الأخبارالمياهبحوث ومنظماتحوارات و مقالاتمصر

د علي إسماعيل يكتب: خطة مصر لمواجهة محدودية الموارد المائية والتلوث

>>رؤية الدولة المصرية تستهدف تجفيف منابع التلوث وضمان سلامة الغذاء

استاذ ادارة الاراضي والمياه – مركز البحوث الزراعية – مصر

لاشك أن ما تقوم به الدولة المصرية من تحسين النظم البيئية بصفة عامه وتحسين نوعية المياه بصفه خاصة أصبحت من الاهمية في ظل محدودية الموارد المائية ونقص نصيب الفرد من المياه والوصول إلى حد الفقر المائي والبحث عن مصادر جديدة تعزز بها الدولة مواردها المائية لمجابهة النمو السكاني وزيادة الطلب على المياه لأغراض الزراعة والتوسع الأفقي والمجتمعات العمرانية الجديدة والصناعة.

الموارد المائية المصرية

ومن اهم الموارد المائية المتاحة مياه الصرف الزراعي والصحي والتي يتطلب المحافظة عليها واعادة استخدامها بشكل امثل ومن هنا لابد من الاهتمام بوقف مصادر التلوث والالتزام بالمعاير الدولية في عمليات معالجة مياه الصرف ومن خلال ذلك لابد من دراسة كافة الجوانب التي تلوث المياه ومعرفة انواعها وتنفيذ منظومة المعالجة بأشكالها المتعددة وتبطين الترع لتحسين نوعية المياه وتقليل مصادر التلوث.

ونظرا للظروف الحالية وما يطرا عليها من متغيرات محلية وإقليمية فان الموارد المائية الموجودة أصبحت غير كافية من الناحية العملية والتطبيقية وان التطور السريع الذي تشهده مصر خلال السنوات القليلة الماضية والذي يمثل نقلة حضرية ونوعية للدولة المصرية يلزم معه تطوير منظومة الري وتحديثها في النشاط الزراعي.

التحديات المائية للتنمية الزراعية

المشروعات الطموحة للدولة المصرية تستهدف مواجهة التحديات المائية للتنمية الزراعية والاستفادة القصوى من وحدة المياه مع وحدة الارض لتعظيم الانتاجية الزراعية وزيادة الناتج القومي الزراعي المرتبط بالتركيب المحصولي الاقتصادي والاستراتيجي –  زيادة الرقعة الزراعية بإضافة مساحة جديدة ( التوسع الافقي) – زيادة الانتاجية في الاتجاه الراسي لوحدة المساحة من خلال المعاملات الزراعية وحزم التوصيات  – تحسين الاصناف النباتية      وتطويرها وتحسين برامج التربية تحت ظروف التغيرات المناخية – تطوير وتحديث منظومة الري الحقلي وصيانة التربة – التصنيع الزراعي والقيمة المضافة .

الوضع الحالي للميزان المائي لمصر

وبناء عليه فان الميزان المائي لمصر يمر بعجز دائم ومتراكم في التوازن المطلوب بين العرض الكلي والطلب الكلي المتزايد بمعدل متزايد بزياده عدد السكان متمثلة في مشروعات المجتمعات العمرانية والقري الجديدة علي مستوي الاسكان والتوسع في زياده مشروعات الاستصلاح القومية والأهلية في الاراضي الجديدة الامر الذي بات ومن المؤكد تضأل نصيب الفرد من المياه الي اقل من ٦٠٠ متر مكعب الي ٤٥٠ متر مكعب في السنه عام ٢٠٢٥ .

ومن المتوقع ان يصل نصيب الفرد عام ٢٠٥٠ الي ادني من ٣٥٠ متر مكعب في السنه وذلك لزياده متوسط معدل النمو السكاني ٢% ويصل استهلاك الفرد الي ٢٤٧ لتر/ يوم وبالتالي سوف يصل عدد السكان عام ٢٠٥٠ الي ١٧٢ مليون نسمه الامر الذي يتطلب زياده الموارد لتصل الي نحو ٩٧ مليار متر مكعب الامر كذلك الذي بات يؤكد علي فجوه مائية كبيره.  لذا من الاهمية رفع الكفاءة الاقتصادية علي مستوي الحقل التي تعمل علي توفير المياه وزياده الإنتاجية من وحدة المياه والارض الامر الذي يجعل الأولوية لمشروعات تطوير الري الأولوية الاولي لأهميتها  وخاصة المساقي والمراوي ونظم  الري  داخل الحقل عنها في المجاري المائية لترع النقل والتوزيع.

حقيقة التكيف مع ندرة المياه

إن ندرة وشح المياه سوف تؤثر على القطاع الزراعي اكثر من القطاعات الاخرى ، وفي ظل جميع السيناريوهات ، فإنه يتوقع ان ينخفض متوسط المياه المخصصة لكل فدان بنحو يتراوح من 6%  الى 11% ، وللحفاظ على القطاع الزراعي بوصفه احد الدعامات الاساسية للاقتصاد الوطني ، فإن القطاع يحتاج الى التكيف مع حالة ندرة المياه عن طريق قدرة القطاع علي تطوير منظومة الري الحقلي وتحديثها والاستفادة من البحوث العلمية المرتبطة بالأصناف والسلالات عالية الانتاجية المتحملة للجفاف وقصيرة العمر والممارسات الزراعية  وعلاقة وحدة الارض بإنتاجية وحدة المياه.

كيف نواجه أزمة تلوث المجاري المائية؟

تلوث المجاري المائية  وتعتبر المواد العضوية والكيمائية  الناتجة  من المصادر المختلفة (المنزلية والتجارية ومخلفات بعض الصناعات كصناعة التعليب للاسماك وانتاج السكر وكذلك  مخرجات الزراعة والصرف الصحي ) الى المجاري المائية من العوامل المهمة في تلوث المياه بالملوثات العضوية فهي بالإضافة الى ما قد تطرحه من كائنات مجهرية (بكتريا و طفيليات) قد تكون في كثير من الاحيان ممرضة .

وعادة ما تعمل على استنفاذ الاوكسجين من هذه الاجسام المائية وخصوصا عند طرحها بكميات كبيرة اذ تعمل البكتريا الموجودة في المياه على تحليل هذه المركبات العضوية الى مركبات لا عضوية فعلى سبيل المثال تتحول المركبات البروتينية المحتوية على الاحماض الامينية الى نترات ونتريت والمركبات التي تحتوي على كربون الى ثنائي اوكسيد الكربون.

ولكن عند التلوث العالي بالمركبات العضوية ستقوم البكتريا عند تحليلها للمركبات العضوية باستنفاذ الاوكسجين وتحول الظروف الهوائية الى  ظروف لاهوائية منتجة امينات بدلا من النترات والنتريت وغاز الميثان بدلا من ثنائي اوكسيد الكاربون ومن المعروف ان انخفاض تركيز الاوكسجين الى اقل من 5 ملجم/لتر في الماء يعد ضارا للأسماك  والاحياء المائية هذا اضافة الى تداعيات كبيرة اخرى على التنوع البيولوجي .

ومن الضروري العمل علي توفير بيانات عالية الجودة تعكس التعرض البشري والتركيز البيئي لهذه المواد الكيميائية الخطرة  وقد   نفذ فرع المواد الكيميائية والصحة في الأمم المتحدة عدة جولات من المشاريع منذ عام 2004 بالتعاون الوثيق مع أمانة اتفاقية استكهولم ، بمساعدة مالية بشكل رئيسي من مرفق البيئة العالمية ( GEF) ومساهمات من الصندوق الانمائي للنهج الاستراتيجي للإدارة الدولية للمواد الكيميائية (SAICM) وحكومة النرويج والاتحاد الأوروبي وأمانة اتفاقية استكهولم للوقوف علي رصد وتحديد اهم الملوثات العضوية في المجاري المائية واثارها علي البيئة والصحة العامة .

ويمكن ان نعرف الملوثات العضوية الثابتة  بانها هي مركبات قائمة على الكربون من حيث مقاومتها للتدهور و لا تذوب الملوثات العضوية الثابتة في الماء بسهولة ولكنها محبوسة بسهولة في التربة كما أنها قابلة للذوبان في الدهون . الملوثات العضوية الثابتة لا تتحلل بسهولة بسبب ثباتها وانخفاض معدل تحللها.  وان معظم الملوثات العضوية الثابتة اصطناعية، يتم الحصول عليها من المواد المستخدمة في مكافحة الآفات والمذيبات والأدوية والمواد الكيميائية الصناعية.

والملوثات العضوية الثابتة  التي لا يمكن التخلص منها في عملية التمثيل الغذائي مما يؤدي إلى تراكمها  ومع مرور الوقت يؤثر سلبا على الكائنات الحية .  وان الذوبان السهل للملوثات العضوية الثابتة في الدهون يساعد علي تجميعها في الأنسجة الدهنية للحيوانات لفترة طويلة. وكلما تراكمت الملوثات العضوية الثابتة  زادت السمية في الحيوانات والبيئة. وقد يتسبب التعرض للملوثات العضوية الثابتة في حدوث مشاكل نمو وأمراض طويلة الأجل والموت من بعض الملوثات العضوية الثابتة مسببة للسرطان. يمكن للآخرين أن يسبب مشاكل في الإنجاب ، ويعطل الجهاز العصبي المركزي والجهاز المناعي.

الإتفاقيات الدولية لمواجهة التلوث

 اتفاقية ستوكهولم  تم تبني اتفاقية استكهولم وتنفيذها من قبل برنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب) في عام 2001 لحماية الإنسان والبيئة من الملوثات العضوية الثابتة. اعتبارًا من عام 2014 ، امتثل 179 بلدًا للاتفاقية بعد إدراكها للضرر والآثار الضارة للملوثات العضوية الثابتة. تحاول اتفاقية استكهولم معرفة ثم تحديد ما إذا كانت المواد الكيميائية التي تم تطويرها مع التقدم في التكنولوجيا هي ملوثات عضوية ثابتة. ف

في الاجتماع الأول الذي عقد في عام 2001 ، وضع أعضاء الاتفاقية قائمة بالمواد الكيميائية المصنفة على أنها ملوثات عضوية ثابتة . حددت اتفاقية ستكهولم للملوثات العضوية الثابتة أثنى عشر مركبا كيميائيا خطيرا ، ضمن الملوثات العضوية الثابتة الاشد خطورة سميت (الدستة القذرة ) و هي مبيدات حشرية الدرين ، كلوروان، اندرين، هبتا كلور، ميركس، ددت، توكسانين، وكيماويات صناعية، منها هيكساكلوروبنزين، ثنائى فنيل متعدد الكلور ، وديكسونات، و فيورينات، وأضافت اتفاقية استكهولم تسع ملوثات جديدة ، مثل ألفا سداسى كلورهكسان حلقى، وبيتا سداسى كلور هكسان حلقى، كلورديكون، سداسى، البروم ثنائى الفينيل، سداسى بروم ثنائى فينيل اثير ليندين، خماسى كلور البنزين، حامض اوكتان فلوريد، سلفونيك..

أسباب تلوث مصادر المياه في مصر

ومن هنا نستعرض ما هي أسباب تلوث مصادر المياه في مصر و هل توجد أسباب أخرى تؤدي إلى تلوث مصادر المياه في مصر و ما هي آثار تلوث مصادر المياه ومن الاهم ان نحدد ما هي طرق حماية مصادر المياه من التلوث. ولنجيب علي هذه التساؤلات نستعرض الاتي:

أهم أسباب تلوث المياه في مصر:

التلوث الصناعي تؤدي النفايات الصناعية إلى تلوث المياه التي  تحتوي المخلفات الصناعية على بعض العناصر الضارة، والتي يصعب فصلها عن المياه، كالرصاص، والزئبق، والزرنيخ، والزيوت، والكبريت، حيث يؤدي وجود هذه المواد في المياه إلى تلوثها و تحتوي بعض مخلفات المصانع على مواد مشعة من شأنها أن تلوث المياه بشكل كبير مثل اليورانيوم، واليود، والتي تعمل على تلويث المياه السطحية، والجوفية .

وان مياه الصرف الصحي تقوم بتلوث مصادر المياه بالبكتريا الممرضة والطفيليات ويتواجد على أطراف نهر النيل عدد كبير من المدن التي يسكنها أعداد كبيرة جدًا من السكان، حيث يقوم هؤلاء السكان بتصريف مياههم العادمة في نهر النيل والمجاري المائية   مما يؤدي إلى تلوثها. و تتسرب هذه المياه الملوثة، وغير المعالجة إلى مياه الشرب، والتي يستخدمها بعض المواطنين  للشرب، مما يؤدي إلى حدوث العديد من المشاكل الصحية  وتعرضهم  للعديد من الأمراض بسبب تلوث هذه المياه.

تأثير التلوث علي القطاع الزراعي

وان  مياه الزراعة  تعتبر من احد أسباب تلوث مياه مصر من القطاع الزراعي حيث  تنتشر المزارع والمناطق الزراعية على طول نهر النيل من اسوان الي رشيد ودمياط ، مما يؤدي إلى تسرب مياه الري، والمياه التي تزيد عن التربة إلى نهر النيل والترع والمجاري المائية الموازية   مما يؤدي إلى تلوثها و تكون المياه الزراعية محملة ببعض المواد الضارة مثل بقايا الأسمدة، والمبيدات والمواد العضوية، والتي تختلط بمياه الري وتخرج الي المصارف او تعود الي المجاري المائية  مما يؤدي إلى تلوثها بشكل كبير مع استخدام نظم الري بالغمر .

و توجد أسباب أخرى تؤدي إلى تلوث مصادر المياه في مصرو فيما يلي أهم هذه الأسباب هو  ارتفاع عدد السكان بشكل كبير والتغيرات المناخية  في مصر مع  سوء إدارة  منظومة القمامة من قبل السكان برمي البلاستيك في  الترع ومخلفات القمامة علي جانبي الترع في الريف لنقص منظومة التدوير لمخلفات ونقص الوعي  والذي تعتبر من المواد الخطيرة  التي تسبب تلوث المياه بشكل كبير.  واحيانا فان تسرب النفط، والنفايات من القوارب و المعادن الثقيلة التي يتم رميها في نهر النيل وبعض الترع كسلوك بشري غير مدرك للأضرار التي قد تسببها هذه الاعمال من غسيل السيارات وتغير الزيوت والشحومات وصرفها  في المجاري المائية .

ومن هنا فإن  آثار تلوث مصادر المياه يؤدي إلى حدوث بعض انتشار العديد من الأمراض، والأوبئة وتؤثر المياه الملوثة إلى موت النباتات وتعرضها للأمراض. ولا يجب وضع الأسمدة على التربة  الا بالكميات المحددة دون اسراف ومع الري ويفضل استخدام التسميد الورقي ونظم الري الحديثة لتقليل فقد المياه وحتى لا تتسرب المياه الملوثة إلى مصادر المياه. لا يجب التخلص من الزيوت مثل زيوت السيارات في مصادر المياه. ويجب التخلص من النفايات في سلات المهملات بدلًا من رميها في مصادر المياه.

خطط مصر لمعالجة مياه الصرف الصحي

تبلغ اجمالي عدد محطات معالجة مياه الصرف الصحي حوالي 480 محطة معالجة ثنائية وثلاثية وان اجمالي ما يتم معالجته يوميا يزيد عن 13 مليون متر مكعب يوم من خلال 3061 محطة رفع واجمالي شبكات تصل اطوالها 51 الف كيلو متر.

وقد اهتمت الدولة خلال السنوات الاخيرة بموضوع المعالجة لمياه الصرف وتحسين نوعية المياه لتقليل مستويات التلوث ومنها اكبر محطة  معالجة علي مصرف بحر البقر الذي كان يعتبر اكبر مصدر للتلوث واعلي مستوي تلوثا في شرق الدلتا والذي كان يصب في بحيرة المنزلة  .

أن مصرف بحر البقر من أطول المصارف في العالم حيث يصل طوله حاليا الى حوالى 217 كم من القاهرة الكبرى حتى بحيرة المنزلة وحديثا إلى شمال سيناء مرورا بست محافظات هي القليوبية والشرقية والدقهلية والاسماعيلية وبورسعيد وشمال سيناء.

وكان مصرف بحر البقر قديما مخصصا للصرف الزراعي ولكن مع النمو السكاني والصناعي وزيادة المياه المستخدمة ومياه الصرف الناتجة من الزراعة والصحي والصناعي ساءت نوعية مياه المصرف ونقل هذا التلوث الكبير إلى بحيرة المنزلة مما أثر على نوعية المياه بها وتدهور الثروة السمكية، إلا أن أعمال تطوير البحيرة من التطهير والتكريك وإزالة التعديات أعاد لها الحياة مرة أخرى، وكان يصب فيها ما يقرب 9 مليون متر مكعب يوميا.

تم تحويل حوالى 5,6 مليون متر مكعب يوميا الى سحارة ترعة السلام في سيناء للمعالجة في المحطة الجديدة، بأجمالي حوالى 2 مليار متر مكعب تستخدم لزراعة حوالى 500 ألف فدان من خلال ترعة السلام حتى بئر العبد، بعد إضافة 2 مليار متر مكعب أخرى من مياه النيل النقية. وجاري انشاء محطة  العالمين لمعالجة مياه الصرف  في غرب الدلتا للاستفادة من مياه مصارف غرب الجمهورية التي كانت تلقي مياها في بحيرة المكس ومريوط بأجمالي تصرف يومي يتعدى 7 مليون متر مكعب يوم تستخدم في مشروع الدلتا الجديدة.

وهذا يعزز قدرة الدولة المصرية التي تعتبر الأولى من حيث إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي على المستوى الدولي والعالم في استخدام مواردها المائية بالشكل الأمثل مع ترشيد استخدام مياه الري .

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى