولون الأوراق العليا إلى الأصفر الشاحب نتيجة نقص النتروجين وهذا العرض نلاحظه كثيراً في شهر يناير خصوصاً في المناطق سيئة الصرف مع زيادة مياه الري.

ويلاحظ أيضا أن التربة تظل فترات طويلة رطبة ومغطاة ببقع خضراء من الفطريات. ويؤثر ذلك على عملية الأكسدة والاختزال وفى حالة أخذ مليء اليد من التربة وشمها نجد أن رائحتها كريهة كأن بها أشياء ميتة ولكن الحقيقة هي كبرتيد الهيدروجين نتيجة للاختزال.

ويزيد الضرر الناتج من التغريق أو التعطيش خصوصا في مرحلة الإعداد لبناء السعة التخزينية للنبات وهي حتى نهاية مرحلة التفريع وتكون بعد 50-60 يوم تقريبا من الزراعة (قد تزيد أو تقل قليلا عن ذلك حسب الصنف المنزرع  أو ميعاد الزراعة).

أسأل الله أن يكون موسم خير وبركة على الزراع والوطن

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى