تجربة كوبا تعد نموذجًا مهمًا في الإمداد الذاتي من الغذاء، وتحقيق الأمن الغذائي لشعبها ومن السهل تعميم التجربة في مناطق كثيرة من العالم والتي تعاني من الفقر أو من أزمات نقص الموارد والتضخم وارتفاع الأسعار، وخاصة في الدول العربية ومنها مصر خاصة في ظل تعديات الحرب الروسية الأوكرانية.
لماذا نحتاج للاستفادة من التجربة الكوبية في تطوير الزراعة؟
كانت دولة كوبا من الدول الأكثر اعتمادا علي إستيراد البترول المستورد من الاتحاد السوفيتي، ومع انهيار الاتحاد السوفيتي وفي ظل حصار أمريكي قاسي تعرضت “كوبا ” لأسوأ أزمة غذائية في تاريخها، وهو ما دفع خبراء الزراعة في كوبا إلى البحث عن حلول عاجلة للخروج من المأزق، ولم تكن الحلول نمطية بل كانت جديدة وغير مسبوقة ساهمت في نجاح كوبا في إحتواء أزمة الغذاء والتوجه نحو تحقيق الأمن الغذائي.
ولذلك علينا في الدولة المصرية والعديد من الدول العربية قد تكون التجربة الكوبية حلًا جذريا ومثاليًا لمشكلات التقلبات السعرية للخضروات والفاكهة في الآونة الأخيرة، والتخفيف من تداعيات الأزمة الغذائية العالمية الناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية.
ولدي مصر ميزة نسبية في الإنتاج الزراعي لأنها بلد زراعي والزراعة هي الأمل في توفير العملة الصعبة في ظل تزايد الإستيراد من الخارج خاصة ان مصر تستورد 70% من إحتياجاتها الغذائية، لأنها القطاع الإنتاجي الأكبر في الماضي والحاضر والمستقبل في مصر، والمنتجات الزراعية هي الاكثر إقبالا في ظل الطلب العالمي.
ماذا فعلت دولة كوبا بشكل عملي لمواجهة أزمة الغذاء والتضخم؟
لجأت كوبا إلي تشجيع مواطنيها على زراعة كل المساحات الفضاء التي تتخلل المدن، الفناءات الخلفية للمنازل، البلكونات، الأسطح، الممرات، بالإضافة الي المدارس، المستشفيات، المؤسسات الحكومية والخاصة، وحتى الأماكن غير الصالحة للزراعة فتم زراعتها في عبوات أو أجولة عبر تربة بديلة أو منقولة.
إستغلال المخلفات الزراعية لتقليل الفجوة الغذائية
قاموا بتطبيق نظم عضوية وشبه عضوية في أسلوب الزراعة حيث قاموا بتحويل النفايات العضوية إلى كمبوست (سماد عضوي) لتغذية النبات، وهو ما يمكن لمصر الإستفادة منه خاصة ان لديها مخلفات تتجاوز 35 مليون طن سنويا من مختلف المحاصيل الزراعية والغذائية.
اللجوء للطبيعة لترشيد إستهلاك المبيدات والتوجه نحو الزراعة العضوية
إعتمدت كوبا في مكافحة الآفات التي تهاجم الزراعات والمحاصيل الغذائية سواء الحقلية أو البستانية على المكافحة الطبيعية للآفات الحشرية وأمراض النبات والحشائش الضارة، ومنعوا منعًا تامًا تطبيق المكافحة بالمبيدات في زراعات المدن لتحقيق سلامة الغذاء، وهو ما يمكن الإستفادة منه بتخفيض إستهلاك مصر من المبيدات والبالغ 10 الاف طن من المادة الفعالة من المبيدات في مصر والحد من إستخدام المبيدات الأكثر خطورة علي الصحة العامة.
نجحت ثورة كوبا الخضراء بفضل دور حوالي 380 ألف مزرعة عائلية منها 150 ألف مزرعة بيئية من إنقاذ كوبا من المجاعة وأزمة الغذاء، وهي التي جعلت كوبا تصمد أمام تلك الأزمة والتي بمقدورها أن تطيح بدول غير كوبا خلال أسابيع عندما تحل بها.
لجأت كوبا لإستخدام التكنولوجيا الحديثة لدي صغار المزارعين لزيادة إنتاجية المحاصيل من خلال تطبيقات الممارسات الزراعية الجيدة لمختلف العمليات الزراعية بدءا من إعداد التربة وتحديد نوعية مياه الزراعة ومستلزمات الإنتاج حتي الحصاد والتداول والتسويق وفقا للأسعار العالمية بما مكنها من تحقيق زيادة في الإنتاجية بنسبة بلغت أكثر من 30% في الإنتاجية وتحقيق 100% في الجودة وتقليل الفاقد إلي 5% وترشيد إستهلاك مستلزمات الإنتاج بنسبة 20% بما إنعكس علي زيادة العائد من الزراعة من ناحية الإنتاجية والجودة وتقليل الفاقد بنسبة بلغت 40%.
واصل الكوبيون الإنتاج دون الاعتماد على مدخلات الإنتاج الخارجية، لذلك تم التحول من الزراعة الأحادية إلى الزراعة المتنوعة من مختلف المحاصيل، كما تحولت كوبا من الزراعة الكيماوية والإستخدام المفرط للمبيدات، حيث كانت تستورد في السابق 23 ألف طن مبيدات لتستعملها في الزراعة الأحادية، فأصبحت بعد العام 2000 تستعمل ألف طن فقط من المبيدات.
حاليًا تنتج كوبا الغذاء للاستهلاك المحلي بدل إنتاج السلع الزراعية للتصدير فنجد المزارع متحرراً من الأزمات وبلا ديون تثقل عاتقه كما يعاني معظم مزارعي بلداننا العربية.
دور الحكومة الكوبية في ضمان نجاح الثورة الزراعية في البلاد.
قامت الدولة بتشجيع التجربة من خلال عدد من الإجراءات منها إتاحة حكومة كوبا الأراضي غير المستغلة داخل المدن للناس لمدد طويلة دون تكاليف إيجار وفتحت أسواقًا جديدة للمحاصيل والمنتجات الزراعية وشجعت المؤسسات على تسويق منتجاتها ذاتيًا للعاملين بها.
لجأت كوبا إلي تفعيل دور مؤسسات الإرشاد الزراعي بمختلف المناطق الكوبية، والجمعيات الزراعية والتعاونيات تمد الناس بمستلزمات الإنتاج من بذور وتقاوي وأسمدة عضوية ومبيدات طبيعية، فأصبح في العاصمة الكوبية هافانا مئات من البساتين الزراعية.
والأهم هو قيام كوبا بالتوازي مع هذه الإجراءات بزراعة المدن ركزت الحكومة الكوبية على تفكيك المزارع الكبرى إلى مزارع أصغر؛ لكي تكون أكثر سهولة في إداراتها وأقدر على تحمل ممارسات الزراعة المستدامة، بالإضافة إلى إنشاء أكثر من 200 مركز للمكافحة البيولوجية في جميع أنحاء كوبا تنتج كل عوامل المكافحة الحيوية من بكتريا وفطريات وحشرات نافعة.
ماذا حققت كوبا من الثورة الزراعية؟
حققت كوبا العديد من النجاحات حيث تمكنت كوبا من تحقيق الاكتفاء الذاتي من الخضروات مثل الخس، الجزر، الطماطم، الأفوكادو، الخيار، بالإضافة إلى النباتات والأعشاب الطبية وغيرها الكثير من المحاصيل النباتية وهي الأكثر طلبا لدي المستهلك في كوبا أو عند التصدير إلي الخارج.
كما تمكنت كوبا من توفير كثير من المنتجات الزراعية الحيوانية مثل الدواجن والرومي والأرانب وغيرها اعتمادًا على تجفيف المخلفات العضوية من بقايا الطعام وتحويله إلى أعلاف غير تقليدية عالية القيمة.
والأهم هو أن التجربة الكوبية لم تقتصر على توفير غذاء ذو جودة كبيرة وخالٍ من الملوثات الكيميائية، وتحقيق الاكتفاء الذاتي في الخضروات وبعض الفواكه، بل قدمت عديد من الفوائد الأخرى المهمة لصالح البيئة والمناخ، مثل إسهامها في خفض الاحتباس الحراري والحد من ظاهرة تغير المناخ العالمية نتيجة لاستخدام النباتات لثاني أكسيد الكربون وضخها للأكسجين واستبدال الجرارات الزراعية التي تطلق انبعاثات غازية ضارة من حرق الوقود بالعديد من الوسائل غير التقليدية التي تعتمد علي الطاقة النظيفة.
عملت دولة كوبا علي تحسين جودة الهواء بالمدن وتوفير مئات الآلاف من فرص العمل للعاطلين عن العمل حيث ساهمت هذه الإجراءات بشكل فعال في الحد من الجرائم خاصة مع سكان العشوائيات وأحياء الصفيح.